كيف ستبدو حياتك دون بحثٍ عن الشغف؟

يعلم الجميع -تقريبًا- كيف قضت إليزابيث جيلبرت Elizabeth Gilbert عامًا كاملًا في السفر حول العالم “للعثور على نفسها”، ثم وثّقت رحلتها ضمن كتاب بيعت منه 12.000 نسخة (ليتحول في النهاية إلى فِلم من بطولة جوليا روبرتس).

وإذ بها بعد سنوات، تصرّح بما يتناقض مع جوهر عملها الأشهر:

لا تبحث عن شغفك؛ فالشغف ليس شيئًا يُعثر عليه. وإنما ينبثق عندما تجتهد على شيء يهمّك.

إذًا، فالمرأة التي أسّست مسيرتها المهنية على اكتشاف ذاتها عبر البحث، أدركت في النهاية: أننا لا “نجد” أنفسنا، بل “نبنيها” بالعمل.
لكن لن يرغب أحد بسماع ذلك؛ فالبحث مريح، على عكس الاختيار. يُبقي البحث جميع الأبواب مفتوحة. أما الاختيار فمعناه أبوابًا مغلقة. والتي تعادل الموت للبعض.

لذا، تبقى في حالة حركة دون المضي قُدمًا، فتواصل “استكشاف خياراتك” لأنه -أي الاستكشاف- لا يُلزمك بأي شيء محدد. وهكذا تجد نفسك تستقيل لأن الوظيفة “لا تعبّر عنك“، وقد تتخلى عن مشروعك بعدما “فقدت الإحساس بأصالته“، أو تُنهي علاقتك بشريك حياتك لأنك “بحاجة إلى مساحتك الشخصية“.

وذاك ما يذكرني بأن أخلاقيات هوليوود أسوأ مما تبدو عليه!


لكن ماذا يحدث حقيقةً على مدى خمس سنوات؟

ستجد أنك ما زلتَ تستكشف وتحاول فهمَ الأمر، وما زلتَ بانتظار اللحظة التي ستتضح الصورة فيها، وتعرف أخيرًا من أنت. ولا أُخفيك سرًا: لن تأتي تلك اللحظة؛ فأنت لا تكتشف ذاتك بالبحث داخلك، وإنما -كما أسلفنا- بالعمل على أرض الواقع ورؤية ما يُجدي نفعًا.

الارتباك حقيقي. الحل ليس كما تظن.

لست أتجاهل الحيرة والارتباك، فهما حقيقييَن تمامًا؛ أنت حقًا لا تعرف ما تريد، وتمتلك عشرة اهتمامات مختلفة، وربما غاب الهدف الواضح عنك. وإذ بك تنظر إلى الناجحين الذين يبدون واثقين جدًا من مسارهم، ولا تعرف كيف وصلوا إليه [وأجدها فرصة مناسبة لتذكيرك أن الاقتداء بالناجحين -خطوة بخطوة- لا يجعلنا ناجحين بدورنا!].

هذا الاضطراب طبيعي. تكمن المشكلة فقط في كيفية تعاملك معه؛ أنت تتعامل مع ارتباكك باعتباره مشكلة تحتاج إلى حلٍّ عبر تفكير أعمق، والبحث في أعماقك، وخوض المزيد من اختبارات الشخصية، وتدوين قيمك ووضعها أمامك.

لكن تجاربنا الشخصية تقول أننا نادرًا ما نتبيّن طرقنا عبر “التفكير”، وإنما يتحتم علينا السَير. وهل تعلم كيف بدأ كل شخص ناجح يبدو واثقًا -اليوم- من مساره؟ ببساطة، لم يبدأ واثقًا، وإنما كان -مثلك- مرتبكًا وحائرًا، لكنه اختار شيئًا وغامر بكل شيء، ثم استمرّ حتى لو تغاضى الجميع عن رسالته.

يأتي اليقين من المضي قُدمًا، لا قبله.

كيف ستبدو حياتك دون بحثٍ عن الشغف؟

قضيت عامين في محاولة “العثور على صوتي الفريد“. فقرأتُ لكلَّ كاتبٍ أحترمه، ودرستُ أساليب الجميع، ثم حاولتُ الكتابةَ على شاكلتهم. وبعدها جربتُ العكس، وأخيرًا حاولتُ دمجَ الأساليب.

وكنت -كلما كتبت شيئًا وقرأته- أفكر: “هذا لا يُشبهني“؛ لذا جرّبت شيئًا مختلفًا، وأسلوبًا جديدًا، وزاوية فريدة.. حتى مضى عامان على هذا دون نتيجة.

إلى أن اتخذت قرارًا قاطعًا: سأنشر مقالًا أسبوعيًا لمدة عام، دون أي أعذار. وللأمانة، كان الأسبوع الأول سيئًا. والأسبوع الثامن أسوأ حتى. وفي الأسبوع الخامس عشر، كدتُ أتوقف بعدما بدا كل ما كتبتُه مُصطنعًا ومُزيفًا!

لا لأنني “وجدت صوتي“، بل لأنني “أوجدّته“. والسرّ بسيط: المواظبة حتى عندما لم أعرف ما أفعله. واتخاذ قرارات عمّا أتمسك به أو أتخلى عنه بناءً على النتائج لا المشاعر.

لم يكن صوتي موجودًا قبل انتظامي بالكتابة، وإنما انبثق من (فعل الكتابة المستمر). وإليك نصيحة سيئة لتجاوز الملل من الكتابة!


