أصبح الاكتناز الرقمي “Digital Hoarding” اليوم معاناة عالمية. فمع كل دقيقة:
- يُشاهد 167,000,000 مقطع على تيك توك.
- يُنشر 1,700,000 منشور على فيسبوك.
- تُجرى 5,900,000 عملية بحث على جوجل.
- تُشارك 65,000 صورة على انستغرام.
- يُشاهد 3,700,000 مقطع فيديو على يوتيوب.
- تُرسل 2,400,000 رسالة على سناب شات.
[المصدر]
بات الانتباه العملة الأعلى قيمة. ونحن ندفع الثمن.
حجم المحتوى الهائل مُرهق فعلًا!
وكما تنص مفارقة الاختيار “Paradox of choice”، أمام مجموعة واسعة جدًا من الخيارات المتاحة، يتوتر الناس ويقلقون، وفي نهاية المطاف يشعرون عدم الرضا أو شلل اتخاذ القرار عوض التحرر أو السعادة.
جميعنا واجهنا موقفًا مُشابهًا.. كالآتي:
تعود مُتعبًا من العمل إلى منزلك. وترغب بالانفصال قليلاً ببعض وسائل الترفيه. لكنك تقف أمام مشكلة الاختيار: ما خدمة البث التي تستخدمها من ضمن الخمسة التي اشتركت فيها؟ ستختار إحداها. لنفترض نِتفليكس. ماذا الآن؟
ترحب بك الشاشة الرئيسية بمجموعة عناوين مختارة بعناية؛ حُسنت الصور المصغرة والعناوين بشكل كبير حتى تشعر بالرغبة في مشاهدتها. وبذلك ينتهي بك الأمر إلى التصفح دون وعي لمدة 30 دقيقة حتى تستقر على مشاهدة (فريدندز) للمرة 894!
وهذا ما يسمى شلل القرار Decision fatigue؛ حيث يكون المجهود الذهني المطلوب للتقييم والاختيار بين العديد من الخيارات مستنزِفًا ?.
مرهق بلا شكّ، وأشبه بالوباء. والأسوء:
تحولنا إلى مكتنِزين رقميين
نحفظ قطع المحتوى -قهريًا- على أمل ألّا تفوتنا المعرفة والترفيه والثقافة. ولكننا -في نهاية المطاف- نتصفح سلبيًا Doomscrolling؛ دافعين بأنفسنا نحو غياهب النسيان، لنحفظ هذه الروابط في “قبو رقمي” حيث، على الأرشح، تُنسى للأبد!
نحن مشلولون بتكلفة الفرصة البديلة. ومثقلون بالرثاء على الفرص أو الفوائد الضائعة المحتملة والمرتبطة بالخيار الذي تخلينا عنه!
وفي نهاية المطاف، ننتهي إلى عدم الاختيار مطلقًا.
وبما أننا غير راضين، ونرزح تحت الإحساس بالذنب، ومشلولون بالتردد. تتأثر قدرتنا على الإبداع شيئًا فشيئًا.
أهمية تنسيق المحتوى “Content curation” في العملية الإبداعية
الإبداع من الخصائص البشرية الأصيلة. واستهلاك المحتوى لا غنى عنه؛ بل ضروري لتكون مصدر إلهام.
يُفترض أن نستوعب العالم عبر حواسنا، ونفهمه، ثم نشارك وجهة نظرنا الخاصة مع الآخرين.
إنها الخطوة الأولى في حلقة حدّافة صانع المحتوى The Creative Flywheel اللانهائية؛ التنسيق والتفكير والإبداع والنشر.
يمثّل تنسيق المحتوى فن الاختيار؛ تصفية كم المعلومات الهائل التي نتعرض لها، واختيار ما يستحق اهتمامنا.
كثيرًا ما ننسّق المحتوى دون وعي. لكن المشكلة أن اقتصاد الاهتمام صعّب الأمر، بحيث أصبح لزامًا علينا استحضار الوعي أثناء العملية. وإلا، وقفنا -بلا حول ولا قوة- أمام ما يصل إلى أدمغتنا، وما يغذي أحلامنا وآمالنا.
والنتيجة كارثية.
تجربة حياتية مملة بلا عمق ولا هدف، وخالية من الإبداع.
ما العمل إذًا؟
نحن نتعرض لوابل محتوى لا ينقطع، ولا وقت لاستهلاك كل شيء. إنما -على صعيد آخر- لا يمكن إنكار مدى روعة الإنترنت كمصدر. وكيف، مع حُسن استخدامها، يمكن أن تعزز حياتك وقدراتك الإبداعية.
وأحد أفضل أنظمة تنسيق المحتوى هو العقل الثاني Second Brain؛ مصطلح روّجه مؤلف الإنتاجية “تياجو فورتي Tiago Forte” في كتابه “بناء العقل الثاني“
يدور المفهوم الأساسي للكتاب حول إطار عمل التاءات الأربع:
- تسجيل: ابقِ ما يتردد صداه
- تنظيم: ضعه في صيغة قابلة للتنفيذ
- تقطير: ابحث عن الجوهر
- تعبير: اعرض عملك للملأ
باختصار، يتمحور الكتاب حول فكرة بناء (عقل رقمي خارجي) يساعدنا على إدارة فائض للمعلومات، وتعزيز الإبداع والإنتاجية.
