كيف تكتب حين تضيع بوصلتك؟

كيف تكتب حين تضيع بوصلتك؟

أعترف أنني أصبحتُ، في الآونة الأخيرة، سيئًا للغاية في اتباع نصائحي. لطالما رغبت في الكتابة عن مواضيع لست خبيرًا فيها.

بلا أدنى شكّ، أستمتع بالكتابة عن النشرات البريدية ودور الذكاء الصُنعي في حياتنا، لكنني -أيضًا- مفتون بالتفكير الثوري، وخاصةً بالحديث عن العُزلة والشغف والوعي الذاتي. تتمحور اهتماماتي اليومية حول مواضيع كهذه، لكن يتملكني الخوف كلما حاولت الكتابة عنها.

“من أنا لأتحدث؟!”

يساورني القلق، وقد أُدخل نفسي في نفق المقارنات المُظلم بأشخاص يبدو أنهم خبراء. ثم أقضي ساعات مع (كاترينا) بحثًا عن طمأنة نفسي. مع الوقت، يموت فضولي على يدّ دوامة التفكير المفرط، وذاك مؤسف؛ أعلم أن لديّ قيمة أضيفها.

المفارقة أن مَن يستشيرني في ذات الشعور [أنه غير مؤهل للحديث حول موضوع ما]، أقدّم له نصيحة استصعب تطبيقها:

كيف تكتب حين تضيع بوصلتك؟

أنت لا تكتب لأنك خبير، بل لتصبح خبيرًا

أُشبّه انتظار النتائج قبل الكتابة بتسويف البدء بلعب كرة القدم ريثما يأتيك عرض من أحد الأندية الكبار!
وقد اتفقنا منذ البداية على أن (الكتابة رحلة)، ويهتم الناس بقصّة مضيك نحو وجهتك، لا بنصائحك بعد الوصول. فإذا أردت جذب انتباه الناس حقًا، فأحرص على سرد القصة أثناء نموّك (حتى لو كنت مستجدًا).

ما الذي يجعلني متأكدًا هكذا؟ لأنني -في بداياتي- كنت خبيرًا في المحاسبة فحسب. ولم أكن لأخصص مدونة كاملة لمجالٍ لا أُحبه!


لذا دعوني أشرح -بالتفصيل- المراحل الثلاث التي يمر بها أي كاتب في رحلة خوضه المواضيع الجديدة.

أخطر خطأ قد ترتكبه: التظاهر بما لستَ عليه. وللأسف، تضجّ الشابكة بالمدّعين، إنما -ببساطة- لا أحد يهتمّ بمنشورات إدعاء دون دليل.

لذا، عوض إخفاء قلة خبرتك، تقبّلها. تقبّل أنك مستكشفٌ، وشارك ما تتعلمه وأنت تغوص في أعماق فضولك.

"ماذا سأستفيد؟"

سؤالك في محلّه. حسنًا، تذكر أن (التنسيق ) لا زال خدمة مطلوبة؛ فقد تقضي 100 ساعة في تعلم شيء ما، ثم تختصره في 10 دقائق، وتحوّله إلى فيديو مثلًا.
على الجانب الآخر، تظهر نتائج مثل هذه الممارسة سريعًا: فعندما تكتب عما تتعلمه، تتعلم أسرع عشر مرات، علاوة عن استفادتك من أسلوب “الموثوقية بالارتباط Authority-By-Association“: أي اكتساب المصداقية أو الموثوقية عبر الارتباط بكيان موثوق به آخر. وأفترض أن الجميع يعرف معنى الموثوقية Authority، أليس كذلك؟

وسأضرب بنفسي مثالًا.
عندما بدأت الكتابة قبل 9 سنوات، لم أكن لأهتم -ذات نفسي- بقراءة تدويناتي؛ لا أحد سيلتفت لشخص ما فتأ يُنكر حقّ اسمه في تحقيق النجاح!

لكنني كنت مفتونًا بفكرة العمل المستقل، وهذا ما دفعني نحو التمسّك بالكتابة مهما حدث. شاركت كل ما تعلمته خلال رحلتي. والنتيجة؟ بدأ البعض يَرونني مؤثرًا:

وإن أردت نسب فضل النجاح لأهله، فسأقول: لم أكن لأنجح لولا محتوى الزملاء عالي الجودة.

لن تتميز إذا اكتفيت بقراءة منشوراتٍ عادية وكتبت مقالًا سطحيًا. فلا مفرّ من تعمقك أكثر من غيرك وبحثك عن أفكار وقصص ملهمة، بحيث تشعر أنت نفسك بالانبهار؛ وبذا تنعكس مشاعرك على ما تكتبه. ومع مشاركتك ما تكتبه، تبدأ تطبيق النصائح بتلقائية. وهذا يقودنا إلى التطور الثاني.

إنما قبل الحديث عنه، لنتذكّر معًا: كيف تكون فضوليًا في الحياة .. دون تشتت انتباهك؟


يتطلّب سعيك لبناء سمعة في مجالك أن تكون مختلفًا ونافعًا (فهل أنت كذلك فعلًا؟). الإجابة: نعم بالتأكيد، بشرط أن تبادر وتجازف وتغامر باختبار أفكارك ثم -وذاك الأهم- توثّق النتائج.
بعبارة أخرى: أرّخ لحياتك وتجربتك، وثِق من حبّ الجميع للقصص الجيدة. 😉

وهذا يقودني إلى نقطة مهمة: هدف مشاركة قصتك هو بناء الثقة، والذي لن يتحقق دون الشفافية.

