هل أنت مختلف فعلًا؟ 😏

قبل بضعة أشهر، شاهدتُ فيلم “يخت روك Yacht Rock” الوثائقي. ورغم عمق معرفتي بفرقة Steely Dan جيدًا من خلال أغانيها الرائعة مثل Peg وHey Nineteen، لكن لم أتخيّل أن الفرقة ابتكرت صناعة موسيقية كاملة (والمستمرة حتى اليوم).

عندما أسس (والتر بيكر Walter Becker) و(دونالد فاجن Donald Fagen) فرقتهما -ستيلي دان- في أوائل سبعينيات القرن الماضي، سار مجال الموسيقى وفق نموذج بسيط:

  • تقديم جولات موسيقية دون توقف.
  • مطاردة الشهرة عبر الراديو.
  • التوائم مع الصوت الشعبي.

عوض ذلك، ركزا على كمالية العزف في الاستوديو، فيُعيدان التسجيل -بهوس- ليُصبح كل مقطع كما يريدانه بالضبط. ودمجت الفرقة موسيقى الجاز والروك والكلمات الذكية بطريقة غير مسبوقة.

نادرًا ما أقامت الفرقة جولاتٍ موسيقية، ولم تسعى خلف قوائم “أفضل 40 أغنية” الإذاعية. بل صنعت تسجيلاتها على طريقتها:

  • ببطء.
  • بأناة.
  • ببراعة.

في البداية، حار الكثيرون في أمرها. ولكن بفضل تمسّكها بتوجهها (ما يجعلها مختلفة)، حازت (ستيلي دان) قاعدة جماهيرية مخلصة تحترم منظورها وعمقها وإبداعها.

أصبحت (ستيلي دان) إحدى أكثر الفرق الموسيقية تأثيرًا في القرن العشرين، لا لكونها “شهيرة” بالمعنى التقليدي، ولكن لأنها اندرجت تحت تصنيف/فئة لم يمسسها أحد قبلها.


حتى وقتٍ قريب، كوفئ البشر على “اندماجهم” في الجماعة ومجاراتهم لها. ولحسن الحظ، لم يعد الأمر كذلك. فمن الآن فصاعدًا، البقاء للمختلِف.

ودعني أذكّرك هنا: لا تحتاج إلى خطة مرسمومة، بل إلى اتجاه قويّ للبدء:

وإذا كنتَ تتّبع خطى الآخرين وأفكارهم، فأنت تطمس -بيدك- ما يجعلك مختلفًا حقًا.

هل أنت مختلف فعلًا؟

تتبعت خلال الأسابيع القليلة الماضية مسيرة أنجح الأشخاص في العالم، من جون د. روكفلر مرورًا ببيل جيتس وليس انتهاءً بسيرينا ويليامز. فوجدتهم -جميعًا- كرّسوا حياتهم لشيء واحد، ولم يضعوا خطة بديلة (في حال ساءت الأمور)؛ وهكذا أصبحوا خبراء في مجال فكرة أو حِرفة غيّرت العالم.

لكن هذا يضعنا امام مشكلة: بغض النظر عن الداء والدواء في علم التركيز والانتباه، إنما لا توجد قاعدةٌ واحدةٌ للتركيز. بدليل أننا نعرف أشخاصًا أتقنوا مهاراتٍ مختلفةً وحققوا النجاح.

على سبيل المثال، نجد ليوناردو دافنشي، والذي غالبًا ما وُصف بالموسوعي. لم يكن رسامًا فحسب (للوحاتٍ شهيرة مثل الموناليزا والعشاء الأخير)، بل كان أيضًا مخترعًا وعالم تشريح ومهندسًا ونحاتًا ومعماريًا وموسيقيًا وعالم نبات. كان فضوليًا للغاية وعمل في تخصصات متعددة، مما أبطأه أحيانًا ولكن فضوله قاده -أيضًا- إلى ابتكارات سبقت عصره بقرون.

في العصر الحديث، يُعدّ تيم فيريس Tim Ferriss مثالاً رائعاً.
إذ ألّف كتاباً من أكثر الكتب مبيعاً (أربع ساعات عمل في الأسبوع)، ويُدير أحد أشهر برامج البودكاست في العالم، وهو مستثمر ملائكي في (أوبر، شوبيفاي، دولينجو)، ويُجري تجارب في اللياقة البدنية، واللغات، واستراتيجية الشركات الناشئة، وغيرها. ينبع نجاحه من فضوله الشديد، وسرعة تعلمه، ثم تعليمه للآخرين ما يتعلمه.

ومع ذلك، ثمّة قاسم مشترك بين دافنشي وفيريس: فبينما يستكشفان مجالاتٍ عدة، يركزان بعمق على مجال محدد كل مرة حتى يتقنانه، ثم يحولان الإتقان إلى تأثير.


لا يفشل معظمنا بسبب الكسل، بل لأننا نُشتت طاقاتنا في ألف اتجاه. فتجدنا نُراكِم:

كل هذا يأخذ من وقتنا وصفاء أذهاننا بل وحتى قوة إرادتنا.


مشكلة محاولتنا بذل مجهود أكبر دائمًا

يقع المبدعون -وخاصة رواد أعمال المحتوى- في فخ.

إذ نعتقد:

  • منصات أكثر = نمو أكبر.
  • سيل الأفكار = تأثير أشدّ.
  • عروض وخدمات أوسع = 💲💲💲

ما يحدث فعليًا:

لنكن واقعيين: كلما “ضيّقت” تركيزك، زاد تأثيرك. علينا التعمق في كل موضوع على حدة.

إليك ما تقول البيانات.


القاعدة الذهبية

في كل مرة تظهر فرصة جديدة (وستظهر قطعًا)، مررها عبر المرشّح الآتي:

  • هل تبني جمهورك؟ وهل تبني أصولك الرقمية؟
    الجمهور = ثقة. الأصول = تأثير. كل شيء آخر مجرد تشويش.
  • هل تخدم مهمتك على المدى الطويل؟
    إذا لم تعمّق المهمة موثوقيتك، فإنها تصرف انتباهك عنها. وبالمناسبة، أنت تعرف معنى الموثوقية Authority، أليس كذلك؟
  • هل يمكنني الاستمرار عليها لمدة 6-12 شهرًا؟
    إذا شعرت أنك عاجز عن الالتزام بها، فذاك يعني أنها مجرد هواية أو ربما إحدى المُشتتات!

إذا لم تكن كذلك، فأرفضها دون تردد.

نصيحة إضافية: راجع مشاريعك مرة شهريًا باستخدام المُرشّح أعلاه؛ فمعظم إنجازاتك الرائعة ستأتي من التقليص، لا الإضافة.

هل أنت مختلف فعلًا؟ 😏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

تمرير للأعلى