بعد اشتداد حدّة الأفكار الانتحارية، وخروجي بأفكار أكثر فعاليّة لإنهاء حياتي. قررت اللجوء إلى الحل الأخير من وجهة نظري: الدعم النفسي الاجتماعي.
هل يستطيع الدعم النفسي الاجتماعي إنقاذ حياتي؟
وهنا لجأت إلى أ. هبة الرفاعي، بعد إشادة العديدين بأسلوب حديثها الدافئ، والنتائج التي حصدوها من جلساتها.
وصلنا للموعد المقرر معًا؛ أحترم الملتزمين بمواعيدهم. بدأت الجلسة بسؤالي عمّا يُزعجني.
اختنقت بالكلام، وحِرت ما أقول وفي ذهني يطوف شبح جلسات العلاج النفسي. لكنني في النهاية، أطلقت الوحش الذي في داخلي.
تحدثت عن تعامل والدَيّ مع محاولتي إنهاء حياتي. وتفهّمَت سبب غضبي من سلبيتهما. وبالطبع، عرّجت على إصابتي بالسرطان والتعافي منه.
دار حديث حول العمل والمال، والذي وجدته سببًا من أسباب مشكلتي. وحاولَت غرس بعض الأمل داخلي، أنني لو تمكنت من تحقيق دخل جيد، فستتحسن أحوالي النفسية فضلًا عن المادية. كان ذلك قبل أن أعمل (مكتبجي)؛ دخل إضافي لم يُحقق ما كنا نصبو إليه!
تطرّقنا للجانب الديني، بالأحرى أنا مَن أثرته؛ أردت أن يخلو حديثنا من أي إشارة لدعمٍ إلهي أو إيماني. أنا شخص يبحث عن الملموس، والمحسوس فحسب.
وأستعرضت معلوماتي، حيث قلت: “أعلم بأن غضبي من الإله يمثّل غضبًا من السلطة الأبوية“. عبارة سمعتها في مكانٍ ما، وشعرت بتجسّيدها حالتي. وكيف أنني انتقلت من (الحرب) إلى (عدم الاكتراث)، فغدت المصائب والكوارث ومعوقات الحياة أقل وقعًا [لأنها من طبيعة الأشياء]. وإن كنت أخجل من التصريح بذلك سابقًا. فأنا اليوم لا أمانع الاعتراف بأنني “لا أدري” بل “لا اكتراثي” لعين!
المُلفت أنها لم تقتنع!
إذ قالت أن إعراضي عن (سبّ الدين)، يعني اهتمامًا -ولو ضئيلًا- بـ”خط الرجوع” للدين. ظننتها حيلة وتلاعب بالأفكار وغرس في العقل الباطن. وحين صرّحت بذلك قالت: لا أؤمن بمسألة غرس الأفكار في اللاوعي. أنت مَن تحدث عن حقيقة مُطلقة في حياتك؛ لا مبرر لتحويل الغضب نحو الإله، سواء آمنّا به أم لم نؤمن.
جرّدني ذلك من أسلحتي، في حين أردّتها حربًا. حربًا استبدل بها (عدوًا جديدًا) عوض (نفسي التي بين جنبيّ).
ختمت الجلسة بقولها (بما معناه، إذ مرّ على الجلسة أكثر من شهرين):
هذا العالم مليء بالأشخاص السيئين، فلا نريد أن ينقص معسكر الأخيار واحدًا.
أعجبني وصفي بالخيّر، ولكن للأمانة، شعرت أنني أفضّل عدم الوجود على خوض هذه المعركة.
وعلى الطرف الآخر، لماذا عليّ أن أكون طيبًا، في حين يفوز الأشرار بكل شيء؟
بعد الجلسة
تطرقنا ضمن الجلسة إلى العلاج النفسي، وأخبرتها كيف سارع الطبيب الثاني لوصف الأدوية. وإذ بها تتوقف عن تدوين ملاحظاتها وتنظر إليّ مستعجبة؛ إذ أنّى لطبيب أن يمتلك جرأة وصف الأدوية قبل تشخيص المرض بدقّة؟!
وبعدها سألتني عن أسماء الأدوية (التي نسيتها طبعًا)، فأخبرتها أنني حين أعود لمنزلي، سأصوّر لها عُلب الأدوية (إن كانت لا تزال موجودة لديّ).
وفي طريق العودة، تذكرت أنني التقطت للأدوية صورة بالفعل، وجعلتها الصورة البارزة لإحدى تدويناتي. وهكذا شاركتها التدوينة، لأتلقى ردّها بعد ساعات قليلة.
جلسة الدعم النفسي الاجتماعي #2
اخترت لها موعدًا بعد أسبوعين، حاولت خلالهما إدخال بعض التغييرات في حياتي؛ على غرار مراسلة شركة ترجمة (رشّحتها ليّ أ. هبة)، وشعرت أنني ربما أحتاج لحديث أكبر يغوص داخلي أكثر.
