اروِ قصة حقيقية لو سمحت!

أواخر عام 2019، ذهب خبير التسويق، جيسون ميلر Jason Miller، إلى حفل ضمن مسرح صغير في لندن، حيث يعيش. وذلك بُغية رؤية [سينيد أوكونور Sinead O’Connor]، المغنية إيرلندية الأصل وكاتبة الأغاني الأسطورية والتي وصلت القمّة أوائل التسعينات، بنسختها من أغنية Nothing Compares 2 U.

قبل حفل 2019، كانت سينيد متوارية عن الأنظار، صحيحٌ أنها كانت تؤلف أغاني، لكنها توقفت عن تقديم العروض الحية. لقد عانت أيضًا من مشاكل نفسية؛ صراعات شاركتها علنًا.

لكنها في لندن، تعيد إحياء حياتها المهنية. لديها مدير أعمال جديد. وألبومان جديدان مُزمع إصدارهما في عام 2020. وهكذا، يذهب جيسون لتصوير إحدى أوائل حفلاتها منذ عام 2014.

في 18 ديسمبر 2019، نشر هذه الصورة على إنستغرام:

المصدر: حساب جيسون ميلر على انستغرام

صورة جميلة شكلًا ومضمونًا. وأرفقها بتعليق من 44 كلمة “روتينية”

“سينيد أوكونور في لندن تعزف في مكان حميم وتثبت أنها لا تزال إحدى أكثر المغنيات تميزًا على هذا الكوكب. اُلتقطت الصورة بكاميرا لايكا M10 مونوكروم. أداء مذهل تمامًا. لقد عادت.”


تمضي أسابيع، لا يتوقف جيسون خلالها عن التفكير في عرض سينيد في لندن؛ كان مسكونًا بلحظة خاطفة على وجه الخصوص.

في يناير 2020، نشر جيسون صورة ثانية لها.. مختلفة جدًا (حتى أن اللقطة -كما تلاحظ- غير واضحة/ خارج بؤرة التركيز).

وجاء تعليقه عليها شديد الاختلاف أيضًا، والطول: 404 كلمات (اختصرته قليلًا أدناه)

“أقف على بعد أقل من متر من أحد أعظم الأصوات في كل العصور. وخلفي حشد ضخم في أحد المسارح الأكثر شهرة في لندن، وأنا محصور بين الحاجز والمسرح. أتحرك بالكاد في ظل وجود العديد من المصورين الآخرين التابعين للصحف من أمثال (ذا غارديان The Guardian) و(ذا ديلي ميل The Daily Mail)، كل الأسماء الكبيرة موجودة هنا…

… هذا مكان مقرّب للغاية لهذه المغنية الأسطورية، وقد بيعت تذاكر العرض خلال دقائق… صعَدت إلى المسرح بابتسامة كبيرة على وجهها ملوحةً للجمهور الواقف على أقدامه مرحبين بعودتها…

… إنها تنظر نحو الصف المصورين الأمامي وقد وجهوا عدساتهم نحوها مباشرة كمدافع حرب صغيرة. بدأوا جميعًا في النقر بشكل محموم على مغاليق كاميراتهم لالتقاط اللحظة، وإذ بها تصوّب نظرها نحوي مباشرة…

… لم أكن قد ألتقطت صورة بعد، ثم حدث ما حدث. نظرَت إلي مباشرة فتجمّدت.

هذه الصورة غير واضحة لأنني كنت مذهولًا ولم أتمكن من التركيز بالمعنى الحرفي والمجازي. لقد فاتتني. الصورة الوحيدة التي يُفترض أن أكون مستعدًا لالتقاطها ضاعت في برزخ مشاعري بين كوني مصورًا محترفًا وأحد مُعجبيها.
لمَ أكن لأشارك أبدًا صورة غير واضحة، ولكن أنظر في عيني هذه المرأة. لقد خاضت الجحيم ثم عادت سالمة، وهي على وشك أن تُظهر للعالم أن لا شيء يمكن أن يحبطها”

صورة مثالية من الناحية الفنية.
الأخرى ليست كذلك.

صورة تنقل الحقائق في 44 كلمة.
وتروي نظيرتها قصة في 404 كلمات.

صورة حصدت 155 إعجابًا و 9 تعليقات.
والأخرى 444 إعجابًا و 36 تعليقًا.

  • الصورة التي سنحت الفرصة لجيسون بعدها ليتفكّر ثم يصيغ تعليق يضعنا معه في هوة المصور. لقد انسحقنا أيضًا أمام الحاجز، محصورين بين ديلي ميل وغارديان.
  • الصورة التي تُشعرك وكأنك داخل الحشد، وتنتظر أحد أعظم الأصوات في كل العصور. وتشعر بانتصارها بمجرد اعتلائها المسرح.

مدافع الحرب جاهزة للإطلاق..

النقر المحموم..

نظرتها..

تردده..

الطريقة التي تحول بها جيسون في لحظة من مصور إلى معجب عندما التقت عينا سينيد بعينيه. واعترافه: أضعت الفرصة.

انظر في عيني هذه المرأة. لقد خاضت الجحيم ثم عادت سالمة، وهي على وشك أن تُظهر للعالم أن لا شيء يمكن أن يحبطها


ما الهدف من المحتوى؟

? لماذا نحن هنا؟

? ما وظيفتنا الفعلية؟ لا أقصد (عملنا) بل ما الغاية من صناعتنا المحتوى؟

? هل يتعلق الأمر بقياس قيمة القصة التي تؤدي إلى زيادة عدد الإعجابات بنسبة 186%؟ والتعليقات بنسبة 300%؟

ربما أحيانًا. ولكنها ليست غايتنا الوحيدة.

لا يتعلق المحتوى الجيد بسرد القصص.. بل بسرد قصة حقيقية بشكل جيد.


قرأت هذه القصة ضمن عدد نشرة بريدية، وآلمتني معرفة أن سينيد أوكونور توفيت عن عمر يناهز 56 عامًا.

“انظر في عيني هذه المرأة. لقد خاضت الجحيم ثم عادت سالمة”

أعتقد أن الأمر يتعلق بلحظات كهذه. وبالصِلة التي نكوّنها مع الموضوع (وكيف نريد خلقها لدى الآخرين أيضًا)
يتعلق الأمر بإيجاد طريقة لرواية قصة “أصدَق” لأننا نعلم أنها مهمة (ونتمنى أن ننجح). وأحيانًا… يتعلق الأمر بالتقاط اللحظة التي يراقبك فيها شخص آخر. وأنت تظفر به. حتى عندما تعتقد أنك تختنق!

رحمكِ الله يا سينيد أوكونور ?.



استوقفتي العبارة إياها (لن أكررها)، فقررت البحث عن أصل القصة حتى وصلت لفيديو شاركته سينيد عن مأساتها عام 2012. ترجمته -دون تردد- رغم مشاغلي العديدة.

☢️ تنويه:: الفيديو يحتوي شتائم انفعالية كثيرة! ☢️

اروِ قصة حقيقية لو سمحت!

2 فكرتين بشأن “اروِ قصة حقيقية لو سمحت!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تمرير للأعلى