ماذا حدث بعد أول محاولة انتحار؟

محاولة انتحار

لا أعلم لمَ قد أوثق تجربة كهذه؛ أول محاولة انتحار! إنما أجد في داخلي رغبة لأكتب عنها. ربما لأنني مررت بما مرّت به مشاعل هنا. وأردت من قارئي العزيز الانتباه للمؤشرات التي تحملها محاولة انتحار.

لا أُنكر أن تعليقات الأصدقاء على تدوينة [3 أيام على اجتياح الأفكار الانتحارية] طبطبت على قلبي فعلًا، إنما بعد أن غاب أثرها.. أو لنقل (بهجتها). عُدت لسابق عهدي. أقصد بعد أن انتهت فترة العلاج الأوليّ تلك (شهر و10 أيام)، وتوقفت عن أخذ العقاقير الموصوفة ليّ. عاد مزاجي للتعكّر. وبدأ الأرق يغزو لياليّ .. ليلة إثر ليلة.

مرّ في خاطري ما قرأته في رواية (فيرونيكا تقرر أن تموت)، وكيف أنها وصلت إلى المصحّة. فقلت دعني أجرّب طريقتها، التي إما أن تقودني نحو الموت، أو نحو مصحٍ نفسي حيث أعيش حياة الجنون.

أردت الأول بشدّة، إذ خنقني الروتين وضغوط الحياة وتلك الشياطين الصغيرة التي تتقافز داخلي. هكذا، إلى أن حزمت أمري ونهضت ذات ليلة لأُفرغ ما تبقى من الأدوية المهدئة داخل قارورة دواء صغيرة. 30 كبسولة.. يُفترض أنها قادرة على قتلي.

قبّلت أطفالي قبلة الوداع، واتجهت نحو غرفتي. لكن قبل أن ألِجها، وقفت على بابها وانتظرت. انتظرت إشارة من القدر أو من الله أو من أي كائن؛ تخبرني ألّا أُقدم على فعلتي.

على طرف سريري، أمسكت قارورة الدواء وهممت بإبتلاع ما فيها. لكن يدي لم تُطاوعني! استندت إلى ظهر السرير وجلست أفكر: لمَ عجزت عن فعلها؟
حدّثتني نفسي: ربما لأن الإشارة التي تنتظرها مصدرها داخلك؛ نداء الحياة القادم من أعماقك.

كيف تعاملت أسرتي مع محاولتي الانتحار؟

بعد ابتلاعي الكبسولات الثلاثين، تمددت على السرير بضعة دقائق، ثم تذكرت أمرًا مهمًا: لا بدّ ليّ من الموت بين يديّ زوجتي.

وهكذا نهضت متجهًا نحو غرفة الجلوس؛ حيث تجلس رفقة هاتفها، وتأملتها للمرة الأخيرة (حسبما ظننت)، ثم أخبرتها عن مخبأ بعض المال الذي احتفظت به للأزمات.


تخدّر شعوري، حتى أن نبضات قلبي ظلّت مستقرة رغم قُرب موقع التفجير الذي حدث بعدها بلحظات.
شاهدت الدخان المتصاعد، لكن كما لو كنت أحلم.

نهضت -للأسف- صبيحة اليوم التالي، برأسٍ مُثقل وجسدٍ مترنح. ووجدت اتصالًا فائتًا من والدي. والذي اكتفى بطلب ألّا أُكرر فعلتي! يستمر هذا الرجل في تخييب أملي مرة بعد مرة. رغم أن كل ما أردته هو أن يستمع إليّ، لكنه فضّل ألّا “يُصدّع رأسه” بقصتي.

اعتدت شرب القهوة مع زوجتي، هل كان للقهوة طعمٌ مختلف بعد محاولة الانتحار تلك؟ أبدًا. لذا سألتها ضاحكًا: كان يُفترض أن أكون ميتًا الآن، ماذا يُريد الله منيّ حتى يُبقيني حيًا؟
أجابتني: يبدو أن رسالتك لمّا تنتهي .. الله يُحبّك حتى أبقاك حيًا.

