معنى الحياة عند الشخص العدمي ☠️

معنى الحياة عند الشخص العدمي

قبل بضعة أيام، كنت في كاليفورنيا، أرتدي ملابسي وأستعدّ لرحلة طويلة إلى خارج البلاد. وفي غضون ساعات، وبفضل سحر الطيران، كنت جالسًا في مقهى في كوريا مشغولًا بحقيقة أنني لا أستطيع الخروج بفكرة.
أتاحت لي عقود من التعاون البشري والتقدم التكنولوجي رفاهية الدخول إلى شبكة الانترنت، في هذا المقهى البعيد، لكنها عاجزة عن منحي فكرة أكتبها ضمن هذه المدونة المصورة الغريبة.

بالنظر إلى الصورة الكبرى للوضع، قد تبدو العديد من المساعي التي نقلق بشأنها سخيفة. وكما قد نضحك على مطاردة كلب ذيله، يبدو أن الكون يضحك على رغبتنا في العمل بجد في سبيل ترقية، ويسخر من كل الأبحاث التي نُجريها لتحديد أي جهاز (آيباد) جديد نشتريه، ويتأسف لمدى اهتمامنا بكيفية ظهورنا على انستغرام.

معنى الحياة سُخف!

ومع ذلك، فالمدهش أنه يصعب عدم بحثنا عن معنى في الأمور التي نفعلها، رغم أنها -في النهاية- تبدو بلا معنى. نعم! أتفهم أن إحباطي من قفلة الكاتب مثيرٌ للسخرية مقارنةً بحقيقة اختبار العالم بأسره بعض التحديات الخطيرة جدًا، لكن لا يسعني إلا أن أعتبر مشروعي الكتابي الصغير أهم شيء بالنسبة لي في تلك اللحظة.

لماذا يرفض الكون البتّ بمسألة معنى الحياة؟ ?

يُعرف التباين بين حاجتنا إلى المعنى ورفض العالم للإقرار به بالعبثية، وقد تناول الفيلسوف توماس ناجل ذاك “التناقض” في مقالته التي تحمل الاسم نفسه؛ حيث يتعمق في أسباب الشعور الفريد بانعدام المعنى عندما نتوقف لحظة لتأمل ما نعتبره مهمًا في حياتنا.

ولكن قبل الخوض في جوهر حجته، سنراه يفصّل في عبثية بعض التفسيرات الشائعة لعبثية الحياة! وإليك نوعان من أكثرها شيوعًا.

لا أهمية لأي شيء بعد مليون سنة من الآن، لذا فلا معنى لوجودنا! ?

ربما يفسّر الرسم أعلاه لماذا تبدو الحياة بلا معنى، ولكن ماذا لو كنا قادرين على أن نعيش مليون سنة؟

تبًا.. لن يشكل ذلك فرقًا.. آسف.

لكن انتظر! ماذا لو كان متوسط أعمارنا 5 تريريجينتيليون سنة (5 مع 99 صفرًا بعدها)، أو نصف عدد السنوات المتبقية قبل الموت الحراري للكون “Heat death of the universe”؟

ستكون حياة طويلة ومديدة، ولكن بما أن الفناء لا يزال حتميًا، فكيف سنٌدرك ما إن كانت أفعالنا ذات أهمية على مدار الخمسة عشر مليون سنة القادمة؟ في الواقع، حتى لو امتدّ متوسط ​​عمرنا المتوقع ليٌقابل الموت الفعلي للكون نفسه، ستبقى الحياة بلا معنى (حيث لن يتبق أحد يهتم بما فعلناه أصلًا)!

لا يوجد عدد سحري من سنوات نعيشها فتضفي فجأة على كل أفعالنا معنى. لذلك، لا يمكن أن يكون عدد السنوات على هذا الكوكب هو أصل العبثية.

نحن مجرد ذرة صغيرة من الغبار في الكون، لذلك لا شيء مهم! ?

