مدفوعًا بالسأم، أعدّت قراءة تدويناتي السابقة، وتحديدًا المُصنّفة (شخصيّة). لماذا أتشكّى دائمًا؟ عمّا أبحث تحديدًا؟ ألا يُفترض أنني أؤمن بمشروعي التدويني؟
إذًا، لا بدّ من وجود قطعة ناقصة من الأُحجية.
ولحسن الحظ، وجدتها!
فقبل بضعة أيام، وصلني أحد أعداد نشرة The Tilt الشهيرة. ما رأيك لو نتصفحه معًا؟

على مدار الأشهر القليلة الماضية، كنتُ أُعيد قراءة بعض محتوى نشرتي البريدية السابقة. كانت تجربة غريبة؛ مزيج من الحنين والتساؤل: “بما كنتُ أفكر حين نشرت هذا؟!”
ومن ضمن تلك المقالات، مقالة كتبتها قبل ست سنوات عن حملة آبل “فكر بطريقة مختلفة Think Different“، والتحول الذي أنقذ الشركة، حيث ركزتُ -في المقالة- على كيفية إعادة آبل اكتشاف هدفها عام 1997.
كانت الشركة تخسر مليارات الدولارات، حتى شطبها المحللون من حساباتهم. وعندما عاد ستيف جوبز كمدير تنفيذي مؤقت (Interim CEO)، لم يتحدث عن المنتجات أو الميزات.
وإنما عن “عقيدة”
تحدث عن سبب وجود آبل وما تمثله. وشرح كيف أن قيمتها الجوهرية بسيطة: أشخاصٌ شغوفون قادرون على تغيير العالم للأفضل.
شكّل هذا الإيمان تركيز آبل وأساليبها التسويقية، وبالنتيجة: المنتجات التي أطلقتها.
بينما كنتُ أقرأ ذلك، شرد ذهني ضمن تساؤل مختلف: هل الأمر محكوم نظام واضح؟ بمعنى هل ثمّة ما يمكننا فعله -بصفتنا صنّاع محتوى- لمواجهة لحظات عدم اليقين؟ وكلما تأملتُ في رحلتي الشخصية، أدركتُ وجوده. نظام بسيط [من مرحلتين]، لكنه قوي، وقد عايشته -مرارًا وتكرارًا- دون أن أدركه.. حتى الآن.
المرحلة #1 :: الإيمان Belief
لا نتحدث عن (الأنا )، أو حتى الثقة بالنفس. بل عن ذاك الإيمان اللاهوتي الذي يكاد يبدو غير منطقي. كالذي تحدث عنه إيدي مورفي في فيلمه الوثائقي (Being Eddie) عندما وصف معرفته أثناء طفولته، بأنه سيغدو مشهورًا.
لم يكن يأمل ولا يتمنى. بل كان يعلم.
أرى ذات العقلية لدى صنّاع المحتوى ورواد الأعمال الذين يصمدون بما يكفي لتحقيق النجاح؛ مؤمنين بقدرتهم على بناء شيء ذي معنى حتى عندما تبدو المقاييس سيئة أو التوقيت مُريعًا. يؤمنون بقدرتهم على اكتشاف رسالتهم حتى لو غابت كيفية تحقيقه عن أذهانهم. يؤمنون برسالتهم حتى لو تغاضى عنها العالم بأسره!
تجربتي الشخصية
بعد بيعي معهد التسويق بالمحتوى CMI وأخذي إجازة لمدة عام كامل، عدتُ بفكرة مشروع “المَيل The Tilt“. وخلال الجائحة، ظننته سيُحدث نقلة نوعية في عالم صنّاع المحتوى. أعتقدت أنه سيتوسع؛ حتى أننا أطلقنا معرض رواد أعمال المحتوى “Content Entrepreneur Expo” قبل الموعد المُفترض (أو بالأحرى: قبل وقت طويل من التشبيك الذي يمكّننا من إنجاح الفعالية).
ولا يسعني إلا الاعتراف بتزعزع إيماني. إذ ظللتُ أتساءل لمَ لم يكن الأمر أسهل؟ لماذا لم يُحقق النجاح الذي توقعته؟
واكتشفت أن الإيمان وحده يبقى قاصرًا، ما لم ترفده المرحلة الثانية..
المرحلة #2 :: التوجّه نحو الآخر
toward someone else ..

يُثمر الإيمان حقًا عندما يُوجَّه نحو شخص آخر. كلما شككت في نفسي، استعدّتها بذات الطريقة:
- في عام ٢٠٠٩، عندما شعرت أن شركة Junta42 (والتي تحوّلت بعدها إلى معهد التسويق المحتوى) مهددة بالفشل، أعدتُ قراءة رسائل المشتركين. وتأملّت ما قاله الناس عن كيف ساعدناهم.
- تمرّ السنوات، وتكون مشكلة “المَيل The Tilt” أكبر، النمو أبطأ مما توقعت. ومع ذلك، أرسل الناس رسائل شكر، وطرحوا الأسئلة، بل وأخبرونا كيف حسّنت النشرة البريدية والبودكاست أعمالهم أو حياتهم.
أدركتُ -حينها- أنني كنتُ أركز على لوحة النتائج الخاطئة. الأرقام مهمة، لكنها لا تعكس جوهر العمل. بل التأثير هو الأساس.
كلما ركزتُ على نفسي، تشوشّت رؤيتي. أما حين أصبّ تركيزي على مَن أحاول مساعدته، ينقشع الغبار وتسير الأمور على أفضل ما يُرام.
هذا ليس درسًا في ريادة أعمال المحتوى فحسب
بل ينطبق على أي شيء مهم حقًا .. التربية .. الزواج؛ عندما تتعسّر شؤون حياتي، فلأنني -دائمًا تقريبًا- أفكر في احتياجاتي. ولكن عندما أركز عمّا قد يساعد الشخص الآخر حقًا، يصبح الطريق ممهدًا مرة أخرى.
خلاصة القول
تحتاج إلى الإيمان بقدرتك على ابتكار قيمة. عليك الإيمان بقدرتك على مساعدة الآخرين، حتى لو لم تكن متأكدًا من الكيفية. وتذكّر: يصبح الإيمان خطرًا عندما ينغلق على ذاته؛ فهنا تكمن الشفقة على الذات وينمو الشك.
لا يصبح الإيمان قويًا إلا عندما توجهه نحو احتياجات الآخرين. عندما تؤمن بقدرتك على المساعدة. عندما تؤمن بقدرة عملك على تحسين حياة جمهورك (أو عملائك، أو عائلتك، أو حتى شخص واحد في هذا العالم). يخلق هذا الإيمان المعنى، ويضمن لك الاستمرارية. والأهم يغدو ملجأك عندما تفتر همّتك أو يغلبك الخوف.
إذا كنت تؤمن بقدرتك على مساعدة الآخرين، فستتجاوز أي شيء تقريبًا. وإن ركزت على [الآخر]، فستكشف أمامك الطريق دائمًا.