تخيل كاتبين طموحين، وكلاهما يحلم ببناء علامة تجارية شخصية على الإنترنت.
حدد الكاتب الأول، عثمان، هدفًا ثابتًا: اكتساب 1000 مشترك لنشرته البريدية بحلول نهاية الشهر. ولإيمانه بمقولة (الاستمرارية طريقك للنجاح)، اختار موضوعًا محددًا، وحدد نوع وفقرات النشرة، ومواعيد النشر، ثم انطلق.
وليضمن انضباطه ذاتيًا، استخدم أداة تتبع للوقت وإطار إنتاجي متشدد (إنما مريح).
ويدرك الكاتب الثاني، رائد، أيضًا قيمة الاستمرارية ولكنه تعامل مع التحدي بطريقة تجريبية. حيث التزم بنشر تدوينة أسبوعيًا، إنما عمد لاستكشاف تنسيقات مختلفة (فمرة كانت تدوينة قوائم، ومرة تدوينة طويلة)، وجرّب الكتابة في أوقات مختلفة، وحتى بيئات كتابة مختلفة.
الأهم، حَرص على تدوين ملاحظات حول [شعوره] و[استجابة الجمهور].
ركّز عثمان بشدة على الالتزام بخطته. في المقابل، بحث رائد عن المنهجية الأفضل؛ “الإيكيجاي الإبداعي” الذي يلبي شغفه ويفيد جمهوره في آنٍ معًا.
قبل أن تتابع القراءة، خذ ثانية وأجبني:
- مَن برأيك سينجح؟
- من سيتمسك بمشروعه مدة أطول؟
والأهم من ذلك..
من سيحظى بأكبر قدر من المتعة؟
يوضح كاتبانا الطموحان كيف يمكن لتحول بسيط في طريقة التفكير أن يغيّر كليًّا أسلوب تعاملنا مع أهدافنا الطموحة.
استغل فضولك
في حالات نادرة، نُدرك بالضبط ماهيّة الخطوة التالية، ليتبقى -فحسب- الإقدام عليها. إنما، معظم حياتنا، يكون سبيل التقدم غير واضح؛ حتى لو تراءى لنا (وهم الوضوح illusion of clarity).
فمثلًا، لنفترض أنك تودّ إنقاص وزنك. قد تعتقد أن الكيفية واضحة بما فيه الكفاية: تقليل السعرات الحرارية وأداء التمارين الرياضية.
لكنك تفتقد -في الواقع- معلومات كثيرة لن تجدها مجمعة في (منهجية أنيق)؛ متى تشتدّ رغبتك في تناول السكر؟ ما المحفزات العاطفية التي تجعلك تلجأ إلى الطعام باعتباره آلية مواجهة؟ ما أفضل الوصفات الصحية التي تجدها لذيذة؟
السبيل الوحيد لإيجاد الإجابات هو اختبار الحياة عبر التجارب الشخصية. ومع ذلك، فإن معظم النُظم الغذائي تدعو إلى خطط وجبات صارمة وتمارين رياضية قاسية.
يمكنك أن تلاحظ هذا النمط في جميع مجالات حياتنا:
- في المدرسة، نختار مجال الدراسة ونتبع منهجًا صارمًا.
- في العمل، نُحدد مؤشرات الأداء الرئيسية “KPIs” بداية العام ونتبع خطة استراتيجية.
- حتى في العلاقات العاطفية، غالبًا ما نلتزم بمعايير وتوقعات الخطبة التقليدية.
نُدير حياتنا من منطلق (اليقين). لكن ماذا لو -عوض ذلك- اقتربنا من كل شيء/شخص من باب الفضول؟
الفضول القوة العظمى للإنسانية، وأقوى دافع خلف أعظم اكتشافاتنا. إنه يغذي خيالنا ويمكّننا من تحدي الوضع الراهن. في الواقع، أنا مقتنع بأن الفضول سر السعادة. لا يمكنك البقاء قلقًا أو وحيدًا لفترة طويلة عندما تقترب من كل شيء وكل شخص من منطلق الفضول.
وإحدى أفضل طرق تبنيّ الفضول في حياتك: تحويل الأهداف إلى تجارب شخصية.
كيف تبني تجربة شخصية؟
على غرار العالِم الذي يراقب العالَم، ويصوغ الفرضيات ويختبرها، يمكنك إجراء تجارب شخصية للحصول على رؤى عميقة في حياتك الخاصة.
