الحكمة في الشعور بالضياع ♾

الشعور بالضياع


أعلم أنكم اشتقتم لتدويناتي المعتادة حول كتابة المحتوى، وأنا كذلك. إنما صدقوني.. لم أتخلص بعد من الأفكار الانتحارية، والتي أعتقد أن الشعور بالضياع أكبر أسبابها. ولأن القدَر يضع أمامي المحتوى المناسب دومًا، فقد صادفت تدوينة لمدّون أحب محتواه، وهو يمرّ بذات شعوري الآن. لذا قررت ترجمة ما كتبه.

لاحظت وجود نمط متكرر خلال السنوات القليلة الماضية، وأنا أمر به الآن.

مرحلة الوضوح

حيث تتفح بصيرتي وأرى هدف حياتي نصب عيني؛ تصوّر يمكنني بدء العمل عليه، وأمتلك المهارات اللازمة لإنجاحه، فيتبقى فحسب: قبول التحدي.

مرحلة الحماسة

أحقق تقدمًا أصيلًا. وأعيش حالة التدفق شبه دائمة. وتشكّل مجموعة المهارات التي اكتسبتها حجر الأساس لعملي وعلاقاتي ومستويي الفكري وجودة حياتي.

مرحلة الثبات

أشعر هنا بضغط الحفاظ على التقدم الذي أحرزته. هذا يتطلب التنظيم، وتحديد الأولويات، والتضحية. يبدأ الأمر يبدو وكأنه تراجع نحو الفوضى لأنني عاجز عن تحقيق تقدم هائل.

مرحلة الشعور بالضياع

حققت الهدف الذي حددته في مرحلة الوضوح. واعتبارًا من هذه اللحظة، تملؤني الشكوك حول المستقبل. 

وأعتقد أن غالبية الناس يعلقون فيها (ما لم يتعلموا التعامل مع عدم اليقين).

مع إنهائي تأليف كتاب “The Art of Focus”، وجدت نفسي في مرحلة الشعور بالضياع، ربما أمتلك تصورًا للوجهة، لكن لا شيء يبرز ليكون “الفكرة اللامعة القادمة”.

كانت مراحل الشعور بالضياع تلك الأكثر تدميراً، لكنني تعلمت التصالح معه. آمل أن تصل لذات النتيجة بينما نتعمق أكثر في التدوينة. تلخص هذه المراحل بعض المبادئ التي ستكون ضرورية لفهم:

بزوغ الجديد

ينتج بعد كل صراع، على أي مستوى من مستويات الوجود، شيء جديد:

  • تظهر النوى الذرية عندما ينفجر النجم.
  • تظهر الإنجازات الطبية بعد الحروب.
  • تتجلى رؤيتك لمستقبلك بعد صراع داخلي عميق.

تنعكس هذه الظاهرة على جميع المستويات: الكوني – الدنيوي – الثقافي – الاجتماعي – الشخصي.. إلخ.

المعاناة جزء لا يتجزأ من الحياة.
وبدونها، لن نُحرز أي تقدم.

الثبات والاعتلاج

لا شيء يدوم إلى الأبد …. يتطلب الخلق تدميرًا.

لن تدوم أي مرحلة من مراحل حياتك. وكلما حاولت إدامتها، زاد رد الفعل العقلي “العنيف” الذي ستواجهه. فلا تصارع الحياة، وإنما تماشى معها.

سنفصّل في العبارتين السابقتين، عساك تتعلم الاستمتاع بالكبوات وتعظّم آثر النهوض بعدها، وتُحرز تقدمًا أكثر مما تخيّلت.

كتاب الحياة

تتكشف الحياة ضمن فصول ومراحل، وتعكس الكتب والأغاني والقصص وفن العمارة وكمال الأجسام وتراتيب الحياة والعلاقات والصحة النفسية وكل شكل من أشكال الإبداع البشري هذا النمط.

فإن أردت النجاة من عالم الآلام، فعليك بالتحرر من ذاتك، ورؤية الصورة الكاملة [بخلاف الأفكار الموجودة في رأسك]؛ لذا احرص على معرفة موقعك من كتاب الحياة الأبدي، وهكذا ستتمكن من توقع ما يحدث في حياتك الشخصية أو الاستعداد له أو التأقلم معه.

لكل فصل من فصول كتاب حياتك غرض أو هدف يجب تحقيقه:

في بدايته، تتأقلم مع البيئة

ربما انتقلت إلى مدينة جديدة ودُمّر روتينك خلال طرفة عين (حتى لو كنت تكره “الروتين”، فعقلك يشكّله في كل ثانية من يومك)؛ لم تعد تعرف أي بقالة تتسوق فيها، أو المقهى الذي تعمل فيه، أو حتى الطرق التي ستسلكها.

