تمييع العلامة التجارية: هكذا تفقد العلامات التجارية القوية مكانتها!

في عام 1954، ابتكرت شركة (فيليب موريس Philip Morris) واحدة من أشهر الشخصيات في تاريخ الإعلان: رجل مارلبورو The Marlboro Man، وكانت سجائر مارلبورو منتجًا متعثرًا قبل الحملة الإعلانية، إذ اُعتبرت سيجارة للنساء.

لكن المخاوف الصحية المتزايدة وضغط الرأي العام دفعا الشركة للبحث عن “تموضع جديد Positioning“؛ وسيلة لإغراء الناس بالتدخين رغم إدراكهم المخاطر!
لذا، بالتعاون مع ليو بورنيت Leo Burnett، وكيل الاعلانات الشهير، أطلقوا الشخصية المذكورة “رجل مارلبورو”.

وكان هدف الحملة واضحًا: لن نتحدث عن بيع السجائر، فنحن نبيع أسلوب حياة.

ففي الواقع، لا يهتم رعاة البقر الرائعون والأحرار بأي شيء، بما في ذلك المخاوف الصحية التي تتحدث عنها الجهات الحكومية.

كانت نقلة “تموضعية” كبيرة، لكنها نجحت.

رسّخت فيليب موريس في أذهان الناس أن مارلبورو “سيجارة الرجال”، لتصبح “Marlboro” ماركة التبغ الأكثر مبيعًا في العالم .

مع مرور السنين

بدأت صيحات جديدة في صناعة التبغ، مثل السجائر المُخففة وبنكهة النعنع “المنثول”. ولما رأت (فيليب موريس) أنها تكتسب زخمًا، شعرت أنها مضطرة لفعل شيء باستخدام علاماتها التجارية القوية؛ فأطلقت أشكال مختلفة من مارلبورو: Marlboro Lights – Menthol

لا يمكننا قول أن (مارلبورو لايتس ومنثول) كانت بمثابة إخفاقات مفاجئة، لكنهما أوقفتا النمو السريع لمارلبورو.

أتعلم لمَ؟

لأنهما “ميّعتا” قيمة العلامة التجارية لمارلبورو. فلم تعد “سيجارة الرجال” بعدها. بعبارة أخرى: لم تتطابق المنتجات الجديدة مع وعد العلامة التجارية.

وقد لخص أسطورة التسويق جاك تراوت Jack Trout ما عناه توسّع مارلبورو للمدخنين بقوله:

“لا يُدخن رعاة البقر الحقيقيون المنثول
أو السجائر فائقة الخفّةultra-light!”

لذلك تراجعت الشركة، وأعادت التركيز على مارلبورو الكلاسيكي مع إعلانات “‘Marlboro Country” لمواصلة النمو.



لماذا القلّة تزيد الأثر Less is more؟

في عام 1936، قرر هانز ويلزدورف Hans Wilsdorf، مؤسس رولكس Rolex، تطبيق فكرة داعبت ذهنه لفترة طويلة: صنع نسخة أرخص من رولكس، ساعات بذات الجودة العالية إنما بأسعار في متناول اليد.

ماذا ستفعل لو كنت مكانه؟

بديهيًا، سيُنشئ معظمنا خط جديد من رولكس وأطلق عليه اسم “Rolex Essentials” أو شيء من هذا القبيل.
إذ، لن تفوّت فرصة الاستفادة من اسم رولكس، صحيح؟

لكن لم يقع (ويلزدورف) في هذا الفخ. وعوض إنشاء مجموعة ساعات رولكس “خفيفة”، أنشأ علامة تجارية منفصلة: تيودور Tudor.

وإليك ما حدث:

أولاً، حَمت (رولكس) قيمة علامتها التجارية؛ بقيت علامة تجارية فاخرة.
لم يتغير معنى “امتلاك ساعة رولكس” في أذهان العملاء (على عكس تدخين سجائر مارلبورو).

ثانياً، كتبت (تيودور) قصتها الخاصة.
حتى أن موثوقيتها وسعرها المنخفض جذبتا القوات البحرية (بما في ذلك البحرية الفرنسية) في الستينيات.

ثالثًا، بات (تيودور Tudor) اسمًا مألوفًا.
الطلب على ساعات تيودور مرتفع جدًا هذه الأيام؛ وتنافس أسعار بعض الموديلات أسعار ماركات الساعات الفاخرة.

جَور توسيع العلامة التجارية


تعاني كل شركة ناجحة ضغطًا في سبيل النمو المستمر، والذي يُشعرها بالحاجة إلى التوسع.
لذا تبدأ في وضع شعارها على المنتجات والميزات والخدمات الجديدة، لتغدو العلامة التجارية أشبَه بثمرة سهلة المنال!

ويا للسخرية! تنقلب تلك المحاولة ضد العلامة التجارية، فتفقد قوتها التي جعلتها ناجحة في المقام الأول، وتحوّلها لـ”مجرد شركة أخرى”.

