في عالم يستطيع أي شخص كتابة محتوى باستخدام الذكاء الصُنعي (دون أن يكون خبيرًا فعليًا)، تضائلت الثقة بالمحتوى الرقمي. وربما أكبر دليل على ذلك: بحث الناس المحموم عن التجارب والآراء الإنسانية الحقيقية على شبكات التواصل الاجتماعي (رغم شكوكهم حيال محتوى المؤثرين Influencer content)!
إذًا، وكما اتفقنا سابقًا، يسعى الناس للتواصل مع الآخرين أكثر من أي وقت مضى.
صحيحٌ أن بعض الشركات ترتكب جريمة في اعتمادها الكامل على المحتوى المُولّد بالذكاء الصُنعي (بحجّة تقليل التكاليف!)، لكن ذاك يفتح المجال لشركات أخرى؛ استغلال الفرصة لتصبح أكثر إنسانية وتتواصل بعمق مع جماهيرها.
اللمسة الإنسانية هي “المُخلّص” في عصر الذكاء الصُنعي
يؤثر الذكاء الصُنعي التوليدي –بشكل كبير– على تحسين النتائج لمحركات البحث SEO وصيحات “Trends” المحتوى. بحيث لم تَعد القدرة على إنشاء محتوى كثيف وواسع الانتشار ميزة تنافسية!
ما يحتّم على العلامات التجارية توجيه إستراتيجيتها نحو نهج أكثر تركيزًا على العملاء “Customer-centric approach” من خلال:
- التعرف على جمهورها (عن كثب) والبدء في إنشاء محتوى يركز على احتياجات العملاء الحقيقية ونقاط الضعف عوض التركيز على حجم البحث عن الكلمات المفتاحية أو ميزات المنتج.
- الاستفادة من الخبراء الحقيقيين بصفتهم (صنّاع محتوى)، والارتقاء بتجربتهم المباشرة لإنشاء محتوى مفيد حقًا من مصدر جدير بالثقة.
- الاستعانة بالفرق الداخلية والموظفين كسفراء لشركتهم وإدراجهم في استراتيجيات توزيع المحتوى “Content distribution”.
ركز على “المحتوى الذي يدعم رحلة المستخدم”، لا حجم البحث عن الكلمات المفتاحية
قبل أن يغير الذكاء الصُنعي التوليدي اقتصاديات التسويق بالمحتوى من خلال جعل إنشاء المحتوى رخيصًا وميسور التكلفة، كان النهج الأذكى للتسويق بالمحتوى -كما أسلفنا- هو إنشاء محتوى على أوسع نطاق:: بحيث تنشر عن أي -وكل- كلمة مفتاحية مرتبطة بمنتجها (ولو من بعيد!).
الآن، نحن بحاجة لاستراتيجية جديدة.
آن أوان نسيان حجم البحث والاتجاه نحو المحتوى الذي يلقى صدى عميقًا لدى الجمهور. تحتاج العلامات التجارية إلى الاعتماد على أبحاث الجمهور ورؤى المستخدم لإنشاء محتوى أكثر ملاءمة لرحلة المستخدم الفعلية.
أثناء عملي مع منصة رواء، أدركت أن مجرد إنشاء المحتوى الذي يبحث عنه جمهورنا لم يكن كافيًا. كان علينا أن نلتقي بهم أثناء رحلة العميل.
المشكلة أن اتخاذ قرار الاستثمار في نظام محاسبي يستغرق عدة أشهر ويتطلب موافقة العديد من الأشخاص.
بعد الكثير من الأبحاث، وبمجرد أن حددت -مع زملائي- صانع القرار الأساسي، قررنا التركيز على إنشاء محتوى لـ “تلك الشخصية المحددة”.
إحدى الطرق الجيدة للقيام بذلك هي تطبيق إطار عمل “المهام المطلوب إنجازها / JTBD : Jobs To Be Done“ ورسم خريطة لرحلة المستخدم النموذجية لعميلك المثالي. ثم جمع لجنة من الخبراء لتبادل الأفكار حول المحتوى الذي يمكن أن يساعد عميلك المثالي في مهمته.
هل تشعر أن الموضوع مُعقّد؟ اسمح ليّ بتبسيطه إذًا.. "المهام المطلوب إنجازها" لكل مسوّق بالمحتوى
استخدم محادثات المبيعات والدعم في أبحاث جمهورك
بلا شك، يساعدك فهم جمهورك على تقديم محتوى يمكّنك من التواصل على مستوى أعمق. وصدقني .. تملك شركتك ثروة معلومات تُبيّن كيفية تفاعل المستخدمين مع منتجاتها؛ يمكنك الاستفادة منها باعتبارها جزء من بحث السوق:
- غالبًا ما تتفاعل الشركات مع عملائها في محادثات المبيعات، أو تذاكر الدعم، أو المجتمعات عبر الإنترنت.. إلخ.