من خلال استكشاف أساليب مختلفة بشكل منهجي، وتحدي افتراضاتك وتحيزاتك الفكرية، واحتضان الفشل باعتباره نقطة بيانات قيّمة، يمكنك اتخاذ قرارات مدروسة وإطلاق العنان لإمكانياتك دون الالتزام بمسار محدد مسبقًا.
الأمر اشبه ببناء [مختبر لنموك الشخصي]، ولا يتطلب سوى أربع خطوات بسيطة مستوحاة من المنهج العلمي.
قيّم الوضع الراهن
عليك أولًا فهم أين تقف حاليًا. إحدى الطرق السريعة لفعل ذلك هي تسجيل الملاحظات الميدانية لمدة يوم أو يومين. تمامًا مثل عالِم الأنثروبولوجيا، الهدف: الاحتفاظ بسجل لتجاربك.
عندما تأخذ استراحة أو ترغب بالتبديل بين المهام، اكتب الوقت وأي شيء لاحظته. قد يكون هذا رد فعلك بعد محادثة أو لحظات مماطلة أو أفكار منحتك طاقة.
حدد سؤال البحث
راجع ملاحظاتك وابحث عن الأنماط:
ما الذي أجدى نفعًا؟ ما الضغوطات/المُحفزات لديك؟ ما أوجه التحسين؟
ثم، تمامًا كعالِم أنثروبولوجي، حوّل هذه الملاحظات إلى سؤال بحثي.
اختبر فرضيتك
تتبع التجارب نمطًا بسيطًا: نُكرر الفعل مرات كافية لجمع بيانات وافية. على نقيض (العادة) التي تقضي بتكرار الفعل للأبد، تتضمن التجربة [عدد محدد سلفًا] من المحاولات. على سبيل المثال، “اكتب أربع مقالات في أسبوعين” أو “استيقظ في الساعة 6 صباحًا كل يوم لمدة شهر واحد” أو “راجع ما أنجزته مع أحد أصدقائك صباح كل اثنين حتى نهاية الشهر الحالي“.
ستساعدك تجربة بسيطة في تحويل سؤال بحثك إلى فرضية قابلة للاختبار. ثم عقد اتفاق مع نفسك للالتزام بهذه التجربة.
حللّ النتائج
بعد أسبوعين، أو شهر، أو ربع سنة، أو أيًا كانت مدة تجربتك، راجع النتيجة: كيف كانت؟ هل تمكنت من الالتزام باتفاقك؟
إذا لم تستطع الالتزام، فما الذي منعك؟ فكر في النتائج دون أي حُكم. تذكر أن الهدف من التجربة ليس تكوين فكرة ثابتة عن النجاح، بل إحراز تقدم مقصود.
سيتيح لك إجراء التجارب الشخصية تحويل الأهداف الخطية إلى حلقات نمو. من خلال التحرر من الأهداف الجامدة، ستجني فوائد عديدة:
- زيادة قدرتك على التكيف: تتيح التجارب الشخصية المرونة، مما يعني تعديل أسلوبك وفق الظروف والتفضيلات المتغيرة.
- الابتكار المنهجي: غالبًا ما تؤدي التجارب الشخصية إلى رؤى جديدة يمكن أن تلهم بحلول غير متوقعة.
- تقليل الضغط: تعمل التجارب الشخصية على تقليل الضغط الناتج عن تحقيق نتيجة محددة مسبقًا، مما يعزز الشعور بالمغامرة المريحة.
- تعزيز عملية صنع القرار: من خلال تجربة أساليب مختلفة، يمكنك اتخاذ قرارات أكثر استنارة وتجنب المخاطر التي قد تتجاهلها الأهداف الجامدة.
العظيم في التجارب الشخصية أنه لا يمكنك أن تفشل. أي نتيجة هي مصدر للبيانات. أي نتيجة هي وقود لاكتشاف الذات. طموحك الوحيد هو معرفة المزيد.
إذن، حدثنا عن تجربتك القادمة في التعليقات
من أهم المقالات المثمرة والعالية الجودة التي قرأتها في حياتها . إنها من نوع المقالات المرجعية التي يعود لها القارئ في كل حين ، وكذلك هي من النوع الذي يجعلك تبادر لتطبيق ما ورد فيه .
برافو عليك
شكرًا راضية 🤩
أخبريني إن احتجتِ مساعدة في إطلاق مدونتك 😇