إليك السبب الحقيقي وراء استمرارك في الاستكشاف

البحث لا نهائي،على عكس البناء. فعندما تبحث، تمنّي نفسك أن تكون أي شيء: كاتب أو رائد أعمال أو مصمم أو مدرب.. إلخ. تبدو الاحتمالات بلا حدود، وتظل أفضل من الواقع.

كيف؟ لأنه بمجرد اختيارك، عليك أن تواجه الفجوة بين شَخصك الحُلم ومن أنت الآن:

  • إذا التزمت بالكتابة، فستواجه حقيقة أن أول مائة قطعة محتوى تكتبها ستكون عادية (أو حتى رديئة).
  • وإن قررت إطلاق مشروع تجاري، فستُضطر لتقبّل واقع انعدام جاذبية السنة الأولى على كافية المقاييس.
  • وحين تلتزم أي صَنعة “Craft”، فسوف تضطر إلى مواجهة كونك سيئًا في ممارستها لفترة أطول مما ترغب.

البحث يُجنّبك هذه الفجوة. لن تكون سيئًا أبدًا في أي شيء، لأنك لن تلتزم التزامًا كاملًا بأي شيء.

دعني أساعدك قليلًا: هل سمعت بفجوة الذوق The Taste Gap (أو لماذا لا يبدو عملك بالجودة التي تصورتها


إذا كنت تريد التوقف عن البحث والبدء في البناء، فتحتاج لتقبّل الحقائق الثلاث الآتية:

قد تظن أنك بحاجة لمعرفة نفسك قبل فعل أي شيء، لكن العكس هو الصحيح: فأنت تتحرك أولًا، فتكتشف -تاليًا- حقيقتك:

  • لم أعلم أنني كاتبٌ قبل أن أكتب بانتظام، أي أصبحتُ كاتبًا لأنني واصلتُ الكتابة.
  • لم يكتشف الشخص ذو البنية الجسدية الممتازة أنه رياضي فجأة. بل أصبح كذلك بالتمرين المستمر لسنوات.
  • لم يجد أصحاب العلاقات العميقة أشخاصًا يثقون به بمحض الصدفة. بل أصبحوا أشخاصًا جديرين بالمعرفة بفضل حضورهم الدائم.
لذا، توقف عن طرح سؤال "من أنا؟" واسأل "من سأكون بفضل ما أفعله كل يوم؟"

يُشعرك عدم الاختيار بالحياد، وكأنك في حالة عدم الاستقرار بين ما كنتَ عليه وما ستؤول إليه. لكن حالك -آنذاك- بعيد كل البُعد عن الحياد؛ فأنت تختار البقاء حيث أنت تمامًا.

يُغلق البقاء منفتحًا على الاحتمالات باب النمو الحقيقي، لأن النمو يتطلب التزامًا. ويستحيل عليك إتقان أي شيء بمجرد تجربته، بل يأتي الإتقان من تكرار ذات الشيء حتى تكتسب مهارة حقيقية.

انتبه! بينما تستكشف، غيرك يبني. وحيثما وجدت نفسك "منفتحًا على الخيارات"، فأعلم أن أحدهم يزيد رصيد (التكرار).

ربما تنتظر الوضوح قبل الالتزام. علمًا أن الوضوح لا يأتي إلا بعد الالتزام. فلن تعرف ما إذا كانت الكتابة تناسبك -مثلًا- إلا بعد مواظبتك عليها لستة أشهر على الأقل، ولن تختبر متانة علاقتك مع أحدهم إلا لو تجاوزتما الأمور الصعبة معًا، ولن تتيقن من نجاح فكرة منتجك إلا بعد إطلاق نسخته الأولية واختبارها في السوق.

بعبارة أخرى: يُولّد الفعل الوضوح، بينما يضعك التفكير في حيرة ممتدة.

📇 إطلاق منتج رقمي حقق ليّ 5000$ [القصة الكاملة]


  • اختر شيئًا معينًا، ليس ما تراه مثاليًا (أو يُخبرك الناس أنه كذلك)، ولا شيئًا “تظنه” شغفك، وإنما شيئًا يبدو مثيرًا للاهتمام بما يكفي للالتزام به لمدة ستة أشهر.
  • ثم داوم عليه كل يوم أو كل أسبوع.. لا فرق؛ المهم الاستمرارية.
  • لا تشكك في صحة اختيارك، ولا تخشى أن تفوت شيئًا أفضل، ولا تبحث -أيضًا- عن “إشارات من الكون“.
  • فقط تواجد وأدِ عملك.

⚠️ ستكون بعض الأيام مملة. وسترغب في بعضها بالتوقف. وربما تتسائل -في بعضها الآخر- إن وجب عليك الاستسلام. افعلها على أية حال؛ فالمشاريع تتطلب الإيمان (بمفهومه اللاهوتي).

🌀 ستفهم نفسك أكثر مما قد تخبرك به ثلاث سنوات من التبصّر الداخلي.
♻️ ستكتشف ما يحمّسك، وما يُرهقك، وما تُجيده بطبيعتك، وما يتطلب جهدًا.
ستعرف ما إذا توجّب عليك الاستمرار أم التحول إلى شيء آخر.

لكن لن يتحقق ذلك دون ممارسة.

أنت فقط تتجنب مشقّة الالتزام بشيء قبل التأكد من أنه الاختيار الأمثل. لكن الخيارات المثالية محض خيال. فما علينا سوى الاختيار، ثمّ الاستمرار حتى نخلق خيارنا المثالي.

وهويتك غير موجودة .. بعد. فأنت مَن تشكّلها بنفسك.

– المصدر: سكوت

كيف ستبدو حياتك دون بحثٍ عن الشغف؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

تمرير للأعلى