عندما أنظر إلى سماء صافية مليئة بالنجوم، يجعلني الإحساس بالضآلة أؤمن أن كل ما أفعله لا يهم حقًا في النهاية. إذن، ألا يُبدد (اتساع الكون) المعنى المتأصل داخلنا؟

يدحض (ناجل) التفكير أعلاه عبر تساؤل ساخر: ماذا لو كنّا بحجم الكون؛ ماذا لو كنت عملاقًا قادرًا على رؤية الكون (زميلًا) بدلاً من كونك مجرد جزء منه؟!

فن البحث عن معنى الحياة

أجهل كيف سينمو إحساسنا بالمعنى وفقًا لذلك. فكونك عملاقًا كونيًا، قد تشعرك ضآلة أحجام الكواكب أمامك بالقوة، ولكن -على الارجح- سيختفي ذاك الشعور بعد فترة. يقول (ناجل):

“يبدو التفكير في ضآلتنا مرتبطًا -ارتباطًا وثيقًا- بالشعور بعبثية الحياة؛ لكن ماهية ذاك الرابط غير واضحة!”.

إذن، بما أن عمرنا المحدود في الكون وصغر وجودنا ليسا المسؤولين عن افتقاد معنى الحياة، فمن المسؤول؟ لدى (ناجل) إجابة رائعة، ولكن عوض سردها، أود إعادة صياغتها باستخدام أحد أكثر الوسوم انتشارًا (وإزعاجًا) في عصرنا:

#مشاكل_العالم_الأول

باختصار، مشكلة العالم الأولى “First world problem” هي شكوى شخص يعيش في بلد بمستوى معيشي مرتفع نسبيًا (الولايات المتحدة، كندا، أوروبا الغربية، دول الخليج العربي.. إلخ)؛ لكنها شكوى تبدو تافهة مقارنةً بالأزمات -الملحّة حقًا- في أجزاء أخرى من العالم (البلدان التي تعاني من الجوع، انتشار المرض، الحروب.. إلخ).

وهي ذات طبيعة كوميدية إلى حد ما. على سبيل المثال:

في حين أنها تُنشر على سبيل الفكاهة، فثمّة العديد من “مشاكل العالم الأول” التي تبدو ملحة فعلًا. على سبيل المثال، إذا كنت تكره وظيفتك ذات الأجر المُجزي لأنها مملة للغاية ومخدّرة لقدراتك الذهنية، فتلك مشكلة حقيقية. ومع إدراكك أنك لا تتضور جوعًا ولا تقطن منطقة تعجّ بالأمراض، لكن هذا لا يمنع أنك لن تمتنّ لعملك البغيض!

بحسب (ناجل)، يجد البشر أنفسهم في صراع دائم بين أمرين:

(1) الجدية -التي لا مناص منها- اتجاه حياتنا
(2) القدرة على النظر إلى تلك الجدية على أنها سخيفة وتافهة.

مشكلة العالم الأول: نسخة كاريكاتورية من تعريف ناجل ?

حتى بعد ملاحظتنا عدم وجود معنى للأشياء، فذاك لا يُقلل من أهميتهم في نظرنا؛ ما يجعل الأمر برمته سخيفًا للغاية!

قد يبدو تفوهك بسخافةٍ ما ضمن اجتماع العمل حدثًا جللًا، ولكن يمكنك -في الوقت نفسه- فهم أنها مجرد مشكلة عالم أول غبية. ولكن، وحتى مع فهمك ذاك، ستظل مشكلة بالنسبة لك!

عندما نتأمل أفكارنا بتمعّن، سنرى أننا نولي أهمية لمختلف التفاصيل الصغيرة؛ كيفية تنظيف أسناننا، وماذا نأكل، وكيف تكون علاقاتنا مع عائلتنا وأصدقائنا، ومدى حسن أدائنا لوظائفنا، والقيم التي نؤمن بها. جميعها مناحي حياتية مشبعة بالجديّة.

