كيف يكون الإدراك المتأخر (راوٍ قصص عظيم)؟

عندما تسترجع كل تلك اللحظات المحورية في حياتك، حيث اخترت مسارًا دون آخر، يسهل عليك تصوّر أنه كان (قَدرك). يبدو كل شيء بديهيًا عندما تسترجع الماضي. لقاء ذلك الشخص يعني -بالطبع- انتقالك إلى تلك المدينة، وممارسة تلك الهواية، والتواصل معه، والحصول على تلك الوظيفة. عندما تُكتب القصة، يَسهل رؤية خيوط حبكتها.

يدعو الفيلسوف آرثر شوبنهاور “Arthur Schopenhauer” هذا الأمر القَدر أو “إرادة الكون”. إذ آمن بوجود قوة كونية محرّكة تدفع كل شيء. دافع شوبنهاور -بصورة عامة- عن أفكار موجودة في التراث البوذي والطاوي، ويبدو أنه نقل أفكاره حول قوة جبرية تُوجِّه الأمور عنها (دون أي ذكر لها)!

كلقاء “نيو” بـ “مورفيوس” في المصفوفة. كرهتُ فكرةَ عدم تحكمي بحياتي بشكلٍ كاملٍ ومطلق. ثم، مع تقدمي في العمر، ازداد تقديري لشوبنهاور؛ اتضح أن كل فصلٍ يتبع الآخر، ويمضي كتاب الحياة -بلا هوادةٍ- على خطٍّ سرديّ. إنما، ولكوني ذا عقلية علمية، ما زلت أواجه صعوبة في تقبّل القدر!

لذا، عندما عرّفتني مايا سي بوبا (Maya C. Popa) على اقتباس من عالم النفس كارل يونغ، تلقّفته بحماسة:

“حتى تجعل اللاوعي واعيًا، سيوجّه حياتك وتسميه القدر”

لا تُسئ فهمي، ليست “اليونغية” بمعزل عن الخرافات، لكنها -على الأقل- مُدّعمة ببعض المصطلحات النفسية المقبولة.

لذا، لنتحدث الآن عن اللاوعي والإلهامات والفن.

في صغري، كرهت فكرة القدر

يسود افتراض في العلاج النفسي عن وجود قوىً ودوافع وأحداثًا مجهولة تدور خلف الكواليس. حيث تختبئ في لاوعينا أمورٌ مهمةٌ عديدة، مثل:

  • لماذا تعتبر شخصًا ما جذابًا؟
  • لماذا تواجه صعوبةً في الاستيقاظ باكرًا؟
  • لماذا تجد زميلك في العمل مقيتًا على نحوٍ غريب لا يتعلق الأمر بما يقوله، بل بكيف يقوله

لذا، كانت مهمة المعالج النفسي الجيد -دومًا- محاولة كشف بعض تلك “المجاهيل” المهمة. أما “كيفية فعلها” فتظل موضع جدل؛ فقد يكشف اللاوعي عن نفسه -تدريجيًا- خلال جلسة علاجية لمدة ساعة. وقد يظهر -فجأةً- في سديم جدال أحمر!

لقد أثّرت بي إشارة “بوبا” إلى “يونغ” حقًا. فهي تدير مجموعة تُسمى “نادي الكُتّاب الواعين”، حيث لكلمة “واعٍ” معنى مزدوج:

الكتابة الرائعة مهارة لا شك فيها. عليك أن تتعلم كيف تصوغ جملةً رائعةً، وكيف تُخطط وتضبط إيقاعها. وكما حال جميع المهارات، يمكنك تحسينها بمزيجٍ رائع من الممارسة والتقليد، وقليلٍ من الحظ الوراثي. ولكن للكتابة -وربما لكل فنٍّ في الواقع- جانبٌ آخر، وهو ما يُطلق عليه فنانو التاريخ المتغطرسين “الملهِمات The Muses”.

تُعدّ الملهِمات قوةً جماليةً يستمدّها الفنانون من أعمالهم أو يستحوذون عليها. إنها بمثابة كنزٍ فنيّ أو وقودٍ في خزان.

شجعني حديثي مع (بوبا) وكتابة هذه التدوينة على مشاركة نظرية أعمل عليها منذ فترة، وسأسميها “حلقة الإلهام المغلقة”.


“حلقة الإلهام المغلقة”

لكل فنان نوع من “خزان الإلهام” يستنزفه عند إبداع أعمال فنية رائعة. لكن يحتاج هؤلاء الفنانين -وربما جميع البشر- إلى إعادة ملء “خزّانهم” من وقت لآخر.

إذا أطلتَ في سرد القصص، ستنفد منك القصص. لذا، عليك إما سماع المزيد من القصص أو اكتساب المزيد منها. عليك أن تقرأ أكثر قبل أن تتمكن من التحدث أكثر، وعليك أن ترى أكثر قبل أن تُشارك أكثر.

هناك طرق عديدة لإعادة ملء هذا الخزان: قراءة الشعر، التنزه، حجز رحلة إلى وجهة جديدة، فعل شيء غبي ومحرج للغاية.

أُسمّيها “الحلقة المغلقة” لنتذكر جميعًا أننا جزءٌ منها: ما نفعله ونقوله ونُبدعه سيُخلّد في كنز العالم الفنيّ العظيم. أنتَ سببُ رقص أحدهم، وسببُ غناء أحدهم أغنيةً حزينةً. قصصنا وفنُّنا يتدفقان إلى العالم، ويدوران معًا.

هل أنت في مرحلة سرد القصص أو الاستماع إليها في حياتك؟
شاركني إجابتك في التعليقات 😌

كيف يكون الإدراك المتأخر (راوٍ قصص عظيم)؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

تمرير للأعلى