قد يخلط البعض بين البناء علنًا والتباهي أمام الناس (كما نرى في لينكدإن🙄)، وفي حين يكره الناجحون الكمالية –أتذكر؟– فمعاناتك وآلامك وشكوكك ومخاوفك هي ما يتفاعل معه الناس أكثر من غيره.

ومجددًا، سأضرب بنفسي مثالًا ..
على مرّ السنين، حاولت الظهور بمظهر (العارف بكل شيء)، بدءًا من إدعائي إطلاق منتج رقمي حقق ليّ 5000$ [بينما المقالة مُترجمة!] وليس انتهاءً بتبشّيري بدين جديد يُدعى عدم الاكتفاء [وأنا لا أملك سقفًا لدخلٍ يُرضيني!].. ولأن جمهور المدونة ذكي، لم يُلقي بالًا لكل هذا.

متى تأثر بما أكتبه، وسعى جهده لمساعدتي؟

حين بدأت أدوّن لنفسي، وأدعوك -بكل تواضع- لمشاركتي التجربة.

وحريٌ بيّ التأكيد هنا على اهتمام قلّة فحسب بتجربتك في البدايات، لكن ما إن يتحسّن أسلوبك –ومع سعيك للتشبيك الصحيحسيبدأ نجمك يسطع بلا أدنى شك.


يتحلى الخبير بأمرين: الحكمة (تُكتسب بالتجربة) والدليل (تأكيد على صحّة الأفكار ووجوب اتباعها). وبالتالي، لا يكفيك تحقيق نتائج شخصية طيبة فحسب، بل لا بدّ أن تُثبت قدرة أفكارك على إحداث تغيير إيجابي في العالم.

لهذا، يحتاج كل كاتب إلى التعاون مع جمهوره (تمامًا كما فصّلت في آخر أعداد النشرة البريدية)؛ فبدون اختبار، فأنت -في الحقيقة- لا تملك أفكارًا، بل مجرد قائمة مكونات نجحت معك. إذا عليك دخول المطبخ ومساعدة الآخرين في الطبخ.


بوصلتك داخلك .. منذ البداية

لنلّخص المسألة برمّتها: الكتابة رحلة، وتخصصك في الكتابة ليس قرارًا “تتخذه مرة وينتهي الأمر” وإنما تطور مستمر. لذا، دع فضولك يقودك نحو مكان فريد ومثير. بمعنى: إذا شعرت أن موضوعًا يستهويك للكتابة عنه، فامنح نفسك الإذن مهما قلّ مستوى خبرتك فيه؛ فعقلك يرسل لك إشارات حول “الثغور” التي يمكنك فيها خدمة الناس حقًا.

دعنا ندع خطة سريعة:

  • ابدأ بمشاركة ما تعلمته.
  • ركّز بما يلفت انتباهك وتابع مساره، ثم ابنِ دافعًا للكتابة حوله.
  • أجرِ تجارب بناء على الملأ، وشارك النتائج.
  • في المحصلة، ستبني مجتمعًا من أشخاص يُشبهونك (لماذا ليس “جمهورًا”؟)

مفتاح كل شيء: الصبر.

لا يمكنك “محاكاة” الثقة، ولا “تسريع” الإتقان. لا يمكننا “القفز” إلى قمة الجبل مباشرةً؛ علينا تقبّل الصعود.

وأعلم تمامًا مشقّة الصعود لكثرة ما فيه من غموض. سيظل هناك صوتٌ يخبرك بأنك لستَ كفؤاً، أو أنه عليك التمسك بما تعرفه. لكن الحياة قصيرة، وبإمكانك فعل ما تشاء. ركّز على إتقان عملك ودع الطريق يتكشف أمامك.


هذا وضعي اليوم

مرّت 9 سنوات منذ أن بدأت التدوين. وأحب تعليم هذه المهارة لعِظم أثرها الإيجابي واسع النطاق. فإذا ساعدتك في إحداث تغيير ملموس بأفكارك، ستساهم أنت -بدورك- في مساعدة الكثيرين.

وكما بدأت التدوينة باعتراف، أودّ إنهائها بآخر: رغم استصعابي مشاركة الكثير من تفاصيل التدوينات الشخصية، لكنني لم أندم يومًا؛ بعدما وجدت الأخيرة الأكثر رواجًا.

ورغم قلقي لعدم وجود تخصص محدد أو خيط يربط بين أفكاري، فأنا أحاول الوثوق بالعملية. وللأمانة، بدأت أرى توجّهًا جديداً يتبلور، وأفكارًا عظيمة آخذة في الظهور.

لستُ متأكدًا إلى أين سأصل، لكنني أواصل المسير على أي حال. أتمنى أن تساعدك هذه التدوينة في رحلتك نحو اكتشاف بوصلتك الداخلية.

كيف تكتب حين تضيع بوصلتك؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

تمرير للأعلى