هل الله يُحبني حقًا؟ بل هل يكترث لأمري أصلًا؟

أرسلت أحدهنّ الرسالة أعلاه، فدفعتني للتفكير: هل أعيش حقًا في وجدان البعض حتى يتذكرني في البقاع المقدّسة؟

وقبلها بأيام قرأت تعليق اللطيفة (ريمة) على تدوينة [هذه التدوينة لن تنفعك بشيء… جلسة اعترافات علنية]

وشعرت حينها أنه ربما -وأقول ربما- لديّ بعض التأثير في مجتمع التدوين.

سابقًا، كنت أعتبر مأساتي متمثلة في عدم قدرتي على ترك أثر، لكنني اليوم غير مهتم. (أشعر أنني أكرر كلامي هنا)

أُدرك أن رحلة الإنسان قد تتخذ مسارًا من اثنين: إما محاولة إلهاء نفسه بشتى السُبل، أو إيجاد هدفٍ أسمى يعيش من أجله.
أما المسار الأول، فلم يعنيني يومًا. إذ لطالما حرصت على استغلالي كل دقيقة من وقتي، إن ليس بفعل أو ممارسة فبالتفكير في الخطوة القادمة.
وبالنسبة للمسار الثاني، فقد كان ديدنيّ. منذ أيام مراهقتي.

لكن ما أشعر به الآن، هو السأم القاتل، يتجلى ذلك في بطء حركتي .. حتى أنني أتنفس بصعوبة وبأنفاسٍ ثقيلة أراها وأشعر بها.
خلال الفترة الماضية، شعرت بزهدي بالعمل نفسه. لم أعد أرغب في الكتابة ببساطة!
حاولت التغلّب على هذه النزعة عبر الاكتفاء ببضعة جُمل كل مرة، حتى خرجت تدوينة (الحكمة في الشعور بالضياع ♾). إنما وبمجرد نشرها، تسائلت: ماذا الآن؟

والآن، ماذا؟

لا أعلم! أحاول أن أشتت انتباهي عن كل تلك الأفكار السوداء، بالقراءة تارة، وبمشاهدة الأفلام تارة. وبعد أن وقعت في غرام السينما الإيرانية عقب مشاهدتي فيلم أخوة ليلى Baradaran-e Leila [شكرًا لـميدل ايست نيوز بالعربي على ترشيحها]، فشاهدت كذلك فيلمي طلاق Jodaeiye Nader az Simin والماضي Le passé [شكرًا يونس]، شاهدت فيلم التقرير Gozāresh والذي يتتبع حكاية موظفي في مصلحة ضرائب، عالق بين تهمة تلقيه رشوة وعلاقته الزوجية المتوترة. لا أعلم مَن رشّحه ليّ، وإن كنت لم أفهمه، لكنني التزمت مشاهدته حتى آخره؛ حيث تدخل زوجة البطل المستشفى بعد ابتلاعها حبوبًا مهدئة، ليقول الطبيب -في الفيلم- أن تلك الحبوب لا تقتل!

إذًا، انطلت عليّ حيلة القدر، ولم أكن ذاك البطل الذي نجى من موتٍ مُحقق. يبدو أن سخرية الحياة ستستمر.

حددت موعدًا جديدًا مع الطبيب، والذي سيوافق 5/8 (أي بعد 3 أيام من عيد ميلادي الثالث والثلاثين)، سأخبره بكل الأفكار التي عجزت عن البوح بها لكم .. وللآخرين.

عَتبت على عائلتي أن لم يمنحوني دفء الحُب والاحتضان الذي بحثت عنه، إنما -بتمحيص الأفكار والمواقف- توصّلت إلى أنهم ربما أُخذوا بتصرفيّ، وانكسر شيء داخلهم؛ وربما لو كنت مكان أحدهم، لفعلت ذات الشيء.

دخلت تلك الحلقة المفرغة من انتظار أن يُنقذني أحدهم، وأرجو ألا يتحول الأمر إلى (انتظار غودو).

أفكر في تكرار المحاولة، على أن تكون هذه المرة بأداة حادة، لأضمن اللاعودة. لكنني أؤجّل الفكرة لما بعد موعد الطبيب.

ماذا حدث بعد أول محاولة انتحار؟

3 أفكار بشأن “ماذا حدث بعد أول محاولة انتحار؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تمرير للأعلى