خطوات عمليّة نحو بناء نظام تنسيق
سجّل بغية التطبيق
عليك دائمًا أن تسأل نفسك عن الهدف الذي يحققه الشيء، ثم احتفظ به بناءً على ذلك.
ما لم تبدأ في الانتقاء الواعي للأشياء التي تحفظها، والتأكد من أنها ستساهم في مشاريعك ومجالاتك الحالية/المستقبلية، فلن يمنعك أي نظام من الاكتناز الرقمي!
أسس عادة التنظيم عبر تعلّم كيفية التخلي
بدون إجراء فحص منتظم للأشياء التي تحفظها، سيستمر مخزنك الرقمي في النمو ويصبح مرهقًا مرة أخرى.
لذا، بعد أن تعلمت كيف تكون انتقائيًا، احرص على تعلّم كيف تتخلى عن الأشياء.
عليك التحقق -بانتظام- من مكتبة المحتوى لديك للتأكد من أنك تحتفظ فقط بما يخدمك. سيظل عقلك خاضعًا للخوف من الفوات (فومو FOMO)، لذلك ستحتاج إلى مقاومته بانتظام، وأرشفة ما لا تحتاجه.
اجعل خوارزميات شبكات التواصل الاجتماعي تعمل لصالحك
يمكن أن ننجر -بسهولة- للجدال حول التأثير السلبي لشبكات التواصل الاجتماعي على مجتمعنا، وكيف أن كل خلل في العالم مرّده إليها، وكيف جعلتنا عبيدًا لنيل استحسان الآخرين ومدمني الدوبامين.
ومع ذلك، يعلم الجميع أنها سلاح ذو حدين؛ أي لها جانب يمكن استخدامها لتحقيق نتائج طيبة.
كيف؟ تلاعب بالخوارزمية عوض السماح لها بالتوصية العشوائية.
ومجددًا، كيف؟! إضافة للتدليل على ما يهمك (من خلال الإعجاب والمشاركة). احرص على البدء في ⛔️ حظر المحتوى ⛔️ الذي لا تتوافق معه، لا الاكتفاء بالتمرير وتجاوزه (وذاك الشيء الوحيد الأكثر فعالية الذي يمكنك فعله لضمان جودة الموجز Feed).
بالتأكيد، يتطلب ذاك جهدًا إضافيًا، ولكن النتيجة تستحق العناء.
أدوات لبناء عقلك الثاني
الآن، إذا كنت مقتنعًا بقوة العقل الثاني، فخيارات بناء نظامك لا حصر لها.
إنما إليك بعض الأدوات التي يمكنك البدء معها:
- Apple Notes (أو أي تطبيق بسيط لتدوين الملاحظات). لا يحتاج نظامك إلى أن يكون مبهرجًا أو يستخدم تقنية معقدة.
- Notion. كانت Notion أداة لإنشاء مواقع الويكي، لكنها أصبحت الآن واحدة من أكثر التطبيقات شيوعًا لإدارة أي شيء تقريبًا. إنها مجانية للاستخدام الشخصي ويمكنك إنشاء مساحات عمل مذهلة عليها.
لكن عليّ تنبيهك: منحنى تعلمها حاد!
قد يبدو إعداد هذه الأنظمة أمرًا شاقًا، وقد يكون كذلك. لكنك لن تندم على المحاولة.
نسّق لتخلق Curate to create، فلا توجد طريقة أخرى
فلا يوجد خلق بدون إلهام.
لقد غيّر كل مبدع عبر التاريخ تفسيره للعالم من خلال الوسيط الذي اختاره، سواء كان ذلك الرسم أو الكتابة أو الموسيقى أو التصوير الفوتوغرافي.
أولاً وقبل كل شيء، المبدعون هم منسّقون؛ يأخذون كل شيء ويعيدون تفسيره بطريقتهم الخاصة.
بدون تنسيق لا يوجد إبداع.
لكن الاكتناز الرقمي المستمر الذي اعتدت ممارسته هو ما يؤدي إلى شلل القرار ويخنق قدراتك الإبداعية المتأصلة.
من خلال اعتماد أطر عمل مثل (التاءات الأربع) أو غيرها، يمكنك تسخير الوفرة الرقمية لدعم محركك الإبداعي، وليس إعاقته.
تذكر أن التعمّد هو مفتاح الحل. إن رحلتك من كونك مستهلكًا سلبيًا إلى منسّقًا نشطًا هي المكان الذي تنتظره عبقريتك الإبداعية.
ترجمة ممتعة لعدد نشرة بريدية: You’re not lacking creativity, you’re overwhelmed
شكرًا لك، جاء في وقته
يسعدني ذلك عزيزي