لماذا لا تتحدث عن نفسك؟ [خلاصة 33 عامًا]

ربما لم أعد أتابع مدونة (قصاصات هيفاء القحطاني) بذات الزَخم، غير أنها ما زالت مُلهمة بالنسبة ليّ. في إحدى قراءاتي الأخيرة، مررت بتدوينتها ٤٠ سؤال للأربعين – قصاصات. فقررت أن أحذو حذوها، وأُجيب عن قسم من الاسئلة التي وصلتها، محاولًا تقديم خلاصة تجربة 33 عامًا عِشتها كغريبٍ حتى عن نفسي.

لكن قبل ذلك..

أودّ شكر صديق المدونة والداعم الجميل على كلماته الطيبة

وأحييه على اختيار شهر رمضان المبارك لتقديم دعمه?؛ حيث أبواب السماء مُشرّعة. وقد دعوت له كثيرًا?. [الوقت يمضي سريعًا، صحيح؟ ? لكن لم أُرد أن أتعجّل في كتابة التدوينة]

وأحبّ التنويه إلى أننا عُدت لكتابة الرواية “المُنتظرة”، ويمكنه -كما يمكنك- متابعة مراحل كتابتي لها بنفسك.

والآن، دون إطالة، لنبدأ مع اسئلة

بعدد سنيّ أهل الجنة

ما الذي يدفعك للقيام من السرير في كل صباح؟

أنني لم أمت بعد. بديهي، صحيح؟ ?
ربما لم أعد أملك أحلامًا عظيمة كالسابق، غير أنني أحظى بحياة هادئة ولطيفة، لكل يومٍ فيها قيمته الخالصة، ممثلةً في فرصة لأُضيف شيئًا ما لحياة الآخرين.

قد تبدو فكرة “تغيير العالم” مذهلة، إنما بتّ أدرك أنها غير واقعية؛ ليس بمقدور الجميع فعل ذلك. في حين، تستطيع “كلمة” تبديل الحالة المزاجية لأحدهم. وذاك الأثر المطلوب.

على الطرف الآخر، وحين تنطفئ طاقتي حدّ عدم رغبتي بالتقلّب في السرير حتى، أتذكر أطفالي الذين ينتظرون صحوي لألاعبهم.. وأُجيب على اسئلتهم الفضولية اتجاه العالم. قد يبدو العالم مكانًا مُظلمًا أحيانًا، لكن ماذا لو كانت المسألة مسألة (وجهة نظر)؟ فالجمال والقبح موجودان جنبًا إلى جنب. فلما أركزّ على جانبٍ دون الآخر؟

ربما لم أعد شخصًا حالمًا، وربما كنت أمرّ بأزمة ربع العمر، لا أدري صراحةً. لكنني الآن موجود. وهذا المهم. لأنه يعني أن الفرص جميعها، دون استثناء، موجودة في مكانٍ ما. وكل ما عليّ فعله: تصويب نظري نحوها والسعي إليها.

وأحيانًا، أفقد صلتي بالعالم تمامًا. فيكون الحل الوحيد هو تذكر تأثير (الدومينو)؛ فأي تفاعل مع الآخرين، سينعكس إيجابًا أو سلبًا على شخصٍ ما والذي سينقله لآخر وهكذا دواليك.
لذاـ إن كنت عاجزًا عن فعل أي شيءـ فعلى الأقل يمكنني ترك تعليقات لطيفة على تدوينات الآخرين.

[تحديث 25/6/2023] بعد خضوعي لجلسة العلاج النفسي، ازدادت أموري سوءًا. إذ ازدادت الأفكار الانتحارية حدّة،

ما هي العادة التي أثرت عليك؟

تنظيم الأنفَاس.

لطالما استهنت بقدرة التركيز في التنفسّ على ضبط المشاعر ومساعدة الشخص على العيش في اللحظة، حتى أُجبرت عليه في نوبات الألم التي لا تنفع معها المُسكّنات.

فوسط برد دمشق، والذي وصف طبيبي إصابتي بالسرطان أثناءه بـ”حُسن الحظ”، كنت أنام معظم اليوم. أو الأصحّ: أضطجع متكورًا على نفسي، وحيدًا إلا من أفكاري وألمي. في تلك الأثناء، والتي أعتبرها مخاضًا استمر 6 أشهر مـ . ــتــ . ـــقـــ . ـــطـــ . ــــعــــ . ـــــة، كان يشغلني سؤال واحد: لماذا أنا؟

لطالما كنت شابًا مستقيمًا، ليّ زلّاتي وأخطائي بالتأكيد، ولكن جميعها تدخل ضمن (الطبيعي). طيب القلب؛ لا يُرضيني أن يقطف أطفالي وردةً من بستانٍ، لتُرمى بعدما يملّوها. حسّاس وشاعري؛ يُبكيني مشهد تمثيلي (رغم وعيي الكامل أنه كذلك).

حرصت على ألّا أعقد مقارنةً مع أحد، وبالطبع لم أتمنى الشرّ (هل كان مرضي شرًا؟ لا أعلم!) لأحد. هو فقط: لماذا أنا؟
أظنها اللحظة التي ولد فيها مفهوم عبثية الحياة داخل عقلي. والذي أراحني كثيرًا.

ومع ذلك، كان الغضب يتصاعد داخلي، فأبدأ باستهلاك الهواء القليل أسفل الدثار الذي يعلوني (لا تنسى أننا في الشتاء)، ومع قرب انقطاع أنفاسي، أُخرج رأسي -لا إراديًا- وتظهر فكرة مجنونة .. لكنها مريحة: لقد أختبرت المصاب الأكبر، ولا زلت حيًّا أيها البطل.

اليوم، كلما شعرت بقُرب سيطرة غضبي عليّ، قُرع جرسٌ في عقلي (لا شيء يستحق الغضب، طالما حدث الأسوء)، لا أعلم كيف أهدئ حينها، وأتمكن من استذكار تنظيم تنفسي.

وتحضرني هنا مقولة الروائية الفرنسية آني إرنو:

” تفاهة هذه الأشياء بالنسبة لي كانت ذات معنى مرعب؛ معنى إقصائي من العالم العادي.”

والتي تعرّفت عليها بفضل زميلتنا إيمان. بصراحة، لا أريد أن يمرّ ذِكر مدونة (إيمان) هكذا.

كيف تتغلبين تتغلب على الحزن والمشاعر السيئة؟

المشاعر السلبية عدو لا يمكن هزيمته، هذا ما أؤمن به.
لذا، فأنا استسلم لوجودها بالكليّة. إن كان مزاجي سيء، فلا أحاول تغييره، لنقل أنني أنحني للعاصفة ريثما تمرّ. وأستعين في تلك اللحظة، بعيش اللحظة! لا يمكنك تخيّل سحر ذلك على تعديل حالتي المزاجية.

