لأنني لم أجد من يستمع إليّ ..

أكتب الآن لأنني أخبرت ريمة غير مرة: ذاك جوهر التدوين. لن أملّ قول أنني لست على ما يُرام. فمن حقيّ أن أُعبّر عن ذلك للعالم، حتى لو رفض الاستماع إليّ. ولن يشكّل فرقًا إن أعتبرني أحدهم شكّاءًا!

لا يمكنني اعتبارها مرحلة صعبة وستمضي. وليست حتى حياةً صعبة؛ بل حياةً مسحوبة المعنى. ناقمٌ أنا على هذا العالم، وعلى والداي اللذان أحضراني إليه. أعلم أنني مُصاب بالاكتئاب، وذاك ما لا ذنب ليّ به. وأعلم أنني بذلت جهدي فخضعت لجلسة علاجٍ نفسي وأُخرى .. لا أدري كيف أصفها.

أعلم أنني حاولت إنهاء حياتي، وربما لا أقدر على تكرار المحاولة. أعلم أن دوام الحال من المحال، وأتمسّك بهذه الفكرة تارةً وأراها ساذجة تارةً أخرى.

وما يزيد ألمي، أنني لا أقدر على “القبض” على مشكلة معينة ملموسة؛ فلديّ عملٌ لائق وعائلة لطيفة ولا أعاني أمراضًا جسدية مزمنة مثلًا.

أكره الوحدة ولا أطيق مخالطة الناس. أنشغل بالكتابة دون رغبة، وتنحدر شهيتي للطعام. وتلك الأفكار الانتحارية التي كانت تزورني بين الفينة والأخرى .. تلازمني اليوم كظلّي.

قد تبدو عباراتي منمّقة لطيفة، لكنني أرغب -في داخلي- بإطلاق أقذع الشتائم بحقّ الجميع.. أعلم ألّا أحد مسؤول عمّا أمرّ به، لكنني أحتاج شمّاعة أعلّق عليها فشل سعيي نحو السعادة.. فلا أجد!

أحتاج استراحة المحارب تلك .. هُدنة … لحظة لالتقاط أنفاسي .. لكن الأيام تمضي مسرعةً، والمسؤوليات تتراكم يومًا بعد يوم.

لا أعلم أصلًا لمَ أخبركم بكل هذا!

مختنقٌ بالكلمات، فحتى ولو جاء “ملاكٌ حارس” وأخبرني عن استعداده للاستماع إليّ، فلن تجد كلماتي سبيلًا للخروج؛ اعتدت الصمت حتى نسيت معنى “الفضفضة”.

أدعو على نفسي بالموت كل يوم. طالما لست بقادر على الذهاب إليه بنفسي، ولأذهب مع معنى وجودي للجحيم المقيم!

تؤلمني رؤية نفسي هكذا، خاصةً وأن حالي لم يكن هكذا منذ 10 سنوات. أو .. مَن تُراني أخدع؟ أعلم أنني بائس مُذ خلقت.
لا أعلم كيف يعيش الناس، كيف يُمضون حياتهم ويستمتعون بها. رغم أن لديّ قناعة بكون لحظات السعادة تُقتنص اقتناصًا. لكنني صيادٌ فاشل على ما يبدو!

قُلت منذ قليل أنني انغمس بالكتابة . كذبت! . إذ حتى إن حاولت التعلّق بفكرة والكتابة عنها، أجد ذهني يتشتت بعد التفكير بفكرة خالدة: ما الفائدة من كل هذا؟

إن ظلّ الحال هكذا، فأظنني “سأفعلها”. حتى وإن كان العالم يحتاجني .. حتى لو كان يخبئ ليّ فَرجًا واستنارة ومفاجأتٍ سارّة. لم أعد أريد شيئًا سوى الراحة.

البارحة، قبل أن أخلد للنوم، جرّبت أن أحلم؛ حلمت أنني ألّفت كتابًا عمّا أمرّ به، وكان سببًا في إنقاذ حياة أحدهم. راقت ليّ الفكرة. لكن بعد أن استيقظت، وجدت نفسي عديم الطاقة لتطبيقها، لأخطّ سطرًا من ذاك الكتاب اللعين التافه!

يدعوه البعض شكًّا في الذات

في حال قالت الاستشارية النفسية أنني أعرف تمامًا قيمة ذاتي.

أشكّ!

إذ راسلتني صديقة عقب نشري تدوينة: بفرض أننا أصدقاء …

لا أنكر أن رسالتها تركت داخلي أثرًا طيبًا. إنما سرعان ما زال فجأة .. كما ظهر فجأة

أشعر أنني ذاهل عن هذا العالم؛ مخطوف ذهنيًا إن صحّ التعبير. منشغل بمشاكلي عن مشاكل الآخرين الأعظم، التي لو انشغلت بها .. لكان أجدى.

إنما .. لا أستطيع .. أنا فعلًا لا أستطيع! لا أستطيع سوى مشاهدة إنهياري .. يومًا بعد يوم .. كجبلٍ جليدي لا يدري عنه أحد.

وها قد نفدت طاقتي للأسف

لأنني لم أجد من يستمع إليّ ..

8 أفكار بشأن “لأنني لم أجد من يستمع إليّ ..