وفي الوقت نفسه، نمتلك قدرة خاصة على رؤية (الصورة الكبيرة) وملاحظة ألّا أهمية لشيء حقًا. يمكننا رؤية أنفسنا بـ “الدهشة المتحررة التي تشكّلها مشاهدة نملة تكافح فوق كومة من الرمال” بحسب تعبير (ناجل).

هذا الإدراك المحير لللامعنى هو قدرة بشرية فريدة من نوعها تؤدي إلى العبثية.

معنى الحياة عند النمل!

لهذا تخيفنا عبثية الحياة ?

لأنها تفضح حقيقة أن بحثنا عن المعنى لن يمنحنا أي إجابات حقيقية.

لتجنّب الرضوخ لهذه الحالة، ننضم إلى المنظمات والمؤسسات بحثًا عن شعور أننا جزء من شيء أكبر من أنفسنا؛ لذا نؤيد النهوض بالعلم، ونعتنق الأديان، وننتسب للأحزاب السياسية، ونحتجّ في الشوارع باسم الثورة.
وفي حين يساعد ذاك على خلق إحساس بالهدف، يرى (ناجل) أن العبثية مستمرة؛ فنحن مَن يمنح تلك المؤسسات معنى، لا العكس!

ماذا لو كان معنى الحياة أسوء مما تتخيل؟! ?

لنفترض أننا موجودون في هذا الكون لغاية بسيطة: أن نكون غذاءً لكائنات فضائية أوجدتنا خصيصًا للتمتع بلحومنا اللذيذة! وأن (الانسان العاقل /هومو سابينس/Homo sapiens) ليس اسمًا علميًا لأسلافنا المتطورين فكريًا، ولكنه اسم طعام شهي -بأسعار معتدلة- تتضمن موائد أولئك الفضائيين.

الآن، حتى لو اكتشفنا أنها الحقيقة، فهذا لن يرضي سعينا وراء المعنى! كنا -بلا شك- لنتسأل:

ما الهدف اللعين من وجودنا كمقبلات؟ وكيف انتهى بنا الأمر في هذا المأزق؟ وما مغزى حياة الفضائيين يا تُرى؟

لن يتوقف البحث عن إجابات في هذا العالم، وستستمر العبثية. في الواقع، يرى (ناجل) أن الطريقة الوحيدة التي نستخلص بها المعنى هي أن نختار -ببساطة- التوقف عن طرح الأسئلة حوله:

“ما يبدو لنا أنه يمنح المعنى، والحجّة، والأهمية، يفعل ذلك بحكم حقيقة أننا لا نحتاج إلى مزيد من الأسباب بعد نقطة معينة

أعتقد أن هذا يفي بالغرض في توضيح سبب تحوّل آرائنا عن العالم إلى (عقائد ويقين)؛ يثبُت معنى الأشياء عندنا لأننا قررنا -ببساطة- عدم حاجتنا للتعمّق، وهذا يُفضي -في النهاية- للتذرع بـ “هذه من طبائع الأمور” نهاية كل تحليل.

هذا ليس أمرًا سيئًا بالضرورة ?

في معظم الأحيان، لا تحتاج الأمور إلى مبررات كبيرة؛ فهي -ببساطة- ما هي عليه؛ لا نحتاج لتفسير سبب حبّنا أطفالنا، ولماذا نرغب بالاستلقاء عندما لا نكون على ما يُرام، ولماذا نخصص الوقت لهواياتنا. في الواقع، تنتقص تساؤلات كهذه من جودة الحياة “Well-being”.

العالم لا يقدم أي معنى متأصل لأي منا، رغم آمالنا في بعض الإجابات السهلة. وكما أن الماعز في البرية لا يتجول ويتبختر مع شعور بالمعنى، لا ينبغي لنا -أيضًا- انتظاره من الله/الكون/أيًا كان ما تؤمن به.

