لماذا تتطلب المشاريع الإيمان (بمفهومه اللاهوتي)؟

الإيمان ضمن عالم الأعمال

قد يبدو الإيمان موضوعًا غريبًا عن عالم المال والأعمال. في بعض النواحي، ظاهريًا، لا يمتّ مجال التكنولوجيا، المبني على فرضيات تسيّرها البيانات ومجموعة مقاييس، بصِلة لكلمة (الإيمان).

لكنني بدأت -في الآونة الأخيرة- أرى الأمور على حقيقتها: الإيمان والعقلانية ليسا زيتًا وماء. فالإيمان بعالم أفضل تمهيد للتقدم. وفي عصر أصبح فيه من السهل جدًا أن تكون متشائمًا، فإن القدرة على تنمية الإيمان هي إحدى أهم المهارات (في العمل والحياة على حدٍ سواء).

في التكنولوجيا، يتفوق الإيمان على البراهين

عندما أقول الإيمان، فأنا لا أشير إلى تقليد ديني معين أو الالتزام بعقيدة معينة. أفضّل التعريف من لغة بالي، لغة النصوص البوذية الأصلية. في لغة بالي، كلمة (الإيمان aastha)، تُترجم تقريبًا إلى ما تعلّق قلبك به. تنمية الإيمان هي ممارسة التشبّث بشيء ما. في الكلمات التي تُنسب إلى مارتن لوثر كينغ، يعني هذا اعتلاء الدرجة الأولى حتى عندما تعجز عن رؤية كامل الدرج/السلّم.

في تقاليد كل شركة تقريبًا، هناك لحظة يفوق فيها الإيمان البراهين. في منتصف السبعينيات، صادف لاري إليسون “Larry Ellison” ورقة بحثية في مجلة البحث والتطوير التابعة لشركة IBM والتي وصفت نموذجًا أوليًا عمليًا لنظام إدارة قواعد البيانات الارتباطية. كانت صناعة البرمجيات ناشئة، ولم تحاول أي شركة تسويق قاعدة بيانات كهذه من قبل. لكن آمن إليسون وشريكاه (بوب مينر Bob Miner) و(إد أوتس Ed Oates) بقدرتهم على فعل ذلك.

عند إنشائها في عام 1977، أرادت أوراكل (التي كانت تسمى آنذاك مختبرات تطوير البرمجيات) إنشاء قاعدة بيانات ارتباطية متوافقة مع قاعدة بيانات System R التابع لشركة IBM، وهو أول نظام قاعدة بيانات يستخدم SQL على الإطلاق. لكن إليسون وفريقه وصلوا إلى طريق مسدود عندما رفضت شركة IBM مشاركة كود System R.

وبدلاً من الاستسلام لوجهة نظر العقلانيين؛ من قد يرغب في منافسة شركة IBM؟! قرر ثلاثي أوراكل بناء (مشروعهم) من الصفر. وبعد أقل من عقد من الزمن، أصبحت أوراكل أكبر منصة لإدارة البيانات في العالم.

يقول إليسون:

“كان الرأي السائد أن قواعد البيانات الارتباطية لا يمكن جعلها تعمل بالسرعة الكافية لتكون قابلة للتطبيق تجاريًا، لذلك لم يدخل الناس في السباق”.

“أحببت حقيقة أن الأمر كان محفوفًا بالمخاطر. وكلما زاد وضوح الخطر، قل عدد المحاولين”.

لكنني أزعم أن العامل الأكثر أهمية هو إيمان إليسون بفريقه وبمستقبل الصناعة. لقد كان الإيمان بمثابة تمهيد لتقدم شركة أوراكل، لا نتيجة نجاحات سابقة. كان لدى إليسون الشجاعة لمواصلة اعتلاء الدرجات حتى (انبثاق قمّة الدرج).

تعرض الإيمان تاريخياً، نظراً لدلالاته الدينية، للعار في صناعة التكنولوجيا. “المسيحية غير قانونية في شمال كاليفورنيا“، نكتة وردت في مسلسل وادي السليكون. ولكن مؤخرًا، نجد عشرات الأشخاص البارزين في مجال الأعمال والتكنولوجيا يتحدثون بصراحة عن إيمانهم بقوة أعلى، من رائد الأعمال (ديفيد بيريل David Perrell) مرورًا بـ(أنطونيو غارسيا مارتينيز Antonio García Martinez) مؤلف كتاب “قرود الفوضى ?”، إلى (غاري تان Garry Tan)، مدير مسرّعة الأعمال Y Combinator التنفيذي. اتفقوا جميعًا على وضع الدين تفاصيل الحياة اليومية في منظورها الصحيح.

حتى كشخص غير متدين، أعرف قيمة تعليق قلبك على مستقبل غامض؛ مرّت لحظات كثيرة منذ بدأت العمل لحسابي الخاص عندما شكك الآخرون في اختياراتي، عندما أخبرني والدي أن الكتابة لا تُطعم خبزًا، عندما أمضيت أيامًا دون إحراز أي تقدم نحو أهدافي.
ما جعلني استمرّ: العودة إلى إيماني بنفسي وبالتأثير المرجو لكتاباتي.

قرأت في كتاب “العمل الكافي – The Good Enough Job” عن دراسة أجراها باحثون على عشرات (عمّال النظافة) في أحد المستشفيات.

على الرغم من أن جميع عمال النظافة كان لهم نفس الدور في نفس المستشفى، إلا أنهم استمدوا مستويات مختلفة من الإنجاز من عملهم. وجد الباحثون أن عمال النظافة انقسموا إلى فئتين:

  • آمنت المجموعة الأولى أن العمل لا يتطلب الكثير من المهارة. فكان أفرادها أقل استعدادًا لبذل قصارى جهدهم للتفاعل مع الآخرين أثناء نوبات عملهم. وكانوا غير راضين نسبيًا عن وظائفهم.
  • من ناحية أخرى، كانت المجموعة الثانية من عمال النظافة أكثر إرضاءً. لقد اعتقدوا أن عملهم يتطلب المزيد من المهارة، وكانوا يتحدثون بانتظام مع المرضى وأعضاء آخرين في طاقم المستشفى. والأهم من ذلك هو أن الباحثين وجدوا أن عمال النظافة في المجموعة الثانية رأوا أنفسهم معالجين. لقد شبّعوا عملهم بالاعتقاد – أو ربما الإيمان – بأن كل سلة مهملات أفرغوها وكل سرير نظّفوه ساهم في شفاء المرضى. لم يجعل ربط هذا الهدف الأسمى بوظائفهم الجوانب المتدنية لعملهم أكثر قابلية للإدارة فحسب، بل جعل العمل نفسه أكثر أهمية.

يتطلب إيجاد الحلول العقلانية والأمل. وعلى حد تعبير الكاتبة البلغارية ماريا بوبوفا:

“التفكير النقدي دون أمل تشاؤم. والأمل دون تفكير ناقد سذاجة.

آمن بأن العالم مُدمّر بشكل نهائي، وسيمنعك ذلك من العمل على تحسينه. آمن بأن كل شيء على ما يرام ولن تجد داعٍ لتكون جزءًا من التغيير.

بدلاً من الاستسلام لأي منهما، أناشدك أن ترهن قلبك لشيء ما – سواء كان ذلك الله، أو السلام، أو قواعد البيانات الارتباطية،- ثم اقرن إيمانك بالأفعال. وسيظهر الدرج درجة.. درجة.

لماذا تتطلب المشاريع الإيمان (بمفهومه اللاهوتي)؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تمرير للأعلى