وكثيرًا ما أستعين بالكتابة، وتحديدًا الإجابة على كورا في تعديل مزاجي. وأدعوك هنا لقراءة إجابتي على سؤال: كيف أتخلص من تأثير المواقف السلبية التي تحدث خلال اليوم وتفسد تفكيري وتعاملاتي خلال باقي اليوم؟

لما تلك الإجابة تحديدًا؟ للسبب الآتي: ?

ولكن، ماذا لو غدت المشاعر السلبية ضيفًا ثقيلًا يأبى المغادرة؛ فتمرّ -مثلًا- أيامٌ ثلاث وشعوري ذاته لا يتغيّر؟ في تلك الحالة، ألجئ للعزلة. فثبات الحالة المزاجية السيئة دليل على تراكمات؛ مشاكل لم تُحلّ .. خلاف في وجهات النظر لم نتقن التعامل معه .. مشاعر قديمة طَفت على السطح (ربما كانت نتيجة صدمات في الطفولة مثلًا). والعزلة -الخالية تمامًا من أي مُشتتات- تضعني في مواجهة مباشرة مع كل ما سبق، فلا يبقى أمامي خيار عدا مواجهتها والتعامل معها.


وإن مرّ الماضي الجميل في خاطري، فلا أمانع وجوده، أجالسه وأسامره، مذكرًا نفسي -كل حين- بسبب جماله في نظري. غالبًا ما يأتي الماضي متزيّنًا بأحلى اللحظات وأرقّها، راميًا بتلك السيئة في بئرٍ عميق. ولذا يبدو جميلًا.

عندما يأخذ العمل حيز أكبر من اللازم في الحياة، ما الخطوة التالية؟

أتقصد الخطوة التالية لاكتشافك طغيان العمل على الحياة الشخصية؟
حسنًا، لنتفق أولًا أن التوازن بين الحياة والعمل بمعنى الوصول لأقصى إنتاجية في العمل وتحقيق أقصى متعة في الحياة.. مستحيل! أما ثانيًا، فاسمع هذه القصة.

كان هناك رجل أعرفه جيدًا، قضى حياته كلها يحاول جمع أكبر قدرٍ من المال، وفعلًا.. استطاع تكوين ثروة، استثمر بعضها في شراء منزل فخم، وتجهيزه بالأثاث الفخم والأدوات الكهربائية التي يندر وجودها إلا في قصور الأمراء. في حين أدخر الباقي على شكل عملاتٍ أجنبية وسبائك ذهبية. ثم جاءت الحرب، فأُضطر للتخلي عن كل ذلك. وهرب بالكنز الحقيقي؛ عائلته، ودعى هروبه ذاك: سياحة إجبارية. [وتلبيةً لطلب صديقنا حاتم الشهري، أعترف أنني “سرقت” أسلوب كتابتها من رواية الحالم – سمير قسيمي]

إن قرأتَ الرواية، فأنت تعلم هوية ذاك الشخص: أبيّ!
ربما لم تُتح ليّ الحياة فرصًا كافية، لنجلس سويّةً -هو وأنا- وأنهل من خبراته الحياتية، غير أنني تعلمت الكثير بفضل ما حدث.

ولو عدنا بالزمن قليلًا، لمرحلة الطفولة، فسنشهد العجب!
إذ لا أمتلك ذكريات معه، فحتى خلال أيام الإجازات، كان يفضّل قضاء وقته مع أصدقائه. ربما لم نكن -أنا وأخوتي- أولويته، أو قد تكون نظرته لدور الأب مقتصرة على الأمور المادية. أو ربما أكون شطبت منها متعمّدا كل الوجوه.

وقبل دردشتي مع دليلة رقاي، حين كنا “تحت الهواء” أخبرتني أنني شجاع لاعترافي بما يخشى الآخرون مجرد التفكير فيه؛ كمقولة {لا يوجد شاب لم يفكر بقتل والده} في إحدى إجابات كورا.

والحقيقة أن الخاطر مرّ في ذهني أيام المراهقة فعلًا، ربما باعتباره وسيلة للهرب. مِما؟ لا أعلم!

حسنًا.. هل أبدو متحاملًا عليه؟ لكن العكس هو الصحيح. إذ أتاحت ليّ تعلّم الحال التي لا أودّ أن أكون عليها مع أبنائي. بعبارة أخرى، أنارت بصيرتي على تأثيرات أسلوب التربية التقليدي السيئة.
وللأمانة والتاريخ، أعذر والدي تمامًا. فإن كان جيلنا، مع تلك القدرة الرهيبة في الوصول للمعلومات التربوية، لا زال يعاني في التعامل مع أطفاله. فما بالك بزمن آبائنا وأمهاتنا؟

على الجانب الآخر، تُقلقني فكرة فقدانه. بل كثيرًا ما تسببت بأرقيّ

“كُنت تُخبرني في عزّ مرضك و وعيك ألا أقلق، فلا شيء جديد في الحياة، وهي كذلك منذ بدء الخليقة، والمكتوب سوف يأتي، والأوقات سوف تمضي، فاغتنم لحظاتك، واستمتع بحياتك و عش!”

من تدوينة يزيد آنفة الذكر

كيف تتعاملين تتعامل مع المستقبل المجهول؟

تعجبني مقولة أحدهم: “المستقبل الذي تخشاه، قد لا تكون موجودًا فيه” وأعمل وفقها. أظنها إحدى انعكاسات ظروف الحرب -وسهولة الموت- على شخصيتي، إضافة لطبيعة عملي التي تستلزم اعتبار الزمن كائنًا مخادعًا؛ تارةً يمنحني ما أريده (عشرات العملاء الجيدين) دون مقابل، وفجأة ينقلب عليّ بمصائب “لا تأتي فرادى”.. فأكون بلا عمل لشهور (كحالي الآن).

أظنني متأثرًا بالفلسفة الرواقية في هذا الجانب.

المدهش أنني -بتعاملي مع المستقبل بعدم اكتراث- أحصل غالبًا على ما أريده. لتنطبق مقولة أخرى أحبّها: رغباتنا مثل ذيل القطة؛ إن لاحَقته هرب منها، وإن تَركته لحق بها.

ربما كان الإنسان (عدو ما يجهل)، لكن لا يجب أن نُعادي المستقبل. إذ سيستخدم -حينئذٍ- قدرته العجيبة على سرقة أعمارنا، في حين أن كل المطلوب منّا التركيز على ما نملك فعلًا: هذه اللحظة فحسب.