لكن حين بدأت الجلسة، وجدت نفسي عاجزًا عن الكلام. حتى أنني أخبرتها: لا أعلم لمَ حجزت موعدًا مع حضرتك! لكنني ارتأيت أنني ربما، حين أشعر ببعض الارتياح، سأتمكن من الكلام.
لكن في الواقع، وعلى مدار الجلسة. كان يشغلني أمرٌ واحد: المال!
أخبرتني أ. هبة عن بعض الأشخاص، ممن استمروا معها قرابة عامين أو أكثر. وكنت أفكّر -أثناء حديثها- أنهم بالتأكيد طلّاب جامعات وأشخاص لا يتحملون مسؤوليات، فأختاروا بذل ثروتهم على الدعم النفسي الاجتماعي عوض رفاهيات الحياة.
خيار ليس مطروحًا ليّ أصلًا.. وهنا فكرت، ربما لإسكات صوت ناقدي الداخلي، أو لأنها كانت الحقيقة: لو عاد الأمر لأطفالي، وعلموا أنني على شفا الانتحار، لدفعوني دفعًا للخضوع لهذه الجلسات.
والآن.. ماذا؟
حين يُراودني الشكّ، أمهّد دائمًا. ونادرًا ما أتراجع عن قراري.
ولذا، ما إن استثقلت أجر الجلسة، وخاصةً في وضعي المادي السيء، حتى طلبت منها عدم تحديد موعد الجلسة القادمة حتى أجلٍ مُسمى. فقالت: لك ذلك، على ألّا تطول لأكثر من شهرين.
وها قد مضى الشهرين كلمح البصر.
أكتب هذه العبارات في يوم الجمعة (يوم العائلة)، وقد اعتزلت الجميع ضمن صومعتي (والتي تُدعى “مكتبة“). لأنني لا أدرِ فعلًا كيف أتعامل مع مشاعري السلبية.
وللمصادفة، وجدت فيلمًا شدّني، بقوة تعبيره عني. وتحدثت عنه ضمن عدد النشرة #3
ورغم كونه غير كافٍ، لكن أجد لزامًا عليّ الإشارة إلى اهتمام مجتمع التدوين، وأخصّ بالذكر أ. دليلة رقاي؛ قدّمت دعمًا رائعًا بفقرة عنيّ ضمن عدد نشرتها الـ #47.
واليوم، أعيش للأسباب الثلاث التي ذكرتها في إحدى أجابتي على كورا.
وربما يمكنني إضافة سبب أخير:
أن الموت ليس مضمونًا.
*)) استهلكت كتابة هذه التدوينة طاقتي بشكلٍ كبير. ليس من السهل مجابهة الأفكار السيئة. وإن كنت أفضّل وصفها بـ”شياطيني الداخلية”. فكرت في حذف التدوينة صراحةً، لكنني قلت: عسى أن تكون (المُنجية) لأحدهم؛ عسى أن يقرأها شخص أكثر جُبنًا/شجاعةً مني، فيُعرض عن فكرة الانتحار، ويمنح الحياة فرصة إضافية.
استيقظ كل صباح لألعن الحياة، وألعن هذا الوجود الذي لا طائل منه. أُدرك ما قاله (وودي آلن):
ومع ذلك، أعجز عن خلق معنى لحياتي. ولا تقنعني رسائل القائلين بأن لا مثيل ليّ، وأن العالم يعجز عن استبدالي.
هذا وقد حاولت أخذ الحياة باستخفافٍ واستهتار، واعتبارها لعبة (كما犀利士 روّجت ذات مرة)، ومع ذلك، وجدت الأمر صعبًا. أشعر بمسؤولية أدبية مُلقاة على عاتقي. لم أعتد أن أكون خاملًا، بل حتى لو أردت.. فلن ترحمني مسؤوليات الحياة.
أقف هنا لشعوري أنني أكرر ما قلته في عدة تدوينات. وأفكّر -هذه المرة- في نشر التدوينة “منقوصة”، لكن شعور النقص ذاك يُلاحقني، وينكزّ خاصرتي
وربما يمكنني إضافة أنني أحاول شغل نفسي بمشاريع متعددة، عليّ أجد من بينها ما يُحيي الآمال وهي رميم. لكن، في الواقع، ذاك يزيد الأمر سوءًا.. فالإصابة بمتلازمة الأشياء البرّاقة ليست أمرًا حسنًا على الإطلاق.
هل معنى هذا ألّا فائدة من الدعم النفسي الاجتماعي؟
لن أدعيّ ذلك، فما قرأته لتوّك هي تجربة شخص واحد. في المقابل، نجد في صفحتها على فيسبوك عشرات الإشادات.
لكن على صعيدي الشخصي، كان الدعم النفسي الاجتماعي محاولتي الأخيرة لإصلاح الأمور.
سأكتفي بهذا القدر