اعمل بذكاء وليس بجهد: لكن كيف؟!

عندما تشعر أنك لا تنجز كفاية، فغالبًا ما ستلجأ إلى الحل التقليدي: العمل بجدّ أكبر. ومع ذلك، ربما تكون قد سمعت المقولة الشائعة “اعمل بذكاء وليس بجهد” والتي تبدو محمّسة ورائعة، ولكن كيف يمكنك “فعلاً” العمل بذكاء عوضًا عن العمل بجهد؟

قبل أن أُجيبك، دعنا نناقش ذاك الحل التقليدي.

لماذا بذل جهد أكبر ليس حلًا

ما يدفع معظمنا للعمل بجدّ هو أنه أكثر أشكال الإنتاجية وضوحًا، خاصةً في ظل صعوبة ربط المساهمة/الوقت الذي تقضيه في العمل ? النتيجة/تسليم المشروع:

• هل كانت الساعات الثلاث التي أمضيتها في كتابة هذا التقرير هذا الصباح مثمرة؟ أم كانت مجرد تشتت وحبذّا لو قضيتها في فعل شيء آخر؟
• هل قراءة هذا الكتاب ستساعدني على تعلم مهارة جديدة أم أنها مجرد مضيعة للوقت؟

يصعب معرفة ذلك معظم الأحيان، خاصة إذا كنت جزءًا من فريق كبير؛ سيصعب على مديرك آنذاك معرفة أيّكم يحقق النتائج ومَن (الزائد عن الحاجة).

إن أردنا الدقة، فغالبًا ما يكون العمل لساعات أكثر مجرد وسيلة لتثبت للآخرين -لا لنفسك- أنك “تنجز المطلوب”. إذ تخشى أن يظنّك الناس كسولًا، وإذا كنت مثلي، فأنت -أصلًا- غير مؤمن بمدى أهمية عملك!

تطبيق فرضية (الاستجابة للجرعة ? Dose-Response) على العمل بكدّ

يعرف الأطباء -عند وصف بعض الأدوية?- أن للاستجابة للجرعة منحنى: لن تحقق الفائدة الكاملة إن كانت الجرعة قليلة جدًا، في حين تضرّ الجرعة الزائدة بالمريض?.

إذا كنت تعاني من فقر الدم بسبب نقص الحديد، فإن تناول القدر المناسب من مكملات الحديد "Iron supplement" سيفيدك، ولكن تناول الكثير منه قد يكون سامًا!

وينطبق ذاك الشيء على أمور شتى. فممارستك التمارين الرياضية لبضع ساعات أسبوعيًا مفيدٌ للغاية. لكن ماذا لو امتدّت ساعات تمرينك لتغدو 60 ساعة أسبوعيًا؟ ذاك سيدمّر جسدك على المدى الطويل؛ إنه -ببساطة- جرعة مبالغ بها.

وليس ثمّة اختلاف حين نتحدث عن العمل الجادّ. فلتكون منتجًا، أنت بحاجة إلى بعض العمل الشاق (تمامًا كما تحتاج لبعض التمارين لتبقى بصحة جيدة)، ولكن “ما زاد عن حدّه انقلب لضِده”.

تبدو العلاقة بين (كمّ العمل) و(إنتاجيتك الفعلية) خلال أسبوع العمل العادي كما يلي:

نظرًا لأن الوصول إلى ذروة إنتاجيتك يستغرق بعض الوقت، فعادةً ما لا تحصد أي نتائج خلال الساعات القليلة الأولى من أسبوع العمل؛ تجلس أمام حاسوبك، وتململ قليلًا، ثم تتفقد البريد الإلكتروني (لكن لا ترد على أي رسالة!). ولكن بعدها، تدخل حالة التدفق Flow، وتنطلق قواك الذهنية بكل طاقتها، لتبدأ الإنجاز حقًا.

بمجرد تجاوزك عدد ساعات معينًا في الأسبوع (حسب خبرتي، تبلغ ذروة الإنتاجية حوالي 10-30 ساعة أسبوعيًا أو ما يقرب من 2-6 ساعات يوميًا حسب الشخص والظروف)، تبدأ إنتاجيتك في الانخفاض.

هذا ما يؤكده بحث أجراه عالم النفس (أنديرس إريكسون Anders Ericsson)، والذي اشتهر تحت عنوان (قاعدة 10000 ساعة) ضمن كتاب [المتميزون قصة النجاح- مالكولم جلادويل].

بدراسة ذوي الأداء المتميّز في مختلف المجالات (الموسيقى والرسم والكتابة وريادة الأعمال والرياضيات والهندسة) وعبر الحقبة الممتدة من 1500م إلى يومنا هذا، لوحظ ألّا أحد دأب على تقديم نتاج رفيع المستوى، أكثر من 20 ساعة أسبوعيًا، وعلى مدار أشهر.
في الواقع، معظمهم قدمّوا لأقل من ذلك بكثير.