حاولت كثيرًا انتهاج سبل التخطيط ووضع الأهداف، ثم فشلت. من الطبيعي أن أفشل، لأن الحياة تعيش خارج الورق وبرامج التنظيم.

وأجد نفسي مدفوعًا لقول: لهذا أنا لا أسلّم عقلي لمُسِكر! إذ لا أود لأي شيء أن تكون له سيطرة عليّ، ولا أريد -أيضًا- أن أخسر اللحظة الحالية.

أعلم أن عباراتي الأخيرة ربما تبدو “مجتزأة” من سياقٍ ما، لكن -والحق أقول- تعبت من كتابة التدوينة، لكنني مُجبر على إكمالها [حُرر في 4/6/2023]

مُجبر.. لأنها ستكون أفضل ما دوّنته على الإطلاق. واثقٌ من ذلك!

كيف نحس بالثقة وننطلق في المجال الإبداعي؟

لن تشعر بالثقة يومًا.. أبدًا! دعك مَن متلازمة المحتال، فليست العائق الوحيد. تكمن الإشكالية الحقيقية في طبيعة المجال الإبداعي؛ واسمح ليّ هنا بالاقتباس من الروائي سمير قسيمي:

أعتقد أن لهذا الشك علاقة أيضا بالمحيط الذي نكتب فيه وعنه. بالطبع لا أستطيع الحديث بلسان غيري، لكنني لم أعد أؤمن بوجود أيّ متعة في الكتابة، إنه عمل شاق لا يترتب عنه أي مقابل في مستواه، بل صرت أعتقد أنه صنعة بقدر ما يجيدها صاحبها بقدر ما يزداد تواضعه أمامها ليعترف أنه لم يضف شيئا يستحق العمر الذي قضاه فيها.

الكلمات في حدّ ذاتها مخيفة؛ حمّالة أوجه، ونادرًا ما تنقل مقصد قائلها/كاتبها كما هو.

أردت التنويه إلى

أهم جانب في المجال الابداعي، عدم الوقوع ضحية “مرض الأصالة”، وإنما البدء بالتقليد حتى الوصول إلى الابتكار.

لو رجعت بك السنوات للعشرينات، ماهي اهم نصيحه تنصحينها تنصحها لنفسك؟

“انشغلي بنفسك”

حين بدأت التدوين، كنت على مشارف العشرين. وكان هدفي “الأوحد كما اكتشفت” محاولة إبهار الآخرين، أو محاولة إثبات نفسي أمامهم. ربما كنت أحاول إيجاد مكانٍ ليّ في هذا العالم، لكنني سلكت الدرب الخطأ؛ فعوض أن أقول (هذا أنا)، إذ بيّ اسأل -على نحوٍ خفي- : كيفما أردتموني، كُنت!
ورغم إعجابي بحركة التدوين الشخصي السعودي آنذاك، والتي يمكن رؤية “انعكاس حديث” لها في تدوينات بحر مثلًا، لكنني فضّلت إتباع الدارج، فبدأت مع التدوين بقصد التربّح، ثم استعراض عضلاتي الفكرية عبر كلماتٍ منمّقة (لا زال تأثيرها طاغيًا في حديثي اليومي بالمناسبة!).. باختصار، كنت أخوض مع الخائضين!

لم أسعى لاكتشاف ذاتي عبر الكتابة إلا مؤخرًا، كانت الكتابة وسيلة نقد ونقض وتزلف وتسلّق، ولو أنني اتخذتها وسيلة لاكتشاف الذات، كما فعلت Arourasite، لغنمت الكثير.

إن شعور الغربة الذي يكسونا هو بسبب بعدنا عن أنفسنا ، إننا نشعر بالفقد تجاه الكثير من أمور الحياة ، ولا نعلم أن ذلك الفقد داخلي وليس خارجي ، إننا نمتلك كل شيء ، عدا أنفسنا … وللوصول إليها فإننا نحتاج إلى طريق طويل وشاق ، ومزيداً من الصمت ، فإن صبرنا عليها بلغنا الغاية ، نأنس الحياة عندما نأنس بأنفسنا .

التدوينة المذكورة أعلاه..

نصيحة توجهينها توجهها للساعين في دروب الحياة؟

“تخلّى .. تجرّد”

ابتسمت بعد مشاهدة وثائقي التجرد، إذ شعرت أنني حققت انتصارًا ما! فلطالما عافت نفسي الماديّات بشتى أشكالها

ومع ذلك، أظنني لم أفهم معنى الوثائقي كما يجب. إذ حصرت انتباهي واهتمامي بالأشياء المادية والملموسة. في ذات الوقت الذي أبقيت تعلقي بالأشخاص والمشاعر السلبية والذكريات الطيبة.

تطفو الأخيرة على سطح الوعي كلما تمددت في سريري، أتذكر حماستي أيام الدراسة تجاه تطوير الويب والألعاب ومونتاج الفيديوهات، ورغبتي بتأليف رواية استثنائية

متناسيًا أن الماضي يبدو أجمل دائمًا، والتعلّق به يعني التضحية باللحظة الراهنة، وبالتالي: المستقبل.

أعتقد أنني لم أفِ الفكرة حقها، لذا اسمح ليّ بإحالتك لتدوينة نوار طه.

كيف أتخذ القرار السليم وأتجنب الندم على قراري؟

شغلني سؤالك لسنوات، حيث نشأت وسط بيئة تُهوّل الأخطاء. لكن وكما قلت سابقًا:

“كل شيء يبدو غبيًا عندما يفشل”

على سبيل المثال، هل تصدق أنني أندم على أفضل قرار في حياتي كثيرًا؟

عمري قريب ٣٠ سنة ويجيني الاحساس اني ما أنجزت كتير في حياتي مقارنة بغيري، سواء من بزنس او منصب كبير او زواج.. كيف اقدر اتخطى؟

أعتقد أن في الأمر سرًا! إذ بدأت مسودة حول هذه النقطة

وأين السرّ؟ في توقيت كتابتها

قبل قرابة 3 سنوات، أي حين كنت في الثلاثين! المهم، لا زلت متمسكًا بتلك القناعة؛ مشكلتنا في المقارنة، ولا أعلم إن كانت من طبيعتنا بصفتنا بشرًا، أم تُراها إحدى نتائج انفتاح بعض العالم على بعضه الآخر؟

وهكذا، أعتقد أن سرّ “التخطي” يكمن في تذكر مقدار اختلافنا في كل شيء حرفيًا: ظروفنا – قدراتنا – مقدّراتنا – رسالتنا في الحياة.