  1. الحياة حلوة وتستحق أن نعيشها لحظة بلحظة، وكل من حولنا بحاجة لنا …فلما كل هذا التشاؤوم ياطارق، اللجوء إلا الله أحسن حل. يقول الشافعي: دع الأيام تفعـل مـا تشـاء *** وطب نفساً إذا حكم القضـاء
    ولا تـجزع لحادثـه الليالـي *** فمــا لحوادث الدنيـــا بقــــاء

  2. هل تصدق يا محمد طارق، ترددت بكتابة تعليق لأني أعرف محدودية الأثر الذي قد يتركه هذا التعليق في نفسك، وبعدها قررت أن أكتب تعليقًا بجميع الأحوال، لأن الأهم أنّي أسبب بعض الإزعاج وألا أترك أفكارك وحدها.
    أود أن أقول لك أنني أشتاق إلى ما تكتبه، فاكتب رجاءً أيًا كان المحتوى، سنقرأ ونسمع.
    أكتب الآن مقالًا للجامعة عن التراجيديا، والنتيجة التي توصلت إليها: التراجيديا تتعارض مع الهوية والمعنى، لأنها تزعزع هويتنا وارتباطنا بالعالم في آنٍ واحد، لو تعرف قصة الملك الأوديب، أثناء سعيه للحقيقة ومعرفة نفسه (وهو فعلٌ حسن) صُدم بحقيقة أنه قتل أبوه وتزوج أمه، لأنه لم يكن يعرف هويتهم. نيته الحسنة في كشف الحقيقة لم تحميه بل شوهت صورته كشخصٍ طيب ففقد هويته، ولم يسلم من تقلّب أحوال الحياة، التي لن تجازيه على نيته الحسنة، وهكذا يفقد العالم معناه..
    لكن، أحد المفكرين يقول إن السلوى تكمن في فقد العالم معناه، هكذا يقل ارتباطنا فيه.. ولا ننتظر الكثير، فنهدأ ونستريح، لكن هل عالمنا يعكس بالضرورة التراجيديا طوال الوقت؟
    كل ما وددت قوله، إن مشاعرك في محلها، وإن كان للشتم ضرورة فلا بأس بذلك.

    1. لا أعلم بمَ أردّ عليك عزيزي بحر!
      هل أزعجني تعليقك؟ على العكس! 😧 غير أنه حمّلني مسؤولية كبيرة هههه 😅
      إذ لطالما رددت على التحيّة بـ”أحسن منها”، ولا أعلم ما أحسن من تعليقك. فعلى فوضويته 😛 أحببته .. لامس شيئًا داخلي. ربما شعرت أنني لست وحدي (شعور أفتقدته منذ زمن بعيد).

      أود أن أقول لك أنني أشتاق إلى ما تكتبه، فاكتب رجاءً أيًا كان المحتوى، سنقرأ ونسمع.

      يا لها من عبارة باذخة 🤩

      أحد المفكرين يقول إن السلوى تكمن في فقد العالم معناه، هكذا يقل ارتباطنا فيه.. ولا ننتظر الكثير، فنهدأ ونستريح

      ذاك ما أحاول فعله الآن. ولهذا رأيتني أكتب تدوينة “الانهيار” هذه. لم تعد أنايّ متضخمة كالسابق، لذا لم أمانع التعريّ أمامكم.
      ربما كنت أؤمن في السابق أنني مَن نُكسِب العالم معناه، لكنني اليوم أرى أن لا فائدة من ذلك أصلًا .. إذ سيتملص -وأقصد العالم- من أي معنى نُلبسه إيّاه.

      أما الشتم .. فلم يتملكني الغضب الكافي له. 🙃

  3. مرحبا طارق، اسمح لي.. هناك شيء يستعصي علي فهمه.. أنت خارج رابح من معركتك مع السرطان، لماذا تشعر بإكتئاب مزمن هكذا؟ المنطقي أن تكون في أتم الفرحة، ارجوك اشرح لي هذا ولو برابط لتدوينة أخرى..

    1. كم أنت رائع ولمّاح يا مُحب! 😍 إذ لفتت نظرك نقطة مهمة وتساؤل جوهري. وبالمناسبة، يستعصي عليّ فهم ذات الشيء، ربما ليس أن أكون في أتمّ الفرحة، ولكن على الأقل ألّا يتملكني حزنٌ عميقٌ كهذا.. 😔
      على العموم، لا أظن أن العواطف تخضع للمنطق العقلاني. وربما أدوّن حول الموضوع ثانيةً.

  4. لا أعلم ما أقول ولست بارعة في التخفيف عن الآخرين، جل ما أستطيع قوله أنه من حقك الشعور بكل ما تشعر به الآن… عادي.

    أمر آخر أني اشتقت لقراءة تدويناتك كثيرا وأحب كتاباتك أيا كان نوعها فضفضة، ذات قيمة…. ☺️🌹

    1. أحيانًا يا كنزة، كل ما يحتاجه المرء هو “الاعتراف” 😇 .. اعتراف بحقّه في ألّا يكون سعيدًا، اعتراف -وسط كل ذاك الشعور بعد الاستحقاق- بحقّه في رغباتك وأمنياته ولو كانت غير منطقية.😓

      من الطريف كيف استخدمتِ مصطلح “ذات قيمة” منفصلًا عن “فضفضة” 😆 طبعًا فهمت قصدك .. إنما أمازحكِ فحسب. 😜

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تمرير للأعلى