- يمكنك استخدام المذكورة لتحديد نقاط الألم (المشاكل) التي يحلها منتجك، وأسئلة الدعم الشائعة، وكيف تُقَارن بمنافسيك، وأين يجدك جمهورك المستهدف.
استخدمنا هذه الإستراتيجية لتحديد العبارات المفتاحية “Keywords” التي كان العملاء الحقيقيون يستخدمونها للحديث عن منتجنا. وحين تتحدث لعملائك مستخدمًا كلماتهم الخاصة، فسيصلهم شعور قوي أنك تفهمهم حقًا.
يمكنك استخدام أدوات تفريغ الاجتماعات [خياري الشخصي ✌️ TL;DV] وأداة ذكاء صُنعي [MonkeyLearn أو Dovetail مثلًا] للعثور على مشاكل جمهورك، وكيف يقارنوك بالمنافسين، إضافة لاستخراج العبارات المفتاحية التي يستخدمونها -في أغلب الأحيان- عند الحديث عن منتجك.
استعن بخبرائك الداخليين على إنشاء المحتوى
يساهم تعاونك مع خبرائك الداخليين في إيصال خبرة علامتك التجارية الحقيقية، ويساعدك على إنشاء محتوى فريد عالي الجودة بشكل أسرع.
صحيحٌ أنهم -في معظم الأحيان- سيكونون مشغولين جدًا في أداء مهامهم؛ بحيث لا يمكنهم كتابة محتوى لقسم التسويق. إنما بمقدورك التغلّب على هذه المشكلة عبر توظيف (كاتب خفي Ghost Writer) لإجراء مقابلات معهم، وبذا تضمن عدم ضياع معارفهم في غياهب النسيان.
لا ينبغي أن يعمل الكاتب الخفي “”كاتبًا”” فحسب، بل بصفته مُيسّرًا: يترجم معرفة خبرائك إلى محتوى جذاب. ومن المهم أن تتعمق المقابلات في رؤى الخبراء، بحيث يعكس المحتوى حقًا خبرتهم ولهجتهم، ويطرح أسئلة مستنيرة، ويلتقاط الفروق الدقيقة في تفسيراتهم.
كيف تُجري مقابلة مع الخبير؟
- ابدأ بإنشاء ملخص محتوى شامل بناءً على ما يريد جمهورك معرفته حول موضوع معين.
- ادعو الخبير لتقديم ملاحظاته حول ذاك الموضوع، بحيث يُضيف أي عناصر مفقودة أو يُصحح الأخطاء.
- بمجرد إنشاء المحتوى، يجب أن يقدم خبيرك الداخلي مراجعة نهائية قبل نشره.
من خلال خبرتي، يتطلب هذا التعاون قرابة الساعة:
- [5 – 10 د] للملخص
- [30 – 40 د] للمقابلة
- [10 – 20 د] للمراجعة النهائية.
ويمكنك تحويل مقابلة واحدة إلى سلسلة من التدوينات، أو إعادة توظيفها في مقاطع على شبكات التواصل الاجتماعي أو حتى بث صوتي (بودكاست).
قدّم وجهة نظر أصيّلة
لا نقصد التخلي عن صوت علامتك التجارية! لكنك حين تسمح لأصوات مؤلفيك وشخصياتهم بالتألق، فستجعل محتواك أكثر تنوعًا وجاذبية لجمهورك الباحث عن اللمسة الإنسانية.
يمكنني قول: ثمّة شهية حقيقية لهذه الأصوات الفريدة
- أطلقت غوغل مؤخرًا ميزة SERP جديدة، “المناقشات والمنتديات Discussions and Forums”، لتسليط الضوء على تجارب المستخدم الحقيقية في عمليات البحث عن المراجعات.
- ولا ننسى كيف أطلقت -العام الماضي- مُرشّح Perspectives: نوع جديد من SERP يبرز التجارب الشخصية من خلال الجمع بين مقاطع الفيديو ومنشورات شبكات التواصل الاجتماعي والأخبار. وكذلك، اختبارها خاصية إضافة أسماء المؤلفين إلى المقالات وأهم الأخبار بطرق مختلفة.
Google test author name in top stories carousel @JohnMu @rustybrick pic.twitter.com/KDP6Gvwsui
— Kamlesh Shukla (@iKamleshShukla) July 5, 2023
إذًا، كيف تقدّم وجهة نظر أصيّلة؟
- أنشئ صوتًا واضحًا وفريدًا لعلامتك التجارية يعكس قيم شركتك وشخصيتها. يجب أن يكون الصوت متسقًا حيثما نشرت، إنما مرنًا كفاية ليسمح لشخصيات الكتّاب بالبروز.