وأقتبس هنا قول العزيز /مؤازر صالح/ في ذكرى ميلاده الـ 36::

نجاحك مرهون بزمنك الخاص

فلا تبتئس ولا تجزع ولا تظن أنك في منافسة مع أحد، افرح للآخرين وصدقني سيفرحوا لك، نجاحك مرهون بوقتك أنت لا بأوقات الآخرين، والنجاح ليس مال ومنصب فقط، النجاح هو ما تريده أنت من هذه الحياة فقد يكون أسرة جميلة متكاتفة، أو وظيفة أنت شغوف بها، أو سكينة وراحة بال .. فاختر ما يناسبك ودعك من المقارنة والحساب، فكلٌ ميسر لما خلق له ..

هل التدوين أثر على طريقة تفكيرك للامور؟

أعلم أن البعض ملّ كِثرة ذكري لكيف كان امتهان التدوين أفضل قرار في حياتي! لكن ما باليد حيلة، فتلك الحقيقة.
إنما لأتحدث الآن عن تأثيره على طريقة تفكيري.

يقولون: داخل كل شخص طفلٌ صغير. وأقول: بل مدون كبير ينتظر الفرصة للظهور. وإن سمعت -أو بالأحرى شاهدت- مقابلتي مع المدونة العظيمة دليلة رقاي، فستلفت مقولتي نظرك بلا شكّ: التدوين أزليّ.. وأبدي [حسنًا، لم أُقلها بهذه البلاغة، إذ كنت مرتبكًا].

البعض يخشى التدوين لأنه يراه تعريةً للذات، وبالنسبة ليّ، ذاك المقصد منه أصلًا.

نلاحظ كيف يُعيد التاريخ الوجداني نفسه، فتجدنا نرتكب ذات الأخطاء، ونشكو لبعضنا ذات الهموم، وربما سخر بعضنا من سذاجة البعض الآخر. فما الذي أوصلنا لهذه المرحلة؟ عدم التدوين كفايةً!

مهمة التدوين ليست سهلة، أعلم ذلك. بل واعترفت -في مكانٍ ما- أنني نشرت لسنواتٍ تحت اسم مجهول. ثم أدركت ألّا شيء يستحق الكتمان. فليعلم الناس أنني كدت أفطر في رمضان، أو فكرت في قتل نفسي، أو أحترم/اعتنق مذهب العدمية.. أين المشكلة؟!
يومًا ما، سيمرّ أحدهم من هنا، ويرى نفسه.

على الجانب الآخر، علّمني التدوين أن (مُعظَمُ النارِ مِنْ مُستَصْغرِ الشَرِرِ)؛ أقصد أن الإنجازات العظيمة تظهر نتيجة تراكم الأفعال الصغيرة. لذا، غالبًا ما أكتب التدوينة الواحدة على فترات، فقرة -أو حتى سطر- كل يوم. حتى تأتي لحظة أشعر أنها “مقبولة” لنشرها.

هكذا غيّر التدوين نظرتي للأمور.

الطريف في الأمر، أنه حتى غيّر أسلوبي في التعبير، وأضفى حُلّة جديدة في تعاملي مع الذكريات.
على سبيل المثال، حين قررت نشر موضوع “أنت لا تعاني وحدك.. فنحن إلى جانبك“، كان في نيتي إتباعه بآخر ثم (ربطهما داخليًا). ولم أستسغ فكرة المواضيع القصيرة (الأكثر انتشارًا في المنتديات).

أرى التدوين أسلوب تطوّع ممتاز لمن يواجه صعوبة في الالتحاق بمؤسسة ما، لظروف البلد القاسية (كما في بلدي سوريا) أو لصغر سنّه أو لغيرها من التحديات.

كيف نجعل من الكتابة عملًا يدر المال؟

الكتابة مُربحة فعلًا، لكن هل يغتني المرء بفضلها؟ لا أظن ذلك.
بصراحة، أنا مشوّش قليلًا.. إذ لم أفهم مقصدك تمامًا من “الكتابة”. لا تستغرب! فَتحت تلك الكلمة البسيطة، تندرج عشرات الأنواع والتصنيفات؛ الكتابة الإعلانية – الكتابة الروائية – وحتى كتابة منشورات السوشال ميديا عن “الماجاريات” التي تحوّل المرء لمؤثر بين عيشةٍ وضحاها!

لذا، حدد ليّ نوع الكتابة المسؤول عنها، عليّ أساعدك. أو يمكنك الاشتراك في نشرتي البريدية، حيث سأسرد تفاصيل تجربتي في الكتابة المدفوعة.

اتخاذ الفرد لنفسه اسم مستعار يتخفى به ويروج لذاته بذلك بدلا عن اسمه الحقيقي، هل تجدين تجد في ذلك تلوّن وفقد للمصداقية واضطراب في الهوية أم تجدينها عادة دارجة ولا سوء منها؟

لكلٍ أسبابه، خاصةً ونحن نتحدث عن “ترويج ذاتي”؛ سيحرص الكاتب على تجنّب “اللامصداقية”

وإن ظننت لفترة أن العلامة التجارية الشخصية تقتضي أن يصرّح المرء باسمه، فقد اتضح أن ذلك غير دقيق (فهذه قصة كاتب إعلانات لا يعلم -حتى عملائه- اسمه الحقيقي!)

كيف يستمر حماسك للإنجاز؟

سأستغني عن كلمة “للإنجاز”؛ لأنه يقتضي وجود أهداف تستدعي الإنجاز، وأنا -كما تعلم- بلا أهدافٍ حاليًا.
إذًا، كيف يستمر حماسي لفعل أي شيء في الحياة عمومًا؟

أقتنعت مؤخرًا ببضعة مبادئ:

أن الإنسان هو من يخلق الغاية، لا العكس.

لا توجد علاقة بين الغايات وقيمتها على المستوى الواحد. فمَن يسعى للشهرة في المجال الديني لا يفوق “نُبلًا” الساعي لألها في مجال الفنون.

كلما زاد قطر دائرة التأثير، كانت الغاية أسمى. والبداية بأن يتجاوز المرء نفسه.

وبناءً على ما سبق، توسّعت مُسببات حماستي؛ فأصبحت الابتسامة والكلمة الطيبة (إنجازات)، ولم يعد يُحبطني أن تكون حصيلة يومي: ترك بعض التعليقات اللطيفة على مدونات الآخرين.

أحب كذلك فكرة الاستمرارية دون مواعيد نهائية، والتي قرأتها أول مرة في مدونة يونس بن عمارة. وآمنت بها تمامًا؛ لذا لم يعد مستغربًا منيّ إتمام سلسلة بعد انقطاع 3 سنوات.

ما هي التجربة الأكثر تأثيرًا على مسار حياتك؟

يحتل حديثي عن اصابتي باللمفوما المرتبة #2 للأحاديث التي ملّها الناس!
لكنها -بحقّ- التجربة الأكثر تأثيرًا على مسار حياتي. وأظن التأثير واضحًا، بدليل تغيّر موضوعات تدويناتي قبل/بعد التجربة.

