صورتك الذاتية: هل ثمة طريقة جديدة لفهمها؟

صورتك الذاتية

ما إن نشر إريك إريكسون “Erik Erikson” نظريته المؤثرة حول تطور دورة الحياة، حتى احتار علماء النفس حول أفضل سبل فهم (الهوية)، وهو أحد المفاهيم الأساسية التي قدّمها في هذا المجال.
وفقًا لإريكسون، فإن هويتك لا تتكون فقط من فهمك لمن أنت كشخص (أو ما يُدعى صورتك الذاتية Self-Image)، ولكن أيضًا الطريقة التي تنظر بها إلى علاقاتك وقيمك وأدوارك الاجتماعية وقدراتك.

عادةً ما يجنح البحث عن الهوية إلى التركيز على المراهقة، عندما يبدأ الشخص في استحداث صفاته لأول مرة، ولكن ثمّة علماء نفس يعتقدون أن للهوية دورًا مهمًا في مرحلة البلوغ.

يمكنك أن تشهد على دور الهوية في حياتك الخاصة، بغض النظر عن عمرك الحالي. إذ كيف تصف نفسك لو طلب منك أحدهم أن تشرح -بالتفصيل- إحساسك بشخصيتك اليوم؟ وكيف تغيرت صورتك الذاتية مع مرور الوقت؟ أنت تعلم أنك “نفس” الشخص الذي كنت عليه دائمًا، ولكن هل تشعر حقًا “بذات الشيء” من الداخل؟ كيف أثرت تقلبات الحياة في هذه النظرة التي تحملها حول أهم صفاتك؟

لما حان الوقت لإلقاء نظرة جديدة على الهوية؟

وفقًا لـجي سي “Jie Sui” وزملاؤه من جامعة أبردين، فإن صورتك الذاتية أو هويتك “تعمل كمحطة لمعالجة المعلومات يُختبر العالم من خلالها ثم تتصرف بناءً على مُخرجاتها”. بعبارة أخرى، أنت تفسر تجاربك من خلال عدسة إحساسك بالذات ثم تقوم بأشياء تعكس هذه النظرة الخاصة للواقع.

على سبيل المثال، قد تعتقد أنك لم تتغير على الإطلاق من حيث القدرة البدنية منذ أن كنت مراهقًا/شابًا. وإن بدأت تؤلمك ركبتيك، فستُحيل هذا للطقس أو حذائك ذي الجودة الرديئة. نتيجة لذلك، لن تغير سلوكك وستستمر في إرهاق مفاصلك، بغض النظر عن مدى سوء الألم!

قد يساعدك التصرف بطرق تتفق مع إحساسك بذاتك -على الرغم مما "يخبرك" الواقع- على الاستمرار إلى حد معين، ولكنه في النهاية سيخلق انفصالًا عن واقعك. انشرها للعالم

وأظنك قادرًا على رؤية كيف سيتسبب ذلك في مشاكل ليس فقط لصحتك الجسدية (ستزداد ركبتيك سوءًا فقط) ولكن أيضًا لصحتك النفسية.

يرى (فريق جي سي البحثي) أن “للاضطرابات المرتبطة بالذات صلة قوية بأغلبية المجالات التي تغطي العديد من الحالات النفسية.” وفي سبيل تطوير ما يُدعى “الطب النفسي الدقيق Precision psychiatry” يحتم علينا “تطوير أدوات ترصد التغيرات الدينامية للحالات العقلية وكيفية تأثيرها على الاضطرابات المرتبطة بالذات”.

اقرأ أيضًا: كيف تتعامل مع جنون الارتياب أثناء عملك عن بعد؟

كيف تؤثر صورتك الذاتية على صحتك النفسية؟

إذا كانت صورتك الذاتية تعكس هوية شخص مليء بالعيوب، فستفسر تجاربك بطريقة تعزز وجهة النظر هذه؛ فإن رمقك أحدهم بنظرة جانبية أثناء حدث اجتماعي ما، ستفترض على الفور أنه ينتقدك. نتيجة لذلك، تبتعد عنه بدل محاولة الانخراط في تفاعل إنساني قد يكون ممتعًا!

نظرًا لأن الهوية يمكن أن تكون أساسية للصحة النفسية، فقد لاحظ باحثو جامعة أبردين أن قياس هذا المفهوم المراوغ يمثل تحديًا كبيرًا للدراسة العلمية.
قد يمنحك الباحث مجموعة عناصر لتقييم نفسك على أساسها، أو ربما يجالسك لاستكشاف أعمق وجهات نظرك الذاتية. يقيّد هذا الأسلوب اعتماده على التقرير الذاتي Self-report، وعلى هذا النحو، فهو يخضع لرغبة الشخص تقديم وجهة نظر معينة عن نفسه للآخرين (بما يسمى “خصائص الطلب Demand characteristics“).