• لم يعمل (تشارلز داروين Charles Darwin) لأكثر من ثلاث ساعات كل صباح.
• بحسب كتاب [طقوس فنية، كيف يعمل المبدعون؟] اعتاد (تشايكوفسكي Tchaikovsky) تأليف الموسيقى لساعتين (من 10 صباحًا حتى الظهيرة) مع جلسة عمل “عرَضية” بعدها (فقط إن شعر بالنشاط).

ورغم كونهما من أعظم المساهمين في تاريخ مجالات تخصصهم، لم يكن العمل لعدد ساعات مهول سرّ نجاحاهم. فبعد ساعتين إلى أربع ساعات في اليوم (10 إلى 20 ساعة أسبوعيًا)، لم يعودوا قادرين على أداء أي عمل إبداعي رفيع المستوى وإنما امتلكوا الطاقة لإنجاز مهام اعتيادية؛ داروين، على سبيل المثال، أمضى فترة ما بعد الظهيرة في القراءة وكتابة الرسائل وإنهاء المسائل العالقة.

في مرحلة ما، رغم ذلك، ستبدأ إنتاجيتك في التحوّل للسلبيّة. لقد تعلمت ذلك عند تأليف كتابي الأول، حيث أضغط على نفسي لأمضي قدمًا. لقد وجدت أنه بعد نقطة معينة، عادة ما تعقب ساعتي كتابة خلال اليوم، لا تبدأ كلماتي تسوء فحسب، بل كانت تدفعني لكره الكتابة. 

☢️
لم يكن العمل (ساعة إضافية) مجرد إطالة لساعات عمل ذلك اليوم، وإنما زيادةً لساعات عمل اليوم التالي إذ اُضطر لمراجعة ما كتبته ومحو جميع (الهراء) الذي تسببت به محاولتي “العمل بجد?“

1. رتّب المهام حسب مستوى طاقتك ?

إحدى طرائق العمل بذكاء وليس بجهد أكبر هي التخطيط لأيامك وأسابيعك مع مراعاة إيقاعك الطبيعي “Natural rhythm”. إذا كنت شخصًا صباحيًا، فلا تترك أهم عمل لوقت الظهيرة، وإذا كنت كائنًا ليليًا، فلا تلومنّ نفسك إن نمت حتى وقت متأخر ثم قضيت الليل لإنجاز عملك.

[لماذا تبدو صباحات الآخرين أكثر إنتاجية من صباحاتك؟]

شخصيًا، قسّمت قوائم مهامي إلى ثلاثة أقسام وصنّفتها بحسب مستويات الطاقة:

1. طاقة عالية  - خصصتها لمهام “مبتكر القيمة” التي تتطلب أعلى مستويات الطاقة الإبداعية لدي (الصباح بالنسبة لي)
2. طاقة متوسطة  - للمهام “الإدارية” حيث أعمل على جدولة الاجتماعات، والرد على البريد الإلكتروني والنشاطات التي تتطلب تفاعلًا مع الآخرين.
3. طاقة منخفضة  - للمهام “الروتينية” مثل دفع الفواتير ومراجعة التقارير.

عادةً ما أخصص -كل أسبوع- حوالي 10-15 ساعة لمهام مبتكر القيمة، ومثلها للمهام الإدارية، وثالثة للمهام الروتينية.

وبهذا، تجنّبت نطاق الإنتاجية السلبية. تشير الأبحاث الأولية من جامعة ستانفورد إلى أن (النقطة) التي تدخل بعدها نطاق الإنتاجية السلبية تتراوح ما بين 30-50 ساعة (اعتمادًا على تركيبك الجيني وظروفك الخارجية).

2. تعلّم مهارات جديدة ??‍? 

تطوير مهارات جديدة هي طريقة أخرى للعمل بذكاء أكبر؛ تتيح لك إنجاز المزيد في وقت أقل .

تتيح لك قراءة تجارب الآخرين التعلم من أخطائهم أسرع وبتكلفة أقل من خوضك التجربة بنفسك. وفي حين تطلّب كيفية التسويق بكفاءة أكثر من مائة عام من عمر البشرية، يمكنك قضاء شهر في قراءة أفضل 6 كتب في المجال وتعلم 80% من أسراره.

قابلت الكثيرين ممن يمتلكون “5 سنوات خبرة في التسويق” ولا يمكنهم تطبيق استراتيجية تسويقية بكفاءة شخص عمل في التسويق لمدة 6 أشهر ولكنه مُطلّع على أهم الكتب في المجال.