وهذا ما أدعوه: تمييّع العلامة التجارية.

كيف تتجنب تمييع علامتك التجارية؟

ابقَ نوعيًا / مُتخصصأ

سامسونج، ميتسوبيشي، إل جي؛ أمثلة بسيطة للعلامات التجارية “المُميَعة”. إذ وضعت شعاراتها على جميع منتجاتها (السيارات والثلاجات والعِدد الصناعية)

وكما خمّنت: يجهل العملاء حاليًا ما تمثله!

يمنحك امتلاك [جهاز آبل] أو [حذاء نآيك] هوية أو مكانة معينة؛ لا زالت تلك العلامات التجارية ذات معنى.
لكن ماذا يعني امتلاك (سامسونج)؟ لا شيء..

لذا، تُضطر تلك العلامات التجارية “الضعيفة” للتنافس على السعر في كل خط إنتاج.
ليغدو الأمر سباقًا إلى القاع ?.
ويعود فضل بقائها في السوق إلى ميزاتها التنافسية المستدامة الأخرى (مثل تأثيرات الشبكة أو التوزيع) التي أسستها بفضل تخصصها في البدايات.

الآن، هل يمكن تمييع العلامة التجارية حتى لو كانت تمتلك منتجًا واحدًا فحسب؟
الإجابة: نعم!

يحدث ذلك مع زحف الخصائص Feature creep عند شركات البرمجيات كخدمة SAAS؛ يستمر مطورو التطبيق في إضافة الميزات محاولين جعله أداة لكل شيء. يفقده ذاك الخصوصية (والمعنى) بالنسبة للعملاء.
ويحدث كذلك في الشركات الخدمية، حين تحاول تقديم خدمات عدة مترابطة عوض التركيز على خدمة واحدة تصبح الأفضل بتقديمها.

لذا كن نوعيًا لبناء (والحفاظ على) قوة علامتك التجارية.

تجنب الارتباطات الخاطئة

تمثل العلامات التجارية القوية شيئًا ما، وتمتلك (قِيم values)؛ قد يعجبك ما تمثله أو تكرهه.
إنما ستجدها -في نهاية المطاف- تتمسك بقيمها..
وربما بشكلٍ قد يبدو متطرفًا:

قبل بضع سنوات، قرر منتج الموسيقى (ديد ماوس Deadmau5) تعديل سيارته الفيراري. فغيّر طلائها ووضع صورة ضخمة لقطة نيان “Nyan Cat” على الجانب، ثم أزال شعار فيراري الشهير.

هل تعرف كيف ردّت فيراري؟

أرسلوا خطاب التوقف والكف لـ Deadmau5. و(يُقال) أنها وضعت الفنان على القائمة السوداء لمنعه من شراء سيارة فيراري مرة أخرى.

تبيّن أن كل مالك جديد لفيراري ملتزم بتوقيع عقد، بحيث يُمنع من فعل أشياء معينة بسيارته (علمًا أنها أصبحت ملكه).
وقد استندت فيراري لبنود العقد في دعوتها القضائية

أودّ منك ملاحظة مدى جديّة فيراري مع علامتها التجارية. فنظرًا لأن مهندسي ومصممي الشركة يحرصون على جعل كل طراز مميزًا (هذا ما يمثلونه)، فالشركة ملتزمة بفعل كل ما يلزم لحماية السيارة، ومن هنا جاءت قوة العلامة التجارية.

لذا نصيحتي لك: انتبه إلى كل نقطة تماس مع العميل Customer Touchpoint (منشورات شبكات التواصل الاجتماعي/حقوق الامتياز/ أفرع الشركة/ جودة التغليف.. إلخ). إذ سيضعف كل ارتباط خاطئ العلامة التجارية في نظر العملاء، وقد يُقلل مصادقيتها.
بالمقابل، كلما أظهرت ما تمثله بكل التفاصيل، أصبحت علامتك التجارية أقوى.


هل ينطبق ذات الشيء على العلامة التجارية الشخصية؟

بالتأكيد.
وذاك ما حفّزني لترجمة التدوينة أصلًا.

تؤلمني رؤية منشورات كهذه، إذ غالبًا ما ينتهي أصحابها ضمن مزارع المحتوى، يعملون بأجور بخسة، لساعاتٍ طويلة.

في حين يُفترض به تحديد النقلة التي يودّ عرضها على جمهوره وتعلم كيفية تسعير خدماته، والسعي نحو التشبيك (بمفهومه الصحيح)، ليغدو في النهاية: خيار العميل البديهي “Obvious Choice”.

وهذا كل شيء..

تمييع العلامة التجارية: هكذا تفقد العلامات التجارية القوية مكانتها!

تعليق واحد على “تمييع العلامة التجارية: هكذا تفقد العلامات التجارية القوية مكانتها!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تمرير للأعلى