المشروع الأبدي: ما هو؟ وهل يمكن أن يغيّر حياتك فعلًا؟ [1]

المشروع الأبدي

“يكتب كل كاتب -جدير بالاحترام- لإرضاء نفسه … فالكتابة بالنسبة له عملية استكشاف ذاتي لا تنتهي”

هاربر لي، مؤلفة رواية (أن تقتل عصفورًا محاكيًا)


غالبًا ما اُسأل عما إذا كان Dragons Abound متاحًا كمشروع مصدر مفتوح، أو إذا كنت أنوي تحويله إلى تطبيق، لتكون إجابتي الوحيدة “Dragons Abound هو مشروع نمو شخصي“. وستكون سلسلة التدوينات هذه التفسير الأطول لما يعنيه مشروع النمو الشخصي بالنسبة ليّ.

إذا كنت مثلي، فربما تجد أن السعي لتأمين متطلبات الحياة يستهلك معظم وقتك وطاقتك. تقضي حياتك ما بين العمل والتنقل وشراء مستلزمات البيت، وغيرها من مهام مطلوبة للبقاء حيًا في عالمنا الحديث. إنما يصعب أن تعيش حياة سعيدة وواعدة إذا كان كل ما تفعله هو الواجبات الحياتية. يجب عليك اقتناص فرص للاستثمار في نفسك أيضًا.
إحدى الطرق لفعل ذلك هي ممارسات حياتية أعتبرها “مشاريع أبدية”. كانت هذه الفكرة جزءًا من حياتي لبضعة عقود، وتطورت نظرتي وفهمي لها على مر السنين، لذلك وددت أن اكتب قليلاً حول فكرتي عن (المشاريع الأبدية) وكيف أظنها أفادتني (وربما ستفيدك أنت أيضًا).

كما أشرت أعلاه، يهدف المشروع الأبدي لإتاحة الفرصة أمامك لتنمو بطرق لا توفرها لك حياتك “العادية”. ومهما كان ما تفعله كعمل يومي، فأنت تستثمر بالفعل جزءًا كبيرًا من حياتك في تطوير واستخدام مهاراته وزيادة اهتمامك به. وربما تحصل على مقابل يُعادل مجهودك. بالمقابل، إذا خصصت بضع ساعات في شيء جديد بالنسبة لك، من المحتمل أن تحقق نموًا كبيرًا. لذلك أول أركان المشروع الأبدي: التركيز على مجال جديد لم تستثمر فيه وقتك وطاقتك من قبل.

بالطبع، أنت تقرر ما يعنيه ذلك. ربما كنت -أثناء اليوم- تبرمج روتين حركة الوحوش في لعبة تصويب من منظور الشخص الأول، لتعود إلى منزلك مساءً وتطور شخصيات للعبة بستنة بمعمارية 8 بت! بالنسبة للبعض، قد يكون ذلك مكررًا وخانقًا. ولكن ربما كان يوفر لك فرصًا كبيرة للنمو. المقصد هنا أن على المشروع الأبدي أن يأخذك في اتجاه جديد. ابحث عن طريقة جديدة للاستثمار في نفسك.

ثانيًا، المشروع الأبدي هو مشروع يمكنك -تمامًا كما يوحي اسمه- أن تعمل عليه إلى الأبد. هو موضوع غير محصور بمدة، وباستطاعتك استكشافه لفترة طويلة دون نفاد تحدياته.

الآن، لست أول من ابتدع الفكرة، وإذا كنت مهتمًا بالنمو الشخصي، فثمّة قيمة واضحة في اختيار موضوع يمكنك دراسته لفترة طويلة. لكن تركيزي لا ينصب على امتلاك موضوع لا نهائي لاستكشافه، وإنما على بعض الآثار الأعمق لما يعنيه العمل على شيء “إلى الأبد”.

تعود جذور الكثير من كيفية تفكيرنا في حياتنا إلى الاقتصاد. عندما تتخذ قرارًا على غرار “هل عليّ الذهاب لمشاهدة فيلم الليلة؟” فالأرجح أن يشكّل المنطق الاقتصادي أفكارك:

“كم سيكلف ذلك؟”
“هل يستحق الفيلم كل هذا العناء؟”
“هل هناك شيء آخر أفضل لإنفق مالي عليه؟”
“كم تبعد السينما؟”
“هل عليّ طلاء غرفة المعيشة بدلاً من الذهاب؟”.

