أربعة أيام عمل في الأسبوع، فماذا عن اليوم الخامس؟

أربعة أيام عمل في الأسبوع، فماذا عن اليوم الخامس؟

قعقعة وصخب الصباح. بقايا القهوة تلطخ قاعدتيّ زوج من الأكواب. أطباق الإفطار مكدّسة في الحوض. صوت خطواتي في الردهة يرتد عبر المنزل وتصطدم المفاتيح بالأدراج مثل الصنج. ذهب الجميع؛ إما للعمل أو للمدرسة. إلا أنا!

أعمل أربعة أيام في الأسبوع واليوم هو #5: يوم عدم العمل. فماذا أفعل الآن؟

في جميع أنحاء العالم، تتعاظم نسبة تبنيّ أسبوع العمل المكون من 4 أيام. وبالنسبة للكثيرين، فأنا أعيش حلم التوازن بين العمل والحياة؛ فبعد عقود من زيادة الإنتاجية مقابل زيادة قليلة نسبيًا في الأجور وفي ظلّ وباء عالمي من التوتر، ها نحن على أعتاب العيش في مستقبل طوباوي وشيك.

ولكن هل أسبوع العمل من 4 أيام .. جيد كما يبدو؟

مع بدء اليوم الخامس، يبدأ المرء في الشعور بثقل إمكاناته اللامحدودة وتبدأ الأسئلة في التراكم:

  • ماذا سـ”أُنجز” في ذلك اليوم الخامس؟
  • هل يمكنني “تبرير” عدم العمل؟
  • هل يمكنني التوقف عن “تسريب العمل” إلى ذلك اليوم؟

أو .. هل يمكنني أن أرتاح فحسب؟

منذ وقت ليس ببعيد، كانت القدرة على السعي خلف أوقات الفراغ أو الاستمتاع بها علامة على مكانتك المرتفعة في التسلسل الهرمي الاجتماعي. الآن، أصبح انشغالنا، والمطالبة بجزء من وقتنا، كما كتب عالم الاجتماع جوناثان غيرشوني Jonathan Gershuny، عنصرًا جوهريًا في تحديد الوضع الاجتماعي.

في حين تجد العديد من الديانات فترات الراحة جوهرية [فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا – صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 5199]، وأشاد الفلاسفة اليونانيون القدماء أوقات الفراغ والحرية باعتبارهما مفتاح الحياة الفاضلة، إلا أننا اليوم لم نعد نعاني كثيرًا من “جنون حب العمل” الذي وصفه “بول لافارغ Paul Lefargue” في كتابه “الحق في الكسل”. بل انتقلنا للاعتقاد بأن (ذواتنا العاملة) تحدد كينونتنا!

رأى الفيلسوف برتراند راسل خلال القرن المنصرم أنه “بسبب الإيمان بفضيلة العمل، يتضرر العالم الحديث أيّما ضرر“.
أضف ~ 100 عام من التقدم التكنولوجي والاجتماعي السريع، و”استغلال” أوقات الفراغ، وستجد نفسك أمام ما وصفته الكاتبة جيني أوديل Jenny Odell في خطاب ألقته عام 2017:

“يمكن أن تُفهم ممارسة عدم القيام بأي شيء باعتبارها ترفًا منغمسًا في الذات

في بلجيكا عام 2019، اعتمدت منظمة نسائية نظام أربعة أيام عمل في الأسبوع. في البداية، كانت القوى العاملة النسائية مفعمة بالأمل. وأعربت 4/5 منهنّ عن رغبتهنّ في إعطاء الأولوية للوقت الشخصي، وأرادت 60% منهنّ قضاء وقت أكثر مع عائلاتهم وأطفالهم واتباع نظام حياة صحي.

تابع فريق من الباحثين العاملات اللواتي كتبن مذكراتهنّ لمدة عام، وكانت النتيجة أن ما يزيد -قليلًا- عن اثنين من كل خمسة عبّروا عن إحساسهم (بتوافر المزيد من الوقت لأنفسهم)، وأفادت 25% أنهن شعرنا ببحبوحة من الوقت مع شركائهم. ووجدت الدراسة أن الوقت الذي وفّره يوم الإجازة الإضافي “أُنفِق -في الغالب- على أداء الأعمال المنزلية“.

هذا لا يعني أن ساعات العمل غير مدفوعة الأجر تُعوِّض عن ساعات العمل المدفوعة الأجر؛ انخفض إجمالي ساعات العمل لهؤلاء النساء. ووجد التقرير أن “الموظفين تعرضوا لضغوط منزلية أقل، وضغط أقل في وقت الفراغ، وتوازن أفضل بين العمل والحياة“، وأنه من خلال تقليل ساعات العمل، انخفضت فرص غزو العمل للحياة الشخصية.

بمجرد أن قررت الالتزام بأربعة أيام عمل في الأسبوع، بدأت حسابًا ذهنيًا مستمرًا حول كيفية إمضاء ذاك اليوم الإضافي. كان خوفي الأكبر أن يضيع اليوم في الأعمال المنزلية (مثل البلجيكيين)، أو في آلاف الانشغالات/المشاغل الصغيرة غير المهمة.

