السعادة على طريقة فيليب بريكمان [4]

كيف أُصيب هذا الشاب الرائع بالاكتئاب؟

أشعر كما لو أن نداءً سماويًا يدعوني لاستكمال هذه السلسلة! وذلك رغم شعور العبثية الذي اختبره حاليًا، وأغلب الظن أنني مصاب بالاكتئاب [كتبت الجملة الأخيرة قبل خضوعي لأول جلسة علاج نفسي (كلاكيت #2 مرة)، والتي تبيّن فيها أن الاكتئاب يرافقني منذ سنوات].
على أي حال، تجدد ذاك النداء داخلي بعد قراءتي تدوينة هشام فرج: لن يعرف أحدٌ السبب وراء اكتئابه، مراجعة كتاب ظلام مرئي. وكذلك، أول محاولة انتحار.
فها أنا ذا..

هل الاكتئاب سبيل مؤكد نحو الانتحار؟

لطالما استعصى توقع من سيموت منتحراً على اختصاصيي الصحة العقلية (بأي دقة، ومنذ فترة طويلة). لا توجد خوارزميات دقيقة.

أجرى أستاذ علم النفس بجامعة هارفارد والباحث الأول في البلاد في مجال الانتحار، ماثيو ك.نوك “Matthew K. Nock”، دراسة شهيرة في عام 2010 تظهر أن الأطباء في مستشفى الطب النفسي في مدينة كبيرة لم يستطيعوا التنبؤ بمن، بعد ترك رعايتهم، سيحاول الانتحار (أكثر من قدرة لاعب “نقش أم كتابة” على ذلك!).

نعلم ما العوامل التي تزيد احتمالية الانتحار، وتحققت جميعها تقريبًا لدى (بريكمان):

? الجنس: ذكر
?العيش وحيدًا.
?انفصال عاطفي في الآونة الأخيرة.
?محاولتا انتحار سابقتان.
? الفترة التي يكون فيها المرء أكثر عرضة لخطر الانتحار ? بعد مغادرة مؤسسة الطب النفسي مباشرة.

لكن السمة الأكثر شيوعًا بين المنتحرين هي أعراض المرض النفسي. يقول (نوك) إنها تظهر في 95% من مجموع حالات الانتحار، على الأقل في الأيام أو الأسابيع التي تسبق “العملية”. وفي حالة بريكمان، كانت الأعراض موجودة لفترة أطول بكثير.

طارد الاكتئاب بريكمان طوال حياته. لاحظت أخته جولي ذلك حتى عندما كان طفلاً، فلم يكن هدفًا للحاسدين، رغم كل إنجازاته الأكاديمية. وجد (ويجنر)، ضمن متعلقات بريكمان، رسالة كتبها الأخير إلى والده عام 1965، واحتوت السطور الأتية:

لا أرى مسوغًا لعدم قول أن مستوى سعادتي الآن، سيستمر كما هو. لا زلت استيقظ في الصباح والاكتئاب يغمرني. محبط للغاية. لأسباب منطقية أحيانًا، وأحيانًا لا تكون كذلك.
مكتئب بسبب الحرب في فيتنام. وعملي، وزوجتي، أو حتى بسبب الشعور بالاكتئاب نفسه.
تشعر زوجتي أنها تعرف ذلك ويمكنها أن تتعلم التعايش معه. إنها قادرة تمامًا على الشعور بالاكتئاب أيضًا. لا أعرف ما إذا كان بإمكاني تعلم كيفية التعايش مع الاكتئاب، لكنني أعلم أنني لن أعيش بدونه أبدًا.

لا يمكننا عدم قراءة السطر الأخير في سياق هواجس بريكمان العلمية. لقد كان منشغلًا بمدى استعدادنا للتكيف مع أحداث الحياة، كيف نميل للعودة إلى “نقطة أساس” بعد ضربات الحظ، سواء كانت جيدة أو سيئة. “نقطة ضبط المتعة Hedonic set point“، كما يسميها علماء النفس.
وبما أن الحال كذلك، فيبدو تساؤل بريكمان، في أحلك لحظاته، إذا حكم عليه بالحزن مدى الحياة.. منطقيًا.