تهدف كل هذه الأسئلة لتحقيق استفادة من كيفية إنفاق مواردك. يساعدنا هذا النوع من التفكير في استخدام وقتنا ومواردنا بطرق مثمرة.

كيف يتغلب المشروع الأبدي على المنطق الاقتصادي؟

لكن المثير للاهتمام حيال المنطق الاقتصادي أنه ينهار تمامًا بالنسبة لشخص لديه عمر لانهائي. شخص كهذا، سيمتلك قدرًا لا نهائيًا من المال، لذلك لن يهتم حقًا بثمن تذكرة الفيلم. ولو كنت شخصًا كهذا، فلن يتعين عليك الاختيار بين مشاهدة الفيلم وطلاء غرفة المعيشة، فمع العمر اللانهائي ستتمكن من القيام بالأمرين معًا. في الواقع، أي تفكير على غرار “أنا أضيع وقتي” لا معنى له إذا كنت شخصأ خالدًا، يمكنك أن تبدد قدرًا غير محدود من الوقت ويتبقى لديك -مع ذلك- قدر غير محدود من الوقت!

بالطبع، لا تمتلك “الأبدية” للعمل في أي مشروع. ولكن يمكنك التصرف كما لو كان ذلك صحيحًا، ولهذا بعض النتائج المثيرة للاهتمام.

بادئ ذي بدء، يُلغي التفكير بهذه الطريقة كل الضغط من أجل “إنجاز شيء ما.” مع وجود قدر غير محدود من الوقت بين يديك، ستتمكن من إيقاف الوسواس داخل رأسك الذي يشكك قراراتك باستمرار مستخدمًا المنطق الاقتصادي لمساعدتك على تحقيق أقصى استفادة من كل خيار في حياتك.

إذا كنت تعمل على مشروع اعتيادي -كصنع كرسي هزاز- وتشتت تركيزك بقضاء ساعات في القراءة حول كيفية نمو الأشجار وبيولوجيا النباتات الخشبية، فسينتهي بك المطاف تفكر فيه كوقت ضائع (الوقت الذي لم يجعلك تقترب من هدفك في صنع كرسي هزاز). ولكن إذا كنت تتعلم النجارة كمشروع أبدي، فستصبح قراءاتك حول كيفية نمو الأشجار أمرًا جيدًا، بل حتى لو ابتعدت عن المشروع تمامًا وسعيت للحصول على الدكتوراه في بيولوجيا النبات، فلا بأس بذلك. يمكنك دائمًا العودة إلى النجارة بعد بضعة آلاف من السنين من الآن. عندما تتخلص من الحكم على ما إذا كان السعي خلف أمرٍ ما “يستحق الوقت” المبذول فيه، فستتحرر وتصبح أقرب لصوتك الداخلي الذي يُخبرك بما يهمك أكثر.

هذا الموقف –الاستماع إلى صوتك الداخلي بعيدًا عن قيود الاقتصاد المحدود– هو عامل تمكين قوي للنمو الشخصي. ستجد أن قضاء وقتك في مجالات مثيرة للاهتمام ومهمة بالنسبة لك، يمنحك شيئًا لتتعلمه وتكون متحمسًا لفعله، إنه -بالضبط- المكان الذي يُرجّح أن تحقق فيه بعض النمو الشخصي.

أمضيت خلال العام الماضي ستة أشهر في العمل على حدود الخريطة، وتلقيت بعض التعليقات الاستفهامية حول قضاء وقتًا طويلًا في هذا الموضوع. هذا رد فعل مفهوم تمامًا من شخص ينظر إلى ما أفعله من خلال عدسة الوقت المحدود، ويتساءل لماذا سأبذل الكثير من الجهد في جانب ثانوي من إنشاء الخريطة. لكنني لا أبني “تطبيق خرائط”؛ وإنما مشروعًا أبديًا يدور حول التوليد الإجرائي وفنون الحاسوب والعديد من الأمور الأخرى.

لطالما كنت مهتمًا بالعُقد الكلتية (مجموعة متنوعة من التمثيلات الرسومية المنمقة المُستخدمة في زخرفة الكتب والمخطوطات)، لذا قضيت بضعة أشهر أتعلم كيفية رسمها ومن ثمَ تنفيذها في Dragons Abound. لقد تعلمت شيئًا جديدًا (بالنسبة لي)، وهذا الجزء اليسير من النمو الشخصي هو المكافأة، بغض النظر عما إذا كنت “سأُنهي” Dragons Abound أم لا.