كنت أخشى ألا أرتاح .. وخشيت أن أرتاح أكثر من اللازم!

كنت أرفض مهام العمل -لا أتلقى مكالمات، ولا أتحقق من بريدي الإلكتروني- لكنني لم أستطع تجنّب الشعور بأنني “مسؤول” عن ذلك الوقت. ترافقت فكرة الراحة مع شبح الذنب.

وجدت دراسة أجريت عام 2019، بعنوان “اختبار الراحة The Rest Test“، بإشراف عالمة النفس ومذيعة راديو BBC “كلوديا هاموند Claudia Hammond”، أن فكرة الراحة -بالنسبة للعديدين- مرتبطة بالقلق والشعور بالذنب.

  • في الصباح، عندما أعود إلى منزل غادره أصحابه، انخرط بما لا يقل عن ساعتين ولا يزيد عن ساعتين و45 دقيقة في الأعمال المنزلية. مهمة محددة، ولأجلها اضبط المنبهات: أمسح الغبار أو أغير ورق الجدران أو أؤدي جميع المهام الأخرى التي تستهلك بقية الأسبوع. الكلمة تتلألأ بالإنجاز، وذاك يحميني من الشعور بالذنب.
  • أتوقف مع حلول الظهيرة. هذا وقتي الخاص، بلا هدف سوى الاستمتاع به. أغادر المنزل، ومن 12:15 ظهرًا حتى 1:15 ظهرًا، أذهب إلى صف التمارين الرياضية الذي أحبه. لا أجزأ تلك الساعة أو امنحها لأي شخص أو أي شيء آخر. تلك (استراحتي). وهي ضماني ضد الاستياء.
  • من (1:15 م) وحتى انتهاء اليوم الدراسي هو وقت غير متبلور. لم أكتشف بعد ما عليّ فعله به أو لمن ينتمي.
  • بدأ يومي بـ 12 مهمة في قائمة مهامي، وانتهى بتسعة.
  • لقد استمعت إلى 3 حلقات بودكاست رائعة.
  • في المقهى المحلي القريب، قرأت مقالة طويلة ورائعة، وحدقت في الأفق برويّة، ودون الشعور بالذنب.
  • اليوم ليس سحريًا. ولكن مع انتهاءه، أشعر بخفة -إلى حد ما- وبأنني أقل قلقًا. أشعر بالامتنان. وبالاستعداد لمزاولة العمل.

على سبيل المثال:

هناك موجة حول هذه الكتب. الشعور باستعادة “حقنا في أن نكون كسالى” الذي طرحه (لافارج) لأول مرة في عام 1883 وأُهمِل -إلى حد كبير منذ ذلك الحين- أو على الأقل التحرر من الحاجة إلى أن نكون منتجين وأن نثبت هذه الإنتاجية. يكاد يكون هناك شعور بالسخط إزاء المفارقة المتمثلة في أنه في وقت يتسم بالثروة غير المسبوقة والقدرة على الوصول إلى أوقات الفراغ، يشعر الكثير منا أننا لا نملك أياً منهما!

قد لا يُحدِث أسبوع العمل المكون من أربعة أيام ثورة في عقولنا بقدر ما يُحدث ثورة في جداولنا الزمنية. سوف يستغرق الأمر أكثر من مجرد تغيير في أوقات تسجيل الدخول والخروج لنفصل أنفسنا حقًا عن الدافع للعمل أكثر من أي وقت مضى (بما في ذلك ما يسميه أوديل “عمل تحسين الذات ” ) أو عن وجهة النظر القائلة بأن هدف وقت الفراغ هو التعافي أو صرف الانتباه عن العمل.

ولكن ربما يكون هذا بمثابة حجر آخر على الطريق إلى أرض الوعد الأسطورية التي تحقق التوازن بين العمل والحياة. إلى مكان، باختصار، حيث يمكننا أن نرى أن وقتنا هو “نحن”.

المصدر:: ‘Can I just … rest?’: guilt, the four-day working week and what to do with the fifth day

أربعة أيام عمل في الأسبوع، فماذا عن اليوم الخامس؟

2 فكرتين بشأن “أربعة أيام عمل في الأسبوع، فماذا عن اليوم الخامس؟

  1. لقد ذكرت أن تنظيمي ليومك ووضعك لقائمه مهام .. يجعلك أقل توترا وأكثر امتنان ..
    هل جربت هذا في أيام العمل ايضا؟
    هل يمكنه أن يجعل يومك أفضل ويزيح قليل من الاكتئاب؟

    1. هل جربت هذا في أيام العمل ايضا؟


      بصراحة .. لا 🙄 تحطّم فوضويتي أي محاولة لتنظيم يوم العمل.
      لكن، يُقال .. أن تنظيم المهام، وممارسة الامتنان على ما أُنجز منها .. يُزيح الاكتئاب أو بعضًا منه، والله أعلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تمرير للأعلى