بعد نشري تدوينة تمييع العلامة التجارية: هكذا تفقد العلامات التجارية القوية مكانتها!، وصلني سؤال مهم، وإليك نصّه:
من المُدهش أنني قرأت قصة تُجيب (نعم) على السؤال؛ قصة تأسيس مطعم Five Guys.
تخيل الآتي: نحن في عام 1986، وقد وصلت موجة الوجبات السريعة الذي بدأها راي كروك مع ماكدونالدز منذ 25 عامًا إلى ذروتها؛ ستجد مطعم برجر في كل ركن من أركان أمريكا (ماكدونالدز – برجر كينج – وينديز .. وغيرهم).
ما احتمالية نجاح مطعم برجر جديد كمنافس في هذه الظروف؟
وليس بابتداع منتج جديد على غرار صب واي Subway أو دومينوز بيتزا Domino’s، بل بتحديّ العمالقة في ملعبهم: البرغر الأصلي!
في العام المذكور، وضع (جاري موريل Jarry Murrell) أبنائه الأربعة أمام خيارين:
- الالتحاق بالجامعة
- استخدام مصاريف الجامعة ذاتها لإطلاق مشروع تجاري
وكأي شباب متحمّس للانخراط في الحياة العملية، اختار الأربعة الخيار #2؛ تأسيس مطعم برجر. ولم يفكروا في الاسم كثيرًا. وإنما لكونهم 4 أخوة (+ إشراك والدهم معهم)، سمّوا مطعمهم: “خمسة رجال Five Guys”.
واجه مطعم Five Guys تحديين
1] البروز بين الشركات العملاقة مثل ماكدونالدز وبرجر كنج.
الآن، بحلول ذلك الوقت، كانت جميع سلاسل البرجر قد أسست منظومات لتعمل بفعاليّة، لكن عيب تلك المنظومات أنها موجّهة لتسريع الخدمة؛ أثّر ذلك -بلا أدنى- على الجودة.
واستغل مطعم Five Guys ذاك بذكاء، ففي حين ركزّت سلاسل المطاعم الشهيرة على شراء المكونات المُجمدة، أنشأ الرجال الخمسة استراتيجية بسيطة لـ Five Guys: صنع ألذ شطيرة برجر بمكونات طازجة.
اللحم/ لحم بقري مفروم طازج.
الخبز / يُشترى يوميًا من المخبز.
علاوة عن إعداد كل شيء (بعد طلب الزبون لا قبله)، على عكس سلاسل البرجر الأخرى.
وبذا، تغلب المطعم على أول تحدي.
2] تنمية علامتهم التجارية دون امتلاك ميزانية إعلانية ضخمة مثل المطاعم الضخمة إياها.
بينما احتل (ماكدونالد) و(برجر كنج) شاشات التلفزة واللوحات الإعلانية والصحف، قرر (الرجال الخمسة) عدم دفع مليّم لأي إعلانات!
أراد (موريلز) رفع جودة البرجر، بحيث تكون قناة التسويق الوحيدة هي إخبار الأشخاص لأصدقائهم (=التسويق الشفوي)
وجاءت النتيجة كما خطط موريلز، أخبر العملاء أصدقاءهم عن مطعم Five Guys. ليغدو مطعم البرجر المفضل في فيرجينيا.
إذًا، حان وقت التوسّع..
ليس تمامًا، إذ كان مطعم Five Guys حذرًا وبطيئًا في التوسع، على عكس الآخرين. تأكد أصدقائنا من إمكانية حصول كل فرع جديد على ذات المكونات وإعداد البرغر بنفس الطريقة.
ولذا، وعلى رغم نجاحهم، فقد استغرق إطلاقهم 5 أفرع جديدة.. 15 عامًا!
وفي حركة ظريفة، أهدى مات Matt (أحد الأبناء) والده كتاب “Franchising For Dummies” لوالده بُغية إقناعه بإمكانية الحفاظ على الجودة حتى مع وجود حق الامتياز. لتتحول الأفرع الخمس عام 2001 إلى + 1700 فرع حول العالم في عام 2023.
إذا كان هناك (فايف جايز) في مدينتك، فمن المحتمل أنك سمعت عنه دون أي إعلانات [لا يمتلك مطعم Five Guys أي ميزانية إعلانية حتى الآن]
الرغبة المُلحّة في التمييع!
