ماذا يعني أن تكون منتجًا؟
قد تبدو إجابة السؤال واضحة، لو كنت تعمل في أحد خطوط المصنع؛ يمكن قياس الإنتاجية في المنتجات المصنّعة. كلما زادت المُخرجات، زادت إنتاجيتك.
ولكن… ماذا لو لم تكن هذه المنتجات بالمستوى المطلوب، وأنتجت 100 قطعة في نوبة عمل إنما 80% منها غير قابلة للبيع؟ أو ماذا لو ضغطّت نفسك لإنتاج 200 قطعة ضمن المناوبة، يومًا بعد يوم، ثم أصبحت منهكًا حدّ حاجتك لراحة مدة ثلاثة أسابيع؟ وبفرض لم تُنتج أي قطعة في أحد الأيام؛ لأنك انشغلت بصنع آلة تنتج 500 قطعة، فهل تُعتبر كسولًا أم عاملًا بارعًا؟
الإنتاجية: ما هكذا تورد الإبل!
يصبح قياس الإنتاجية معقدًا حتى في أبسط السيناريوهات.
تغدو الإنتاجية، في الوظائف الإبداعية، شبكة نكافح من أجل فك تشابكها!
إذ نعلم، على سبيل المثال، أن بعض أفضل الأفكار وأكثرها إبداعًا تأتي عندما لا نفعل شيئًا، أو ننخرط في نشاط لا علاقة له بالعمل على الإطلاق (لن يصعب عليك تخيّل شعبية مجتمع أفكار الاستحمام على ريدت Reddit).
ولكن نادرًا ما تراعي أي بيئة عمل التسكع في الحديقة أو الاستمتاع بوقت “مثمر” للاستحمام؛ أو تسمح بذلك أثناء ساعات العمل.
ونعلم أيضًا أن الاجتماعات بطبيعتها “غير منتجة“، لأننا نعجز خلالها عن الانكباب على مكاتبنا. لكن تصرّ الإدارات على الاجتماعات، لأنها تعتبرها ضرورية؛ ربما ستمكننا من أن نكون أكثر إنتاجية؟ وذاك نادرًا ما يحدث.
الجودة والكمية يشكلان الإنتاجية، ولكن كيف نقيس هذا المزيج؟
في حين يمكن رصد الكمية وقياسها، فإن الجودة غامضة. سيدّعي الرؤساء في بيئات العمل الإبداعية اهتمامهم بالجودة، ثم يصرّحون -في نفس الوقت- معرفتهم بإحدى بديهيات الإنتاجية: البشر “أكثر إنتاجية في المكتب“.
كيف يعرفون ذلك؟ هل يبنون هذا الاعتقاد على بيانات لا وجود لها (إذ كيف تقيس جودة عمل شخص ما؟!) أم على بيانات شيء -الكمية- يدّعون أنهم لا يلقون له بالًا (لأن رصدها أسهل بكثير)؟
في ظل الوباء، شاعت مراقبة الموظفين، لكنها ركزت -في المقام الأول- على حركات الماوس وضربات لوحة المفاتيح! لكننا نعلم أن أيًا من هذه الأشياء لا يعد مقياسًا للإنتاجية أو العمل المُتقن. من المؤكد أن كتابة مجموعة كبيرة من رسائل البريد الإلكتروني غير الضرورية مضيعة للوقت، ولكنها -من منظور إنتاجية الكمّ- منتجة للغاية.
لا يحتاج الفيديو الآتي لتعليق..
بات البعض يستخدمون “هزّازة فأرة” ثم يأخذون قيلولة!
كيف يمكنك فعليًا تتبع الإنتاجية عندما تكون هناك حلول بديلة؟ كيف يمكنك فعليًا تتبع الإنتاجية عندما لا نتمكن من الاتفاق على الشكل الذي تبدو عليه الإنتاجية؛ ساعات العمل التي تقضيها؟ .. مقدار كدحك في العمل؟ .. عدد المهام المحددة؟
عندما نبدأ في إحداث ثغرات في الطريقة التي ننظر بها إلى الإنتاجية ونحدّدها ونقيمها، ينهار الأمر برمته. ولذا يؤلمني سماع المدراء -على اختلاف مستواهم في الهرم الوظيفي- يتحدثون عن الإنتاجية.