فسابقًا، كنت أتسوّل الاهتمام -والمال أحيانًا!- متمركزًا حول ذاتي. لكن رحلة اكتشاف المرض، مع ما تضمنته من رؤية مرضى آخرين بحالاتٍ أسوأ، غيّرتني. أدركت أنني لست محور الكون كما ظننت،

حتى وصلت للتخليّ عن تويتر. لا لتأثيره على انتاجيتي ونفسيتي -كما ذكرت في التغريدة الختامية– فحسب، بل لأنني تفوقت على نزعتي نحو الذاتية (أو هكذا أظن على الاقل!).

هل كانت لديك مخاوف التقدم في العمر دون وجود أهداف؟ كيف كان تصورك لنفسك في الأربعين الثلاثين عندما كنت في العشرين، وكيف تقارنينه تقارنه بنفسك الآن؟

بدايةً، أظن أن “إعادة صياغتي” للسؤال، جعلته أكثر إدهاشًا! إذ حدثت تحولات خلال (سنيّ حياتي العشرة) أكثر -ربما- مما حملته العشرين سنة التي يفترضها صاحب السؤال.

لا أعلم ما الغاية من الفقرة أعلاه! في الواقع، أجهل -حتى- سبب إجابتي على هذه الاسئلة! لكنها تحوّلت إلى.. لعنة .. يحتاج التخلص منها تعويذة (=نشرها).

حسنًا، لنعد إلى السؤال..
أظنك تقصد “دون وجود إنجازات“، صحيح؟ أظنها مُعضلة تواجه الجميع.

إما أنا فمقتنع بوجهة نظر إسراء التي طرحتها في تدوينة اليوم الثالث: بعض المشاكل لا حل لها و الواقع لا يُحتمل [التدوينة مليئة بالتأملات العميقة]:

هل هناك قاعدة لنجاح البعض؟ لا، التوفيق فقط من الله و الوقت المناسب و الفرصة المناسبة و النصيب، هل هذا يقلل من عدم الحاصلين على النجاح؟ لا، طالما بذلوا جهدهم فـهم بخير.

أما عن تصوراتي -حين كنت في العشرين- عن حالي في الثلاثين، فكان طموحي بلا حدود. كنت لا أزال في الجامعة، ورأيت مستقبلي مرسومًا بالـ”ميلي”؛ أتخرج وأعمل في بنك محترم، ثم أتزوج، وأمتلك منزلًا فخمًا (مع غرفة مكتب أختلي فيها بكُتبي)، و.. يحدث ما لم يكن في الحُسبان.

اليوم [24/5/2023]، تخلو حياتي من الأهداف، أو ربما أبالغ.. لذا سأقول أنها تتزاحم في عقلي حدّ عجزي عن تحقيق أي منها.
أرغب بتكوين جمهور عريض لكتاباتي، يدعمني حين أرغب في إطلاق كتابي القادم.
وفي ذات الوقت، أحارب -كالبقية.. لا شيء يميزني- في سبيل لقمة العيش، وتتناحر الرغبات داخلي؛ ما بين تخليد اسمي في التاريخ (أو محاولة ذلك على الأقل) ومحاولة رسم خطوط مشرقة لمستقبل عائلتي.

في عشوائيّات الحياة اليومية، تسأل ياسمين محمد ✿:

هل ينبغي أن تهزّنا مأساةٌ ما لنستعيد تلك القدرة على التمنّي والتطلع نحو المزيد؟

ولا توجد إجابة نهائية لسؤال كهذا، حتى بالنسبة لذات الشخص.
على سبيل المثال، لماذا أكتب حتى الواحدة صباحًا بدلاً من قضاء الوقت مع زوجتي؟ أريد أن أترك بصمة واضحة في العالم، لكنني أيضًا أريد أن أكون زوجًا وأبًا رائعًا.

تجبرنا الحياة على تغيير الأولويات، ولذلك يتغيّر تعريفنا لما هو عظيم. على الطرف الآخر، كلما طال تعلّقنا بطموح معين، فقدنا القدرة على التوازن فيما يخصّ كل شيء آخر.

كغيري، قرأت عشرات التدوينات والنصائح والإرشادات حول تحقيق التوازن بين الحياة العملية والشخصية. لكن وحدها الحلقة قبل الأخيرة من مسلسل (الخلافة – Succession)، وتحديدًا جنازة (لوجان روي Logan Roy)، زعزعت كياني!

ما هي الشخصية الأقرب لهيفا لطارق؟ (من شخصيات هيفا طارق نفسها) 

أعجبتني صياغة السؤال صراحة، إذ أشعر أن شخصية المرء أكثر تحديدًا من (كينونته)؛ ما يجعل الإجابة على سؤالك أسهل.
لطالما أحببت وصف نفسي بمراهق في جسد رجل. ما يجعل شخصية (المراهق) بكل تقلباتها.. الأقرب إليّ.

المضحك في الأمر، أنني كنت -في مراهقتي- أكثر معرفة بذاتي من الآن!
لا زلت أذكر وضوح أهدافي آنذاك؛ تغيير العالم عبر التدوين، وتطبيق مفهوم (الاستخلاف في الأرض) بحسب فهمي له من كتاب “البوصلة القرآنية”.
ربما كانت مشكلتي الوحيدة: اضطراب مفهومي للحب. ليكون عبارة عن “احتياج” أكثر من أي شيء آخر. وأظن المشكلة لا زالت قائمة. في الغالب، بسبب تشوّه صورتي الذاتية.

بكل الأحوال، وبما أن شخصيتي دائمة التبدّل والتطور (أرجو ذلك)، فإجابتي ليست حاسمة.

ويحضرني هنا ما سُطر في اليوم الثامن والعشرون من محرَّم، حيث تقول الكاتبة “مجهولة الاسم”::

هممت أن أعقِّب، فقالت لي نفسي في صلف وكبرياء: إنكِ لن تفهميني ولن تكشفي أسراري أبدًا، أنا كالماء في جريانه وكالهواء في خفته وكالليل في خفائه وكالصحراء في غموضها، إن العمر سيبلغ بكِ غايته وستُبدِّدين عندها كل الحجب وتبعدين كل الأستار، إلا أنا، سأظل كما كنت؛ لغزًا عصيًا على الحل مستغلقًا على الفهم، سأظل كالسراب في عين كل ظامئ، كانعكاس صورتكِ في النهر، تمدين كفكِ لها لتدركي كُنهها فينقلب إليكِ الكفُّ خاسئًا.

 كيف اتخطى الفشل؟ خصوصا الفشل الدراسي.

