لم تعد زوجتي تتأفف حتى عندما أفشل في أبسط المهام المنزلية؛ ورغم معرفتها الإجابة، تسألني “هل تشتت انتباهك؟“
لحسن الحظ، لديّ عذر الآن، شخص قد يتوقف أثناء ارتداء حذائه أو تنظيف أسنانه، لأنه تذّكر -فجأة- شيئًا أراد قراءته أو مشاهدته أو الاستماع إليه، وهو ابني ذو الـ 13 عامًا. ولو كان تشتت الانتباه رياضة أوليمبية، أراهن أنه سينافس على الميداليات!
بالطبع، تتسامح زوجتي معه أكثر مني. 😭
“يُشتت انتباهه لأنه شديد الفضول”
علقِت ملاحظة زوجتي في ذهني، لأنني قرأت ذات الشيء تقريبًا من خبير التصميم دون نورمان Don Norman، الذي كتب:
سؤال يستحق التأمل حقًا. لكن لا بدّ من فيصل بين (الفضول) الطيب وتوأمه (التشتت) الشرير.
يُلقي كتاب الباحثة في مجال الذكاء الصُنعي، جانيل شين Janelle Shane، الضوء على هذه المسألة بمراقبة سلوك أنظمة الذكاء الصُنعي الفضولية والقابلة للتشتت.
فكما توضح شين، تُمرَّن أنظمة الذكاء الصُنعي -غالبًا- عبر شكل من أشكال المحاولة والخطأ، مع “خاصية مكافأة” تُحدد المحاولات التي تُعتبر ناجحة وأيها يجب اعتبارها فاشلة. على سبيل المثال، قد تُمرّن الحاسوب على كيفية ركوب دراجة افتراضية في بيئة محاكاة ثلاثية الأبعاد عبر الإثابة على المسافة المقطوعة، والمعاقبة على مرات سقوط الدراجة.
يأتي التحدي عندما تعجز الخاصية عن تحقيق مآرب المبرمجين!
إذ قد يتجنب الذكاء الصُنعي [عواقب السقوط] بترك الدراجة على الأرض، أو زيادة المسافة المقطوعة من خلال الترنّح ضمن حلقة كبيرة أو حتى قَلب الدراجة رأسًا على عقب وتحريك الدواسات.
هذه ليست مجرد احتمالات نظرية..
صُممت إحدى الخوارزميات لفرز قائمة أرقام، فحذف -الذكاء الصنعي- القائمة ببساطة؛ هكذا ضمِن -مباشرةً- عدم وجود أي رقم في غير موضعه! [المصدر].
ولعلمك، هذه مشاكل بسيطة إلى حد ما. إنما كلما زاد تعقيد السلوك المطلوب، زادت احتمالية جني الثمار بأسلوبٍ خاطئ!
في المقابل، لدينا نهج ذكي وفعال لتدريب أجهزة الكمبيوتر على حل مجموعة واسعة -إلى حد ما- من المشاكل..
مكافأة الفضول
أو بالأحرى مكافأة الكمبيوتر عندما يواجه مواقف تكون نتائجها غير متوقعة. فينطلق بحثاً عن حل غير مسبوق.
تكتب شين:
هنا، لا يعود [تجنب الموت] فرارًا منه، بل لكونه متوَقع بشكل فظيع.
كل هذا رائع في حد ذاته، ويُرشدنا لسبب تطوير البشر حسّ الفضول. ولكن أنظمة الذكاء الصُنعي، كالمراهقين في سن الثالثة عشرة، قد يأخذها الفضول حد تشتيت نفسها!
على سبيل المثال، اطلب من نظام يُحفّزه الفضول تعليم نفسه لعبة على غرار (باك مان Pac-Man) حيث تتحرك الأشباح بشكل عشوائي حول متاهة، ولا تتفاجئ إن وقف ساكنًا: إذ لا يحتاج الذكاء الصُنعي لفعل أي شيء إن أراد إشباع فضوله، فالأشباح غير المتوقعة أخّاذة بشكل لا نهائي.
أو، كما تشرح شين، سريعًا ما سيتعلم (الروبوت الفضولي) كيفية التنقل في المتاهة، بشرط ألا يحمل أحد جدرانها شاشة تعرض سلسلة صور عشوائية.
تمامًا مثل ابني. أو، في الحقيقة، مثلي.
هذه المشكلة معروفة جيدًا لدى باحثي الذكاء الصُنعي. بل وتحمل اسمًا: “مشكلة التلفزيون الصاخب Noisy TV problem“. ويستطيع المبرمج الذكي حلها بسهولة.
ولكن للأسف، فعالمنا الحديث مليء بالمشتتات المصممة بشكل مثالي لجذب انتباهنا تمامًا كما صُمم التلفزيون الصاخب لجذب انتباه الروبوت الفضولي، ولا يمكننا ببساطة إعادة برمجة أنفسنا لتجنب هذه السعرات الفكرية الفارغة.
أحد الحلّين وقائي: تجنب أجهزة التلفزيون الصاخبة!
- احذف حسابك على شبكات التواصل الاجتماعي (أو -على الأقل- أزِل التطبيق من هاتفك وثبّت التحقق بخطوتين؛ لجعل تسجيل الدخول مزعجًا).
- لا تنم وهاتفك في غرفة النوم.
- ألغِ جميع الإشعارات (باستثناء الجوهرية).
نعلم كل هذا، وإذا تمكنت من إجبار نفسك، فسيُفلح الأمر بالطبع.
ولدينا حل آخر: التركيز على الإيجابيات.
عوض إيقاف السعي خلف الأشياء البرّاقة بكل أشكالها، يجب أن نبحث عمّا يستحق فضولنا. وهذا أسهل مما تتصور؛فالفضول المدروس يبني المعرفة، والمعرفة تبني الفضول المدروس.
كما يوضح “إيان ليزلي Ian Leslie” في كتابه “Curious: The Desire To Know and Why Your Future Depends on It“، يتطلب الفضول البشري عادة قاعدة معقولة من الحقائق لدعمه.
يبدو ذلك صحيحًا. فأنا أكثر فضولًا للأفكار الجديدة في المجالات التي أعرف عنها القليل بالفعل، مثل الاقتصاد، أو ألعاب الألواح، أو الجمباز، مقارنة بموضوعات ليس لدي فيها موطئ قدم فكري، مثل الأنثروبولوجيا، أو الحياكة، أو الهوكي!
لذا فالخطة ذاتها لكلانا -أنا وابني- لئلا يُشتت انتباهينا: الاستمرار في التعلم. فكلما زادت معرفتك، فضّلت شيئًا عميقًا (عوض تلك الصورة المصغرة التي يوصي بها يوتيوب!).