يقولون أننا نحتاج جميعًا للعودة إلى المكتب (لأننا أكثر إنتاجية هناك).
نطلب من أحدهم العودة إلى مكتبه، ذو الكرسي المفتقد لمسند ذراع ومع حاسب محمول أحضره من المنزل! لكن كيف سنعرف -بحق الله- أننا أكثر إنتاجية هناك؟
من المؤكد أن أرباب العمل لم يكونوا ليُطالبوا بهذا دون أي دليل يدعم فكرتهم، أليس كذلك؟ للأسف، غير صحيح.. إذ تجدهم يتطلعون إلى الأدلة التي تؤكد تحيزهم، في حين أن الحقيقة تقول أن الأدلة المتوافرة عديمة القيمة (طالما كنّا نجهل ما نبحث عنه!).
يختلف شكل العمل الجيد بحسب الظروف.. وذاك “مُحبِط”
محبط لأنه يستحيل وضع أي نوع من القواعد الشاملة التي من شأنها زيادة إنجازات الجميع بطريقة سحرية. إن مدى براعتنا في العمل يعتمد على عوامل كثيرة؛ مزاج الشخص في ذلك اليوم، وعدد ساعات نومه في تلك الليلة، واهتمامات الشركة في ذلك الأسبوع (ستتغير الأولوية مرة أخرى يوم السبت المقبل!)، والمسمى الوظيفي للشخص (يكون الرئيس التنفيذي البعيد عن “سلاك Slack” طوال اليوم مشغولًا ومنتجًا للغاية، في حين أن ذاك لا ينطبق على موظف عادي في ذات الموقف؛ سيُتهم بالتراخي!)، .. إلخ.
القواعد الشاملة سهلة وجذابة. على عكس أي نوع من النهج المصمم؛ أقل جاذبية لرؤساء العمل.
بالنسبة لكل محاولة لزيادة الإنتاجية، قد يكون من المفيد التساؤل عما يعنيه ذلك بالنسبة للشخص الذي يسأل.
اليوم، الإنتاجية لا تعني شيئًا
ولو أردت، قد تعني كل شيء.
دوّن كلمة “الاسترخاء” في قائمة مهامك، ومن خلال وضع علامة بجانبها في تلك القائمة، يصبح الاسترخاء منتجًا. على الرغم من أنها -في الواقع- مُنتجة بالفعل لأن الاسترخاء والراحة قد يجعلك أفضل في العمل غدًا. ومع ذلك، عندما تغوص بشكل أعمق في الأريكة وتتصفح المزيد من المحتوى عبر الإنترنت، ستشعر بالذنب لأنك لم تكن منتجًا “بما فيه الكفاية”.
كُن حذرًا
رغم أن كل ما تفعله يكون منتجًا إلى حد ما، إلا أنك لن تكون منتجًا بدرجة كافية أبدًا.
فعلاً العالم لا يفهم اﻹنتاجية بطريقة صحيحة، علينا إعادة تعريفها بعد هذه التدوينة، لكن كل شخص عليه أن يعرف لنفسه كيف تكون طريقته الصحيحة لقياس إنتاجيته ولزيادتها، لكن هل سوف تتناسب مع وظيفته هل سوف يتم تقبلها!
هذا ما أرمي إليه بالضبط؛ يتوجب على كلٍ منّا تعريف معنى إنتاجيته وفق ظروف حياته الشخصية.
وإن لم تتقبل بيئة العمل ذلك.. فالعمل الحرّ في انتظار الجميع 😉
شكرًا لك أستاذي
تدوينة شجاعة أستاذ طارق.
الطريقة التي عرضت بها مشكلة الإنتاجية كشفت بصراحة كل التساؤلات التي نضمرها حول الموضوع.. وأجد أني أصبحت أجرأ في إعادة تعريف الإنتاجية لمن حولي 🙂
أعجبني وصفك للتدوينة بالشجاعة 🦾، وسعادتي بالغة بأنها أثّرت عليكِ بهذا الشكل 👏
شكرًا جُمانة