تقدمت لامتحان الثانوية العامة (البكالوريا) 3 مرات؛ رسبت في إحداهن في حين عجزت عن تحقيق نتائج مشرّفة في الأخريتين. لذا، يبدو أنني الشخص المناسب للإجابة على السؤال.

امتلكت تعريفين للفشل.
لطالما أُعتبرت الفتى الذكي، فالجميع يُشيد بسرعة بديهتي، وسِعة إطلاعي

ولو ركزنا في جملتك (الفشل الدراسي)، لأكتشفنا أنها تتحدث عنه -أي الفشل- في جانب واحد من جوانب الحياة. وصراحة، لا أعلم لِمَ نوليه ذاك القدر من الاهتمام!


“تطوّرت” نظرتي للفشل بعد قراءة كتاب [قوة الفشل – شارلز مانز]

ما هي نصائحك لمن يستعد لبدء مشواره العملي؟

عملت ضمن شركة والدي لسنتين

لا تتعلق بالمكان.

ايش فيلمك المفضل اللي تعيدينه تعيده كل سنة ؟

لست ممن يتعلقون بفيلم معين.

حاليًا، استمتع بمسرحيات (رجل المسرح) جورج خبّاز.


بعد إنهائي الإجابات على اسئلة آ. هيفاء، وجدت اسئلة أخرى من أحد أعداد نشرة Stephan Ango، وكانت مثيرة للاهتمام بحيث أُجيب عليها.

هل حظي أحد أقاربك بمولود؟ هل توفي أحد أقاربك خلال العام الفائت؟

توفيت جدتي .. ثم لحقها جدي. لا أعلم إن كان نشر صورتها -بعد وفاتها- عيبًا واختراقًا للخصوصية. إنما كان هدفي استنزال الرحماتٍ على روحها. ومحاولة لتخليدها في العالم بشكلٍ أو بآخر.

ذاك شيء أرادته في حياتها، هي الأم والجدّة التي لم يقدّر وجودها أحد (حتى أبناؤها!).

توقفت أصابعي عن الكتابة بعد الجملة الأخيرة، شعرت أنني غاضب. أتعلمون ذاك الغضب الذي يتسلل إلى النفس، ويتصاعد كأنغام سيمفونية؟ هو ذا!

هدئ غضبي حين قرأت تدوينة د. عبدالله بن ياسين بخاري.

وشعوري مُشابه لشعور رشا كمال حين قالت:

عقلي لم يستوعب الموت عند رحيل أمي وبقاء أبي إلى جانبي منحنى سبب للعيش، أما الآن فقد تركني هو أيضا وينبغي أن أجد سببا كافيا لتحمل حياة بالكاد أطيقها

إذ كثيرًا ما أفتقد حكمة كليهما، في عالم شديد الجنون والمجون.

مقارنة بذات الوقت من العام الماضي، هل أنت: أسعد أم أحزَن؟ أغنى أم أفقر؟

لا هذا ولا ذاك. إذ تغيّرت مفاهيمي كليًًا!

تغير مفهومي للسعادة بالتأكيد. وللأهداف كذلك. أدركت أن السعادة في الرحلة، ولو بدت جملة ممجوجة، لكنها تستحق إمعان التفكير فيها.
لن أدخل دوامة الجدل حول مفهوم السعادة أصلًا، إنما سأفترض -من باب التبسيط- أنك تتحدث عن راحة البال.

قرأت في مكانٍ ما، أن السعادة ليست الحالة الطبيعية للإنسان. وصدقني حين أقول أنني أجيد التفريق بين السعادة والمتعة/اللذّة. وعلى عكس ظنوني -أنا شخصيًا قبل الآخرين- فقط منحتني تلك المعلومة سكينة عجيبة!
إذ قضيت شطرًا طويلًا من حياتي أبحث عن السعادة، حتى قرأت أنها موجودة “داخلي”، ولمّا لم أجدها.. لُمت نفسي واتهمتها بالتقصير والسوداوية. أما الآن، وبعد معرفتي [المعلومة الجديدة] أصبحت أقدَر على التركيز فيما يُفيد فعلًا: محاولة ترك آثر في حياة الآخرين.

أظنني أشرت في موضعٍ ما، حيث لا طاقة ليّ بإعادة قرائتها، إلى أنني كتبت التدوينة على مدى شهور.
وخلال تلك الشهور مررت بمئات التدوينات والمقالات، ومن ضمنها «لديك اكتئاب» هل تكفي كلمتين؟ عن اللغة داخل العيادة النفسية

ما الذي تمنيّت لو أكثرت منه؟

“تدوين يومياتي”

كثيرًا ما أكدّت على أهمية اليوميات، لكنني شخصيًا لم أكن أرى في حياتي ما يستحق التوثيق. لأكتشف -مع الأيام ومتابعة نمط أسئلة كورا Quora- تشابهنا.

رأيت التوهان بين خيارات الحياة الذي عانيته أيام مراهقتي، والتعافي من قصص الحُب الفاشلة/الساذجة،

ولمّا كنت أستفيد من إجابات البعض، وتدوينات يوميات البعض الآخر، فقد شعرت أنه لزامٌ عليّ كتابة التدوينات.

على الجانب الآخر، حياتي ليست بذات الرتابة. فتجربة مثل السرطان لا يجدر بها أن تمرّ مرور الكرام (لن أقول اللئام!). وصدّق أو لا تصدّق، لم يحتفظ المحيطون بيّ بأي ذكريات عن تلك الفترة! سألتهم، وأجابوا: كانت فترة سيئة ومَضت، لا أعادها الله (اللهم آمين).

لحُسن الحظ، استطعت -أثناء المرض- كتابة ما يُشبه نواة لكتاب قادم حول التجربة، ولا زلت بين الفينة والأخرى أسجّل خواطر ومشاعر انتابتني خلال تلك الفترة (تعاود الظهور في ذات تاريخ الجرعات).

ربما لا يكتمل الكتاب خلال عامٍ أو اثنين، وذاك يُقلقني، إذ قرأت عن تلاشيّ الذكريات بعد مُضي فترة من الزمن. لكن شيء أفضل من لا شيء، أليس كذلك؟
بعد كل ما سبق أقول، سأؤكد دومًا على تدوين ذكرياتنا ومذكراتنا، والاحتفاظ بتاريخنا الشخصي مهما بدا بسيطًا؛ فنحن متشابهون أكثر مما نظن.

ما الذي تمنيّت لو قللت منه؟

القلق المالي

شغلني الموضوع حدّ التدوين عنه، ومع ذلك لم أتمكن من تجاوزه.

أظنني أحتجت وقتها بِمن يذكرني بمبدأ رواقيّ مهم: تقبّل ما لا يمكنك التحكم به. وفي اعتقادي، لا يمكن للمرء التحكم بمتى يأتيه المال.