لكن انتبه! فقراءة الكتب غير كافية. تمنحك قراءة الكتب معرفة ظاهرية Explicit Knowledge، في حين أنك تحتاج معرفة ضمنية Tacit knowledge حتى تتمكن من العمل بذكاء.

في حين بمقدورك قراءة كتب حول (العزف على الجيتار) للحصول على معرفة ظاهرية، فلن تتعلم أبدًا كيف تكون عازف جيتار حقيقي حتى تطور معرفة ضمنية عبر الإمساك بالآلة والعزف عليها فعليًا .

يمكنك من خلال الجمع بين الاثنين -قراءة الكتب ودراسة مجالك وممارسته فعليًا- اكتساب نوع المعرفة الضمنية المطلوبة التي ستجعلك أكثر كفاءة بحيث تُنجِز المزيد في وقت أقل.

يعد قضاء 10 دقائق فقط يوميًا في قراءة كتاب ثم تطبيق ما تتعلمه في العمل طريقة فعالة حقًا للعمل بشكل أكثر ذكاءً.

3. استخدم حيل الإنتاجية الشائعة ?

تتمثل الطريقة الثالثة لتغدو أكثر كفاءة في استخدام “حيل الإنتاجية Productivity hacks”، وإليك بعضها والتي وجدتها مفيدة للغاية:

• ابحث عن (رفيق مساءلة Accountability Buddy) – استخدم أدوات مثل Supporti (سجّل عبر رابط الإحالة ? لتحصل على تجربة مجانية مدة 3 أسابيع) أو استعن بصديق لمساعدتك على الالتزام (حتى لا تماطل).
• ابنِ طقوسًا صباحية لتوحيد أول 30-60 دقيقة من يومك. ولا تنسى تضمين التأمل.
• استخدم تقنية بومودورو لتجزئة عملك إلى كُتل. يعلم الجميع قدرتها على تخفيف تأثير المُشتتات -الداخلية والخارجية- على التركيز.
• في نهاية اليوم/الأسبوع، ضع قائمة بمهامك الأقل قيمة وانظر فيما إن كانت “مربحة”. إن لم تكن كذلك، فاستغنِ عنها. أما إن كانت تحقق لك مكاسب، فهل يمكنك تفويضها؟
• حدد قائمة تسرد فيها جميع ما يضيع وقتك. (على سبيل المثال، الرد على رسائل البريد الإلكتروني التي تجب أرشفتها – الاجتماعات التي بلا هدف وجدول أعمال محددان بوضوح).
• استعن بمنصات الخدمات المصغرة مثل كفيل لتفويض المهام التي يمكن للمستقلين أداءها بأقل من أجر ساعتك.

? ما أفضل طريقة تسعير لخدماتي كمستقل؟

• اقرأ وطبّق نظام إدارة المهام الوارد في كتاب [كيف تنجز جميع المهام: فن الانتاجية دون ضغوط – ديفيد آلان]
• جمّع المهام المتشابهة، وأنجزها في يوم واحد. على سبيل المثال، اطهو وجبات طيلة الأسبوع خلال يوم إجازتك وضعّها في الثلاجة (لتوّفر الوقت في أيام انشغالك)، أو ادفع جميع فواتيرك في “الجمعَتين” الثانية والرابعة من الشهر.
• تعلّم اختصارات لوحة المفاتيح للتطبيقات التي تستخدمها بكثرة. (يستغرق تعلّم اختصارات جِـميل ~ 5 دقائق، لكنك ستضاعف سرعتك في التعامل مع البريد الالكتروني).

4. استخدام البرامج والأنظمة المؤتمتة ?

اعمل بذكاء وليس بجهد عبر الاستفادة من البرامج والأتمتة. يتمتع أصحاب المهارة المعرفية اليوم بعشرات الأدوات التي تعينهم على إنجاز المزيد عبر أتمتة المهام المملة أو المتكررة.

فيما يلي المفضلة لدي:

• أستخدم Readwise لمزامنة ملاحظاتي في (كِندل) مع (إيفر نوت Evernote) بحيث أتمكن من البحث بسهولة بين جميع ما دوّنته.
• أحتفظ بالمقالات في Instapaper أو Pocket واقرأها على هاتفي (ذاك أفضل من ترك 20 علامة تبويب مفتوحة وإبطاء حاسوبي!).
• أستخدم Simply book ME لجدولة الاجتماعات لألا أُضطر لتبادل الرسائل جيئة وذهابًا في محاولة إيجاد الوقت المناسب لكلينا!
• أستخدم إضافة Lastpass لتخزين جميع كلمات المرور المحفوظة كي لا تنساها (أو عوض استخدام كلمات مرور غير آمنة مثل عيد ميلادي!)
• أستخدم The Email Game و”أتلاعَب” ببريدي الإلكتروني قليلًا، ذاك حسّن من استخدامي له على المدى الطويل.
• أستخدم عوامل التصفية في بريدي الإلكتروني لعزل الرسائل غير الضرورية مثل (الرسائل الدعائية – إشعارات شبكات التواصل الاجتماعي) ضمن مجلد منفصل.
• أستخدم CopyQ لحفظ عدة نصوص سبق ونسخته.
• زِدت سرعة المؤشر (✣) في الإعدادات لأتمكن من تحريك الفأرة أسرع.
• أستخدم (موسع النص Text expander) لحفظ العبارات التي استخدمها بكثرة [مثلًا، يكفي أن أكتب كلمة “دردشة” وسيحوّلها موسع النص إلى “أعلمني عندما يكون الوقت مناسبًا لك للدردشة. أو يمكنك تحديد الموعد الذي يناسب كلينا من خلال الرابط“]
• أستخدم Rescue time لألّا أتشتت بتصفحّ النت أثناء مهام “مبتكر القيمة” من جهة، ولأقيس الوقت الذي أقضيه في المواقع المختلفة.
• أستخدم مدير مهام مثل Todoist.

? تذكر: يمكن أن تكون هذه الأدوات مصدر تشتيت خطير؛ من خلال جعلك تشعر أنك أكثر إنتاجية عندما لا تكون كذلك.

5. الشجاعة: سرّ العمل بذكاء الحقيقي ??

“استخدم الشجاعة والحكمة، لا العمل، لكسب المال.” -  نسيم طالب

تخيل أنك تسعى لتصبح لاعب هوكي محترف. هذا يعني أنك تحتاج لـ (3) أشياء:

1. معرفة كيفية التزلج.
2. معرفة إلى أين تتزلج (إلى أين يذهب القرص؟)
3. أن تكون متقبلًا لفكرة تعرضك لإصابة?.

كل التقنيات التي تحدثنا عنها حتى الآن كانت تتعلق بتعلم التزلج على نحو أفضل. يعد إتقان التزلج أمرًا مهمًا إذا كنت ستصبح لاعبًا جيدًا للهوكي، ولكنه مفيد فقط إذا 1) كنت تعرف -أيضًا- مكان التزلج 2) إذا كنت مستعدًا ومتقبلًا لفكرة اصطدامك بالآخرين.

التصور الشائع عن الأشخاص الناجحين (بغض النظر عن تعريفك للنجاح) أنهم وصلوا لما وصلوا إليه باتباع الطرائق التي ذكرناها حتى الآن، وأنا أتفق معه. ولكنني -أيضًا- أعرف العديدين ممن يعملون بجد ويعملون بذكاء ولكن يبدو أنهم ينجزون أقل بكثير مما هم قادرون عليه. فلماذا؟ أحد العوامل التي تلعب دورًا بارزًا هنا هو: الحظ?؛ أحيانًا، يصادف أنك تقف في المكان الذي يتجه إليه القرص.

وفي حين أن هناك أشياء يمكنك صناعة حظّك بنفسك، هناك عامل آخر يمكنك التحكم فيه على نحو أفضل.

بينما واصلت دراسة الأشخاص الناجحين ومقابلة ممن أعتبرهم كذلك، فالعامل المشترك الأكبر في نجاحهم هو الشجاعة؛ الشجاعة للتزلج إلى حيث يذهب القرص عندما يتزلج الآخرون إلى حيث يتواجد. والشجاعة للاصطدام بأجساد الآخرين.

أعتقد أن أحد ما يدفعنا لبذل جهد أكبر هو أننا نستخدم العمل الجاد لتعويض نقص الشجاعة داخلنا:

? بدلاً من طرد عضو الفريق الذي يعطّل المشروع، نعمل بجدّ أكبر للتعويض > يتطلب طرده شجاعة.

? بدلاً من سؤال زميلنا في العمل عن أسباب خلافاتنا المشتركة معه وإجراء محادثة صادقة حول هذا الموضوع، فإننا نتحدث وراء ظهوره.

? بدلاً من مشاركة الفكرة، نحتفظ بها لأنفسنا خوفًا مما سيفكر فيه الناس.

لا يوجد أسلوب واحد لممارسة الشجاعة. ربما تتمثل الشجاعة، بالنسبة لك، في اختيار العمل لساعات أقل لأنك تثق في نظام إنتاجيتك. حتى لو عنى ذلك العمل لـ 5 ساعات يوميًا. وربما كانت إجراء تلك المحادثة الصعبة مع مديرك في العمل.

ولكن بالنسبة لنا جميعًا، فالشجاعة هي العمل الجاد الحقيقي الذي يتعين علينا الانخراط به، بدلاً من مجرد “قضاء المزيد من الوقت” فحسب.

المصدر:: How to Work Smarter Not Harder: The Three Real Ways To Be Productive