ينطبق ذات الأمر على إطلاق شركة أو بدء علاقة أو السعي وراء هدف جديد.

لكن ما إن تنخرط في البيئة “غير المعروفة”، حتى تصبح -بمرور الوقت- اعتيادية، وهنا يقلّ توترك، وتتمكن من البدء في الاستكشاف وتوليد الوضوح بما يتماشى مع هدف هذا الفصل في حياتك.

في منتصفه، تمتلك الخبرة الكافية بتلك البيئة

يبدو كل شيء سلسًا، وتصل إلى “الذروة”؛ إذ تحقق الهدف الذي حددته.

مع اقتراب الفصل من نهايته..

تبدأ في الانحدار لحالة من الشعور بالضياع. فلا تعرف ما يحمله الفصل التالي من حياتك.

⚠️
يمكن أن تشكّل “مرحلة الشعور بالضياع” مستقبلك أو تدمره.

استسلم .. لا تحارب!

هنا تكمن الحكمة في الشعور بالضياع: بزوغ إمكانية لتجد طريقك. إنما للأسف، يغدو الشعور بالضياع صراعًا أبديًا عند معظم الناس!
يلفّهم ضباب الأفكار والعواطف والمسؤوليات المتدنية، فيُحرمون أنفسهم من رؤية/خلق ضوء في نهاية النفق.

وذاك -لعمري- في منتهى الخطورة!

فمع حبس نفسك داخل “فقاعة ذهنية” تتضمن بعض الأفكار والحلول، قد لا تجد طريقك للخروج أبدًا.
إذا كان تلقيّ التعليم التقليدي وإيجاد وظيفة والتقاعد في سنّ الستين هو المسار الوحيد في الحياة الذي تعرفه، فسيتضيّق عقلك ليوائم المهام المرتبطة بذاك المسار.

حينها ستؤمن بمحدودية الفرص، وستثير قلقك فكرة دفع الفواتير كل شهر، لتنخفض بذلك جودة حياتك عمّا يجب أن تكون عليه.

تذكّر:: ستصادف المجهول حتمًا في نهاية كل فصل في حياتك:

  • عندما تغادر المدرسة، ماذا بعد؟
  • عندما تنفصل عن شريك حياتك، ماذا بعد؟
  • عندما ترتاح في وظيفتك، ستسأل نفسك: ماذا الآن؟

يمكن أن يؤدي سؤال “ماذا بعد؟” لدخولك ثقب اليأس الأسود. أو.. يمكنك اعتباره فرصتك لاكتشاف إمكانات جديدة لحياتك.

الكفاح قاعدة عالمية؛ لست وحدك فيه. يمر الجميع بهذه المراحل. لكن ربما ما لا يفهمه الكثيرون أن التوتر عدو الاكتشاف. فعندما يُحصر انتباهك ضمن جدران الكينونات الموتِرة، فلن يسجّل عقلك الإمكانات في وعيه.

لا يمكن جمع الأفكار بحيث تُفضي لبصيرة، لذا يجب أن تتقبل الشعور بالضياع.. تستسلم له.. وتتدفق معه.
بل لا بدّ من بذلِك جهدًا واعيًا لخوض التجارب:

  • قراءة كتاب جديد أو الاستثمار في دورة تعليمية.
  • التعرّف على أناس جدد وخوض محادثات أعمق.
  • مشاهدة نمط محتوى جديد.
  • دوّن أكثر .. اكتب أكثر.
  • سجّل في نادٍ رياضي.
  • اخرج في نزهة على الأقدام. 

باختصار، اسبح وسط البيئات والمعلومات التي تسمح بتجميع الأفكار في عقلك الباطن.

لا يمكنني التأكيد كفاية على كون الجميع -تقريبًا- محاصرين في هذه المرحلة، ذاك ما يفسر حالة المجتمع؛ أن تعيش ضمن جنون الارتياب كحيوان في الغابة.

لذا أرجوك: كن عقلانيًا، لا بأس بعيشك في الضباب لبعض الوقت، وإذا تأرجحت درجة سلم في حياتك تحت قدمك، فلا تستسلم.