سواء فاز باليانصيب.

أو فقد ذراعيه وساقيه.

سيعود دائمًا إلى ذات النقطة.

لا أعرف ما إذا كان بإمكاني تعلم كيفية التعايش مع الاكتئاب، لكنني أعلم أنني لن أعيش بدونه أبدًا.

هل هذا ما تمحورت حوله دراسة اليانصيب حقًا؟

الاكتئاب

لم يكن بريكمان دومًا محبطًا حدّ الانتحار

وإنما عمل وأحب وعقد صداقات وأسس أسرة. كما أمتلك الطاقة للنشر بشكل إعجازي والإرشاد بسخاء والثرثرة بفرح، لأيام، حول الأفكار التي داعبت مخيلته.

فما الذي وضعه ضمن كآبة شديدة أعجّزته عن رؤية طريقه للخروج؟

يمكننا محاولة التكهن بما قاد بريكمان للوقوف على حافة تاور بلازا. لكن لا يمكننا أن نعرف على وجه اليقين. في كتابه “The Savage God“، يكتب الناقد أل ألفاريز عن عدم كفاية تفسيرات الانتحار. يقول::

في أحسن الأحوال، تُرضي أصحاب التفكير المنظّم وتشجع علماء الاجتماع على كتابعة بحثهم اللامتناهي عن التصنيفات والنظريات المقنعة. إنها -تفسيرات الانتحار- مثل حادثة حدودية تافهة تؤدي إلى حرب كبرى. الدوافع الحقيقية التي تقود الإنسان للانتحار موجودة في مكان آخر؛ تنتمي إلى العالم الداخلي، الملتوي ، المتناقض، والبعيد عن الأنظار.

ربما تضمّن عمل بريكمان رسائل -مبطّنة- شتّى حول عدم جدوى السعي وراء السعادة. لكن تلك لم تكن مشكلة بريكمان في نهاية المطاف. الذين يُنهون حياتهم لا “يفعلونها” لأنهم وجدوا السعادة صعبة المنال، بل حتى لو كانوا تعساء بشكل شنيع. فهم يسعون لتحرير أنفسهم من ألم لا يطاق. هذا ما عاناه بريكمان؛ ألم دونما نهاية.

“الانتحار هو آخر وأفضل الخيارات السيئة.”

د. كي ريدفيلد جايمسون، مؤلفة “عقل غير هادئ (سيرة ذاتية عن الهوس والاكتئاب والجنون)

سألني أحد الذين علموا بعملي على هذه القصة، عما إذا وُجدت أي حالات انتحار في عائلتي.

ستعلمون الإجابة في الجزء القادم بإذن الله

السعادة على طريقة فيليب بريكمان [4]

2 فكرتين بشأن “السعادة على طريقة فيليب بريكمان [4]

  1. لا أدري كيف ألتهم كلماتك و سطورك بسرعة و دون ملل فأجد نفسي أنتهيت من مقالتك دون دراية أنها إنتهت و كأن عقلي يقول لي لابد أن هناك المزيد و يدفعني هذا لمتابعة باقي مقالاتك و قرائتها كلها إن شاء الله..حينها توصلت إلى السر.. إنه أسلوبك المشوق و الممتع مع فائدة دون مط أو إسهاب و كلمات صادقة تشجع القارئ على متابعة كل مقال… أشكرك كثيراً على إنشاء هذه المدونة و أعتبر نفسي محظوظا باكتشافها

    1. دائمًا ما سيكون هناك المزيد، بل حتى بعد موتي.. هناك عشرات المسودات “شبه المكتملة” لنشرها.
      وأنا أشكرك من أعماق قلبي ,, لتعليقاتك ودعمك الذي جاء في وقته.😍

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تمرير للأعلى