- طوّر إرشادات محتوى علامتك التجارية “Brand Content Guidelines” بحيث تشجّع الكتّاب على بثّ أصواتهم وشخصياتهم في كتاباتهم. قد يتضمن ذلك السماح لهم بمشاركة قصصهم الشخصية، أو التعبير عن آرائهم الصريحة، أو الكتابة بأسلوب يعكس طريقتهم الفريدة في التواصل. يجب أن توازن هذه الإرشادات بين الحفاظ على صوت العلامة التجارية بوجه عام وحرية التعبير عن وجهات النظر الفردية.
- ابحث بشغف عن القصص والتجارب الشخصية من فريقك وعملائك وأدرجها في محتواك. إما عبر دراسات حالة أو مقابلات أو منشورات شبحية (كما فعلت شركة HubSpot) أو اقتباسات مميزة تضيف لمسة إنسانية لما تنشره.
- وفّر التدريب أو الموارد لفريقك حول أسلوب القصّ المؤثّر. علمهم كيفية نسج التجارب الشخصية والحكايات في المحتوى بطريقة تعزز الرسالة دون الانتقاص من احترافية قطعة المحتوى وأهدافها. [أو يمكنك -ببساطة- دعوتهم للاشتراك في رديف!]
أضف مقطع فيديو شخصي لمحتواك الأفضل أداءً
نُحب مَن يقرّبنا مِن الناس. ولهذا يحظى (تيك توك) بنجاحه الباهر: فالاستماع لراوي قصة أكثر جاذبية من قراءة مقال!
لا تقلق، لن تحتاج لمحتوى جديد تمامًا؛ يمكنك إعادة توظيف محتواك الأفضل أداءً وتحويله لفيديو.
كيف؟
ببساطة .. اختر أشهر مقالاتك / تدويناتك، وصُغ نصًا يلخص النقاط الرئيسية (وتحريره ليتناسب مع صوت علامتك التجارية)؛ يمكنك أن تطلب من الكاتب تصوير نفسه وهو يقرأ النص، أو فعل ذلك بنفسك. وأخيرًا .. انشره على يوتيوب أو تيك توك، ولا تنس سؤال جمهورك عن رأيه بهذه التجربة الجديدة.
وإن لم تجد شخصًا من فريقك لا يخجل من الكاميرا 😅، فيمكنك الاستعانة بالذكاء الصُنعي. وقد أحببت Fliki لسببين:
- دعمه للغة العربية (بل وبلهجات مختلفة 😍)
- تقديمه برنامج تسويق بالعمولة 😝
حوّل موظفيك إلى مؤثرين “Influencers” 🤳
قبل أن أخوض في هذه النقطة، اسمح لي بوضع نقطة نظام: ما لم يكن ذلك مذكورًا في عقدهم أو كنت تدفع لهم مقابل ذلك، فموظفوك ليسوا ملزمين بمشاركة محتوى علامتك التجارية.
إنما، وعلى الجانب الآخر، فإحدى ميزات استعانتك بخبرائك الداخليين في إنشاء المحتوى (كما أسلفنا) هي رغبتهم في مشاركته مع جمهورهم؛ ذاك يساعدهم على بناء علامتهم التجارية الشخصية، ويكشف عن [تعدد مواهبهم].
إليك بعض النصائح لإنجاح هذه الإستراتيجية:
- استخدم الذكاء الصُنعي التوليدي لمساعدتك في تحويل المقالات الطويلة إلى ملخصات جذّابة، تحفّز خبرائك الداخليين على المشاركة.
- تأكد من مكافأة الموظفين الذين يشاركون في هذا البرنامج من خلال إعادة مشاركة محتواهم والاعتراف العلني بجهودهم.
- ضع إرشادات واضحة بشأن ما المناسب للمشاركة وما هو غير ذلك، مع التركيز على (اللغة الشاملة Inclusive language) وحماية معلومات وخصوصية العميل.
- استخدم أداوت تحليل شبكات التواصل لمراقبة مدى وصول المحتوى وتأثيره. يمكن أن تساعدك هذه البيانات في فهم نوع المحتوى الأكثر صلة بجمهورك وبالتالي تحسين إستراتيجيتك.
لماذا ينجذب المستخدمون نحو منصات مثل انستغرام و تيك توك؟
👇 الإجابة 👇
بسبب رغبتهم العميقة في التواصل الإنساني الحقيقي والمحتوى الذي يتردد صداه حقًا.
لا يقتصر التحدي الحقيقي في مواكبة مسيرة الذكاء الصُنعي التي لا هوادة فيها، بل في احتضان العناصر البشرية التي تؤدي إلى صِلات حقيقية واكتساب الثقة. يجب على علامتك التجارية منح الأولوية للأصالة، وتركيز الاستراتيجيات حول المستخدم، وتسخير وجهات النظر والخبرات الغنية والفريدة للأفراد الحقيقيين.
في عصر الذكاء الصُنعي، لم تعد الأنسنة مجرد شيء جميل؛ بل ضرورة قصوى.