عتبة الشدة: استكشاف المجهول

في دائرة الحياة، سيكون هناك صراع. وذاك الجزء الأكثر إثارة للاهتمام فيها، وإن لم يره الكثيرون بهذه الطريقة.
فالواقع يقول أن نهاية الصراع تعني ظهور شيء جديد إلى حيز الوجود:

  • على المستوى العالمي، تؤدي الحروب بين الدول إلى تطورات طبية وتقدم شامل.
  • على المستوى الشخصي، تؤدي الحرب في عقلك إلى ظهور رؤية أو إدراك جديد أو حل لمشكلة ما. وستشعر بذلك عندما يحدث.

ربما يستغرق وقتًا أطول من المتوقع. ولكن عندما تجد المسار التالي الذي يجب أن تتخذه، فستدخل مرحلة الوضوح.
في معظم الحالات، سيتطلب ذلك تعلّمًا ذاتيًا يتماشى مع الهدف الجديد [على سبيل المثال، إذا كانت لديك رؤية لإطلاق شركة، فلا بدّ من تعرّفك على بيئة الأعمال التجارية عن كثب].

? تذكر ?
التعلم دون مشروع ملموس للتطبيق ليس تعلمًا، وإنما تكلّسًا فكريًا ? .

ابدأ بما تعرفه، وتعلم على طول الطريق، وإن واجهت مشكلة فحلّها عبر التجربة والخطأ. عندما تلتزم بالتقدم في هذه المرحلة، ستكتسب منظورًا جديدًا.

وأكرر: قد يستغرق هذا وقتًا أطول من المتوقع. ليس لكل الفصول -في كتاب الحياة- نفس الطول.

هنا ستدخل مرحلة القوة، الجزء الأوسط من الفصل. في هذه المرحلة أنت:

  • تمتع بالوضوح التام بشأن ما يجب عليك فعله.
  • تمتلك جانبًا ملموسًا من الحياة تحرز فيه تقدمًا
  • لا تريد أن تفعل أي شيء بخلاف “العمل” لأن العمل هو أفضل شيء في حياتك حاليًا!

عادة ما يستمر هذا الفصل من شهر إلى ثلاثة أشهر، أو أكثر أو أقل. ثم تصل إلى الحدّ؛ تستنفد التقدم الذي يمكنك تحقيقه. ونعم، يمكنك الاستمرار في المحاولة، لكنك ستصاب بخيبة أمل عندما ترى أن جهودك لا تُجدي نفعًا.

حينئذٍ، سيتحتّم الدخول في مرحلة إدامة لئلّا تسقط مجددًا في الشعور بالضياع.

الوصول إلى أُسس جديدة

في كمال الأجسام، هناك 3 مراحل شائعة للوصول للبنية المطلوبة: النحت، والتضخيم، والإدامة.

يمكننا التفكير في النحت على أنه اكتساب الوضوح: تتخلى عن الدهون -الجسدية أو العقلية- لتكشف عما بنيته من دورات التضخيم السابقة.

يمكننا رؤية التضخيم على شكل مرحلة القوة: أنت في بيئة تساعد على نمو العضلات -جسديًا أو عقليًا- حتى تصل إلى نقطة تشعر فيها بالترنح والإحباط.

في الفترات الفاصلة بين التضخيم أو النحت، يمكنك الدخول في مرحلة [الإدامة]:

  • في كمال الأجسام، يتمثل في المرحلة التي تحاول فيها الحفاظ على كتلة العضلات التي وصلت إليها.
  • في الأعمال التجارية، تحافظ على الإيرادات التشغيلية.
  • في العلاقات، تلتزم الوفاء.
  • في المجال الروحاني، تحافظ على متوسط سعادتك.

كل ما سبق من خلال إنشاء نظام، بمعنى آخر، روتين يمنح الأولوية للأفعال ذات أكبر قدر من النتائج.

الهدف هو جعل هذا جزءًا مستدامًا من حياتك، بحيث لا يتطلب الحفاظ عليه مجهودًا واعيًا كبيرًا

مع الوقت والجهد والوعي بهذه المراحل الدورية من الحياة ستبدأ في خلق نمط حياة تستمتع به.

القانون الأسمى

لا شيء يدوم: لا الشعور بالضياع، ولا التطوّر المكثّف، ولا السعادة!

تأتي مراحل الحياة هذه وتذهب، ولكن ثقّ أنك إن سعيت لفهمها عامًا بعد عام، فستحقق نتائج شاملة مع مرور الوقت. في المقابل، إذا حاولت إدامة أي مرحلة، فستواجه الشعور بالضياع بلا شك.

نصيحتي الأخيرة: لا تحارب الواقع بل انطلق منه ومعه.

الحكمة في الشعور بالضياع ♾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تمرير للأعلى