سأذكر فائدة أخرى للمشروع الأبدي قبل أن أتوسع في كيفية ممارستي له.

مهما كان ما تفعله لكسب لقمة العيش؛ إصلاح السيارات، أو تعليم الباليه، أو تصميم أنظمة أرضية للأقمار الصناعية (مهنتي شخصيًا)، فمن الأرجح أنك بذلت مجهودًا (ربما يكون كبيرًا للغاية) لتكون جيدًا في ما تفعله. هذا نتيجة لاقتصاد السوق: يدفع الناس أكثر مقابل الخبرة النادرة.

ربما سبق ورأيت منحنى العرض والطلب الكلاسيكي:

عندما يكون هناك طلب مرتفع وعرض منخفض، يكون السعر مرتفعًا. كلما زادت مهارتك، قلّ عدد الذين يتمتعون بنفس كفاءتك في هذه المهارة، وبالتالي ترتفع قيمتها. يتقاضى أفضل لاعبي الوسط في دوري كرة القدم الأميركية أجورًا أعلى من لاعبي الوسط متوسطيّ الأداء​​، ويتقاضى أفضل معلمي الباليه أجورًا أعلى من معلمي الباليه المتوسطين.. إلخ. لذلك ينتهي الأمر بمعظم الناس ببذل جهودهم في أن يكونوا جيدين جدًا في شيء ما -العزف على الكمان، والبرمجة، وما إلى ذلك- ليتمكنوا من كسب عيشهم. لكن التركيز الدؤوب على بناء مهارة محددة (بالنسبة لمعظمنا) ليس أفضل طريقة لعيش حياة سعيدة. في الواقع، العديد من الأشخاص الذين يفعلون ذلك ينهارون في نهاية الأمر، ليُصابوا بما نسميه (خطئًا) “أزمة منتصف العمر”.

طريق العودة لإنسان عصر النهضة

نتفاخر أحيانًا بـ “إنسان عصر النهضة” متعدد المواهب والذي يجيد العديد من الأنشطة المختلفة. ولكن لماذا كان هناك (على ما يبدو) العديد من الموسيقيين في عصر النهضة وقليل منهم الآن؟ جزء من الإجابة بالتأكيد هو أن عُلية القوم ورجال الحاشية -آنذاك- واجهوا ضغوطًا اقتصادية أقل للتخصص وكانوا أكثر حرية في القيام بما يرضيهم بصورة طبيعية ويسهم في نموهم الشخصي (للدراسة وممارسة المهارات في العديد من المجالات المختلفة). وأعتقد أن العديد من الأشخاص -في عصرنا الحالي- سيحذون حذوهم إذا أتيحت لهم الفرصة (باستنثاء الأغنياء الكسولين).
على العموم، لا يمكننا بسهولة تغيير أسس المجتمع اليوم كاملةً (رغم أنه ينبغي لنا ذلك)، ولكن يمكننا بالتأكيد التعرف على حدوده ومحاولة تنويع اهتماماتنا -عمدًا- خارج نطاق حياتنا العملية الرتيبة.

سيشجعك المشروع الأبدي الجيد في التعرّف على مجموعة متنوعة من الموضوعات. سيكون العديد منها -بلا شكّ- جديدًا عليك، لذلك ستجد أنه من السهل معرفة شيء عنها. قضيت شهرين على العقد الكلتية وخرجت بفهم أفضل لتاريخها، والنظرية الكامنة وراء رسمها، وبعض الأفكار حول كيفية تنفيذ خوارزمية لرسمها. متأكد أن أياً من ذلك لن يزيد دخلي. ولكن ما فعلته هو زيادة اتساع معرفتي الشخصية ومهاراتي واهتماماتي. وإن فعلت ذات الشيء، فربما يجعلك ذلك شخصًا أكثر سعادة ورضا. أو حتى رجل/امرأة عصر النهضة ??

الآن اسمحوا لي أن أتحدث قليلاً عن الجوانب العملية لإيجاد مشروع أبدي والعمل عليه.. أم تفضلون تأجيل المتعة للتدوينة القادمة؟

اقرأ أيضًا: كيف أُخطط لجعل 2021 عامًا مختلفًا؟

المشروع الأبدي: ما هو؟ وهل يمكن أن يغيّر حياتك فعلًا؟ [1]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تمرير للأعلى