اتأمل الباعة الجالسين على أبواب محلاتهم التجارية ينتظرون زبونًا؛ لا يمكن لأحدهم إجبار المارّة على الشراء. رغم أن الجميع “يأخذ بالأسباب” لكن يبقى “الرزق مقسوم”. وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى

ما هو برنامجك/فيلمك المفضل؟
ما هو أفضل كتاب قرأته؟

ما الذي أردته وحظيت به؟

“السكينة”


لطالما كنت ذاك المراهق الغاضب (حتى وأنا في الثلاثين)؛ تهزّني الأحداث البسيطة والعقبات السهلة وانتقادات الناس. ربما لم يكن غضبي ظاهرًا للعيان، لكنه ظل موجودًا دائمًا.

اليوم، أنا أكثر هدوءًا، وذهني أصفى بكثير. أجهل حقيقةً كيف وصلت هذه المرحلة، وحتى لو أسميته (نضجًا).. فلا أعلم كيف نضجت!

إنما سأحاول معكم تحليل “دواعي النُضج”.
في المرتبة الأولى، ورغم إنكار البعض، يلعب السنّ/العمر دورًا؛ هل يمكنك تخيّل حجم التجارب التي يمرّ بها المرء خلال سنة.. 5 سنوات [وأكبر دليل على حجمها، أنها السؤال الأشهر لمسؤولي التوظيف ?]، فما بالك بـ 33 عامًا؟!


ما الذي أردته ولم يكن من نصيبك؟

أعود هنا لتدوينة ياسمين محمد، وحديثها حول “أنس الصغير”::

تصر أمي أن كل شيء على ما يرام “مشكلة بسيطة في طريقة الكلام” كما تقول.. ولا أرى ما تراه، لديه مشكلة اجتماعية حادة وضعفٌ في الثقة بالنفس

فلديّ قصة أرويها؛ لا أعلم إن كان من باب التوثيق، أم المواساة، أم لأنها كانت جزءًا من حياتي.

لديّ طفلان، وكان يُفترض أن يكونوا ثلاثة.
القصة تبدأ حين حملت زوجتي بتوأم، فمات أحدهما بعد 5 أيامٍ من مولده. لا يمكن لأحد، إلا لو مرّ بموقفٍ مشابه، تخيّل حجم الألم الذي عانيته آنذاك. ورغم مرور 7 أعوامٍ على القصة [إلا 5 أيام، فاليوم 26/5 يُصادف عيد ميلاد ابنتي] لكنني أشعر -وأنا أكتب هذه الكلمات- أن جُرحي لا زال طريًا. فأتنهد.. مرارًا.

عُدت يومها من (مكان الدفن).. تبدو الكلمة الأخرى قاسية لأصف بها مكان دفن رضيع! .. جلست استمع إلى أغنية [يا ولدي]. وعند مقطع (سأضمّك والصبر جريحُ .. سأعشق والقلب نبيحُ .. مهما عصفت ضديّ الريح .. لن أحني في يومٍ ظهري) انهرت تمامًا! بكيت كما لم أبكِ في حياتي كلها.
وظهري لم يُحنى .. بل كُسر..

تمرّ الأيام، وتحمل حبيبتي ثانيةً. وكـ رد فعلٍ تلقائي، طلبت منها إجهاض الطفل.. لكن رفض جميع الأطباء تنفيذ ما أردناه.
بالمناسبة، وُلدت طفلتي مع ثقبٍ في القلب، عانينا عامين كاملين قبل أن يلتئم.. كان شبح الموت يحوم حولنا خلالهما.

ولد صغيري، رضوان، سليمًا ومعافى. إلى أن مرّت أعوامُ ثلاث، ولسانه “ثقيل” في الكلام. استشرنا العديد، ما بين أقارب وأطباء، وكان ردّهم: طبيعي .. الصبيان يتأخرون في الكلام .. وحتى أخي (عبد الكريم) دخل رياض الأطفال قبل أن يستقيم لسانه.

ثم.. وأثناء فحصٍ دوري، اكتشف الطبيب أن طفلي يعاني من التهابُ الأذن الوسطَى الإفرازيّ؛ الذي تسبب في وجود سوائل داخل أذنه، ما يعني أنه طيلة السنوات السابقة لم يكن يسمعنا أكثر مما يسمع المرء “تحت الماء”!

لم تكن “مشكلة بسيطة في طريقة الكلام” بل كارثة.. إذ يكوّن الطفل -خلال سنواته الثلاث الأولى- معظم مفرداته، الأمر الذي حُرم منه طفلي.

وهنا، ألقينا اللوم على أنفسنا، لرفضنا إياه أثناء الحمل.

ماذا فعلت في عيد ميلادك؟

نشرت التدوينة التي تقرأها الآن (نعم، اليوم ذكرى يوم ميلادي)

أردت جدولة التدوينة لتُنشر في 13/8، ثم أحجمت عن قراري. إذ شعرت -بعد قراءة تدوينة مَحمُود زِقلام– أن من واجبي إزالة شعور “الغرابة” عن روحه.

ما يبدو غريبًا على البعض، هو أنّ العمر مصيدة للاحتفالات، وأن المعاني تتقلص كلما مرّت أيامنا تواليًا. فعلى سبيل المثال، فرحة عيد الميلاد كانت دائمًا مُميزة ويومٌ أبدو فيهِ شخصًا مُتهيئًا للقاءِ ضيفِ ما، ولكن بالنظر إلى آخر السنين، أصبح بريق هذه المُناسبة أخفت، ومحاولة التمثيل تحتاج جهدًا أكبر. بالطبع لا أقصد أن أُفسد هذه المُناسبة على أحدٍ، ولكن لشخصٍ مثلي، أوّد نشر ما يعني أنّك لستَ وحيدًا يا عزيزي.

التدوينة المذكورة أعلاه

وبالحديث عن أعياد الميلاد، إليك ما كتبته سارة الجريسي في عيد ميلادها الثالث والعشرين.

ما الدرس الحياتي القيّم الذي تعلمته هذا العام؟

كنت على وشك الخلود للنوم، حين وصلتني صورة -على الواتسآب- لأخي الصغير (25 عامًا) مسلتقيًا على سرير المستشفى.

حين كنت في الثامنة من عمري، علمت أن والدتي حامل، ولمّا كنت الأخ الأكبر لفتاتين يلعبان مع بعضهما طوال الوقت، فقد سألت والدتي: هل يمكنكِ أن تُنجبي ليّ أخًا ألعب معه؟ أجابتني باسمة: هذا علمه عند الله، يمكنك أن تدعوه سبحانه ليكون الذي في بطني صبيًا.
وهكذا، جلست على (سجادة الصلاة) أدعوه: يا رب بدي أخ.. أمانة ابعث ليّ أخ..
واستجاب الله دعائي.