قد يبدو هذا الرأي محبطًا وعدميًا، لكنني -في الواقع- أراه محرّرًا وشديد التمكين “Empowering”.

أجد أن مصدر الكثير من التعاسة في العالم هو جوعنا المستمر وبحثنا عن المعنى. يخبرنا المجتمع أن نمسك زمام حياتنا، ونوجهها نحو مركز الثقل المعروف المدعو “الغاية الإنسانية“، باذلين كل ما في وسعنا لتحقيقها قبل أن نموت.

لن يكون أي شيء جيدًا بما يكفي ضمن هذا السعي العقيم للهروب من العبثية؛ لأننا نطارد -ببساطة- سردية مستحيلة، وهو المعنى الشامل للحياة. وبذا، سنطارد ذيولنا للأبد، ونتساءل متى سيُستجاب لدعواتنا الفردية لإيجاد معنى لحياتنا.

ومن سخرية القدر، أن إدراك خلو الحياة من معنى أعظم سيسمح لنا بالوصول إلى الأشياء التي تجعل الحياة ذات معنى حقًا. تساعدنا هذه الحقيقة على إدراك أن الأسئلة الوجودية الكبرى في الحياة ليست حيث توجد الإجابات؛ بدلاً من ذلك، هذه اللحظة بالذات في زاويتنا الصغيرة من العالم هي كل ما لدينا حقًا.

يلخص دان هارمون، مبتكر ريك ومورتي “Rick and Morty”، الأمر بشكل أفضل:

لدينا هذه الفرصة العابرة للمشاركة في وهم يسمى “أنا أحب خليلتي” [و] “أنا أحب كلبي”. كيف يتأتى ألا يكون ذاك أفضل؟

يمكن أن تنقذك معرفة الحقيقة؛ ألا شيء مهم، في تلك اللحظات. بمجرد تخطيّ تلك العتبة المرعبة لتقبّل ذلك، يصبح كل مكان مركزًا للكون، وكل لحظة هي الأهم، وكل شيء معنىً الحياة.

مطلوب باحث عن معنى الحياة: يُشترط التفرّغ! ?

نطرح أسئلة “ماذا يعني كل هذا؟” و “ما غايتي في الحياة؟” عندما نكون منفصلين عن الحاضر.. عن هذه اللحظة بالذات.
أما حين نولي اهتمامًا شديدًا للمشروع الذي نعمل عليه، أو بالكتاب الذي نستمتع به، أو الوقت الذي نقضيه مع أحبائنا، فلا نبحث عن معنى؛ لأننا نملكه بالفعل.

يختتم (ناجل) ورقته بالقول إن “العبثية -مثل القدرة على الشك الإبستمولوجي- تنتج من القدرة على فهم محدوديتنا البشرية؛ فهي ليست مصدرًا للمعاناة إلا إن جعلناها كذلك”. لذا بدلاً من الشعور بالذهول بسبب الافتقار إلى المعنى الوجودي، “لعلنا نقدّر عبثية حياتنا تقديرًا فيه مفارقة ساخرة، بدلًا من النزعة البطولية أو القنوط“.

أحب أن أشبّه هذه السخرية بضحكتك الخافتة القصيرة؛ عندما بحثت في منزلك بالكامل عن هاتفك، لتدرك -في النهاية- أنه كان في جيبك طوال الوقت. وبالمثل، فنحن نبحث عن معنى الحياة من خلال النظر إلى ما وراء وجودنا وما قبله، بدلاً من فهم أنه كائن معنا طوال الوقت.

يبدو التعطش للمزيد سخفًا عند تأمل التفاصيل ورؤية ألا شيء مهم، وأن الأمر يتعلق بالتعمق في الحياة التي تعيشها بالفعل: صحتك – أحبائك – عملك – اهتماماتك- رغبتك في مساعدة الآخرين – قيمك – وجودك.

هل ثمّة معنى أكبر من ذلك؟ ?

معنى الحياة عند الشخص العدمي ☠️

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تمرير للأعلى