وعلى ذات القدر من الأهمية، تُحذف مقاييس التقرير الذاتي وحتى المقابلات من سلوك الأشخاص الفعلي. أنت تقول إنك تشعر تجاه نفسك بطريقة معينة، ولكن لكن، كيف تتصرف حقًا؛ قد تحاول أن تبدو منظمًا -قدر الإمكان- أثناء إجابتك على استبيان، ولكن في موقف اجتماعي، هل تنخرط في نوع من التفكير السلبي الذي يقودك إلى الابتعاد عن الناس؟

طريقة أفضل للاستفادة من الهوية

بدلاً من استخدام نهج “السرد”؛ حيث يخبر الشخص الباحث/المعالج النفسي عن نفسه، يعتقد (فريق جي سي البحثي) أنه يمكن تحقيق دقة أكبر بكثير في التشخيص والعلاج من خلال نهج متعدد الوسائط.

ففيما يُدعى “البيئة الآلية للبحث الذاتي”، تصبح الذات سمة مركزية تتضمن الإدراك والذاكرة والتحكم في العواطف. يكمن “مركز الثقل” هذا في الطريقة التي يتفاعل بها الناس مع بيئاتهم، وتتشكل بدورها من خلال تلك التفاعلات. لتقييم هذا المحور الأساسي للذات، يُجري الباحث/ممارس الرعاية الصحية تقييمات ذاتية (تقرير ذاتي) وتقييمات موضوعية (بناءً على السلوك) جنبًا إلى جنب مع القياسات التجريبية مثل التدابير السلوكية الحيوية (على سبيل المثال، مستويات هرمون الإجهاد).

يمكن بعد ذلك إدخال كل هذه المعلومات في مجموعة من الخوارزميات أو برامج الكمبيوتر (أي الجزء “الآلي” من النموذج) والتي تساعد في صياغة توصيات لعلاج الصحة النفسية قائمة على الدقة. على الرغم من أن هذا قد يبدو مثل الخيال العلمي والتعلم الآلي والذكاء الصُنعي، فإن العمليات التي من شأنها تضييق نطاق البيانات، أضحت طريقة تقليدية في الطب النفسي الدقيق. هناك أجهزة كمبيوتر يمكنها، على سبيل المثال، قراءة فحوصات الدماغ والأشعة السينية بدقة أكبر مما يمكن أن يقدمه حتى خبراء التشخيص.

يدعيّ المؤلفون أن نهجهم لن يوفر فقط تشخيصات وخطط علاجية أكثر دقة للصحة النفسية، بل سيوفر أيضًا المزيد من الفرص للمساواة والشمول لأنه يستوعب “تنوع الاحتياجات الفردية”.

ختامًا

توفر هذه التوصيات بالفعل مادة للتفكير، ولكن ما الآثار التي يمكن أن تترتب عليها بالنسبة لك كشخص يرغب في فهم صحته النفسية عبر فهم صورته الذاتية؟
يبدو أن أهم فكرة تنطوي على ذلك الانفصال المحتمل بين التفسيرات التي تُراها لتجاربك والطبيعة الأكثر “موضوعية” لتلك التجارب نفسها.

بالتأكيد، قد ينظر إليك الشخص في تجمع اجتماعي نظرة انتقادية، ولكن ربما لا علاقة لك أصلًا بنظرة هذا الشخص. Click To Tweet

يمكن لهذا النوع من اختبار الواقع أن يحقق أكثر من مجرد ابتهاجك للحظات. إذا كنت تحاول فعلاً تحليل صحتك العقلية بدقة، فإن تتبع عدد المرات التي تؤكد فيها أسوأ مخاوفك (أو ربما العكس؛ تتفائل بلا أساس) أو عدم تأكيدها يمكن أن تكون بيانات مفيدة تقوم أساسًا بإدخالها في التعلم “الآلي” الخاص بك.

باختصار ، يمكن أن تساعد فكرة التركيز على الذات بهذه الطريقة الواسعة القائمة على البيانات في توفير نهج جديد للصحة النفسية. قد يساعد تطوير “ملاحظاتك القابلة للتطوير” بشكل جيد جدًا في تشكيل صورتك الذاتية وتعزيزها أثناء خوض تجارب حياتك الخاصة.

ترجمة ممتعة لمقالة: A New and Improved Way to Understand Your Own Self-Image

صورتك الذاتية: هل ثمة طريقة جديدة لفهمها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تمرير للأعلى