تمرّ 6 سنوات، ويدخل أخي (عبد الكريم) المدرسة. وبعد أسبوع، وقفت على باب غرفة نوم والدتي اتسّمع إلى حديثه مع أمي؛ يشكو لها زميله الذي يأخذ منه (سندويشته ومصروفه) كل يوم.. فبكيتُ بحُرقة.. أردت الانتقام لأخي الصغير من ذاك المشاغب التافه.. أردت سحقه واستعادة كل ما أخذه من أخي! واستأذنت والدتي أن أفعل، فضحكت وقالت: الأمور لا تُحلّ بهذه الطريقة.. سأتفاهم أنا مع المدرّسة.

تمضي السنوات، وأكون قدوة ذاك الصغير في كل شيء: يلعب ذات ألعاب الفيديو التي ألعبها، يقرأ أعداد (رجل المستحيل) قبلي، نُتابع [أحلام أبو الهنا] ونضحك على ذات المقاطع، التي نُعيدها ألف مرة. ونسخر من أبطال المصارعة الحرّة ونؤلف حولهم سيناريوهات متخيلة.

نتشاجر.. تعلو أصواتنا فوق أصوات بعض، ثم نعتذر ونعانق بعضنا.

وهكذا، حين تزوجت في 2015، أخبرتني والدتي أن في ليلة انتقالي إلى منزل الزوجية، يدخل (عبد الكريم) في نوبة حزن شديد ويقول: ما شبعت لسه من أخي.

والآن يمكنكم تخيّل شعوري حين أراه في المستشفى. مَن؟ ابني الذي لم أُنجبه.. أخي الذي كان استجابةً لدعائي المحرور.

ذاب الزمن، فلم أدرِ ماذا ارتديت ولا كيف وصلت إلى المستشفى، لأراه ممددًا هناك مع كل تلك الأنابيب الموصولة إلى جسده. قاومت رغبة جامحة في احتضانه والبكاء على صدره (إذ صدرت تعليمات واضحة بعدم ملامسته أو أيٍ من متعلقاته الشخصية)، سألت أهل خطيبته الذين وصلوا قبلي عن تطورّات حالته، الأسرع من قدرة الجميع على مواكبتها؛ انهار جسده خلال أقل من 3 ساعات.

مرضه؟ الالتهاب الكبدي الوبائي / (أ).

عدت لمنزل أهلي القريب من المستشفى بعد ساعة قضيتها هناك. لمَ لم أبقى؟ لأن ذاك يهدد حياتي شخصيًا نظرًا لإضعاف السرطان مناعة جسدي؛ أصبح الأخير مُغناطيسًا قويًا لأي (فيروس).

تلفّت حولي، لأرى كيف تحوّل (ملعب الصبا) إلى (سجن ذكريات) لأهلي الذين يبعدون عن كلينا آلاف الكيلومترات الآن.
وسألت نفسي: ماذا لو أنهيت حياتي ذاك اليوم؟

قضيت 3 أيام (آخرها اليوم: 3/5/2023) في رحلات مكوكية، ما بين المشفى ومنزل أهلي، ومع كل رحلة.. يترسخ الإدراك الأهم: حياتي مهمة لِمن حولي (عكس ما أحاول إقناع نفسي).

دوري كأخّ.. لا يعوض.

وجودي كأبّ، لا يمكن استبداله.

أنا حجرّ في أساس بناء عالمي، سينهار لو اختفيت. غير صحيح.. قررت إنهاء هذه المهزلة

في اتصالٍ مع والدتي، سمعت عبد الكريم يقول: لا تقلقي، فأهل خطيبتي إلى جانبي، وأخي في ظهري [سند]

بالتأكيد سأموت يومًا ما، وستتضعض عوالم الآخرين بذاك الغياب -وإن لفترة- ثم تستمر الحياة. إنما، يُفترض حدوث ذلك بعد أن استكمل رسالتي في الحياة لا قبل ذلك.

وأود ختم التدوينة باقتباس مؤثر، ذكرته الزميلة شهد في تدوينتها:

“إننا نتشابه جميعًا: نتشابه بآلامنا وعثراتنا، لأننا جميعًا لا نتصف بالكمال، ونجهد في إخفاء ذلك. هذه المجهودات تثقل كاهلنا: نحاول جاهدين إقناع أنفسنا بأنه لم يعد لدينا مكان للآخرين. ونعتقد أن القناع يحمينا في حين أنه يعزلنا: إذ ننسى أن خيباتنا تقرّب فيما بيننا أكثر من حالات نجاحنا.”

لماذا لا تتحدث عن نفسك؟ [خلاصة 33 عامًا]

7 أفكار بشأن “لماذا لا تتحدث عن نفسك؟ [خلاصة 33 عامًا]

  1. لقد قرأت تدوينتك صباح العيد وأكملتها حتى نهايتها.
    والحق أنها بثت فيني رغبة دفينة في أن أكتب وأن أفصح وأن أبوح، وهذه الرغبة تعتريني كلما قرأت سطرًا أو تدوينة أو كتابًا تُلامس كلماته تلافيف الأعماق وتطرق أبوابها.
    وقد أثارت أيضًا أسئلةً خبئتها في ثنايا صدري وواريتها تراب النسيان، لعلها ليست مثل أسئلتك، لكنها شبيهة بها، ليس في مظهرها وهيئتها وموضوعاتها، بل في مكاشفتها لخبايا نفسي وملاحمتها لواقع حياتي وتجلياته. أظن أن لكل منا أسئلته، ولعلي آخذ الآن ورقة وقلمًا لأدون أسئلتي وأجيب عنها، وقد أنشرها في المدونة يومًا (ولن يضيرني أني كاتبة «مجهولة الاسم»)، وأما العيد فأدعه جانبًا، فهو يأتي كل سنة!

    1. تعليقك -بالنسبة ليّ- بألف تعليق🤩. لمدونتك مكانة خاصة لديّ. و”دوران” تعليقك حول ذات النقطة يُثبت أنها لامست الأعماق فعلًا.
      بانتظار تدوينتك تلك😌.

  2. عيد أضحى سعيد أستاد طارق، أسعد دوما بقراءة كتاباتك أيا كان ما تكتبه. أسأل الله أن يفرّج كربك ويرزقك ما تتمنى وأكثر عاجلا غير بآجل 🙏🌹💜

    1. مباركٌ عليكم العيد أختي كنزة.
      انشرح صدري حين قرأت تعليقك. أدامكِ الله 🤲 رائعة كما أنتِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تمرير للأعلى