كما هو حال كل الشركات التجارية الناشئة، تعرض الإخوة موريل لإغواء تعقيد الأمور:
- نصحهم البعض بإضافة السلطات لجذب جمهور جديد.
- قال آخرون: أضيفوا القهوة للائحتكم، وستجنون مالًا أكثر.
وقد حاولوا إضافة القهوة.
ولكن صنع القهوة ليس سهلًا؛ لذا انتهى بهم الأمر لبيع قهوة “عادية”.. حسنًا، لم تكن بذاك السوء. لكنها كانت تُهدد قناة المطعم التسويقية الوحيدة. إذ ربما يخبر الشخص أصدقائه عن القهوة (العادية ?) عوض إخبارهم عن البرجر (الرائع ?). ما قد يضر بالعلامة التجارية.
لكن العالم معقد بما فيه الكفاية!
وسط فوضى العالم الرقمي المتسارع، لم يعد البشر مستعدين لمعرفة ما تمثله العلامات التجارية، ولهذا السبب يتبنى الناس (ويشاركون) علامات تجارية بسيطة مثل مطعم Five Guys: سهل الفهم والشرح.
فكيف يمكنك تبسيط علامتك التجارية؟
قدّم أقل.. إنما الأفضل
لقد تحدثنا عن قوانين القوة من قبل؛ حين دعوتك للعشاء مع إيلون ماسك. وأظنك سمعت بأحد أهم تلك القوانين: تجلب 20% من أنشطتك 80% من الإيرادات والعكس صحيح.
رغم ذلك، تحاول معظم الشركات النمو من خلال إضافة منتجات وخدمات جديدة لا تحقق نتائج تذكر (عوض التركيز على ما يجيدونه فعلًا).
ولناخذ مثالًا مشهورًا: عندما عاد ستيف جوبز إلى آبل رئيسًا تنفيذيًا، سارع -قبل إنشاء أي شيء جديد- لقتل عشرات المنتجات التي كانت الشركة تعمل عليها، ودفع الشركة للتركيز على ما تفعله بشكل أفضل.
ما جعل مطعم Five Guys ناجحًا هو البرغر اللذيذ بمكوناته عالية الجودة. وقد عرف أصحابه ذلك وتمسّكوا به؛ لم يأت نموهم من المنتجات والخدمات الجديدة، بل من شهرتهم بمنتج محدد.
لذا اكتفي بالأقل، لكن بشرط أن تكون أفضل من أي شخص آخر في دائرة اختصاصك.
جنّب عميلك التعقيد
من اسمها، تبسّط العلامات التجارية البسيطة حياة العملاء. هل تعرف قصة Square؟
كانت الشركات الصغيرة تمر بالكثير من المتاعب لقبول الدفع ببطاقات الائتمان. وبالطبع، التعامل مع البنوك آخر ما يريده صاحب أي شركة!
لذا قامت شركة سكوير بتبسيط الأمور من خلال تحويل الهواتف إلى محطات دفع باستخدام “أُوَيْلة Gadget“. فأصبحت شركة بقيمة 40 مليار دولار!
مشكلة بسيطة = حل بسيط = علامة تجارية بسيطة.
ولا تنسى النقطة الأولى: لا يتعلق الأمر بتقديم كل شيء، وإنما أن تصبح معروفًا بشيء واحد.
لا تكن دفاعيًا
- هل مطعم Five Guys جذّاب للباحثين عن برجر رخيص وسريع؟ لا.
- ماذا عمّن يعانون حساسية الفول السوداني؟ لا.
لكنه لا يهتم، فهذا ما المطعم عليه وما يمثله.
قد يتطلب التمسّك بما تمثله الشركة بعض الشجاعة، إنما لن يواجه عملائك أو موظفوك ارتباكًا.
قد يكره البعض علامتك التجارية -وهذا طبيعي- بينما يحبّها آخرون، لكن سيعجزون عن تجاهلها.
تفتقر العديد من العلامات التجارية هذا الوضوح. ويبحثون عن المشكلة في مكان آخر.
لذا، لتتميز في سوق مزدحم، عليك أولاً أن تفهم ما تمثله. اعرف ما تتميّز فيه. واحتضنه بكل نقاط ضعفه.