هل الجميع أفضل مني، أم تُراني أفضل من الجميع؟ 😵

قلق المقارنة

تبدأ المقارنة الاجتماعية (Social comparison) خلال مرحلة الطفولة. كأطفال، ننظر إلى ألعاب الأطفال الآخرين، وآبائهم، ومنازلهم، ونقارنها بما لدينا. وكناضجين، تكون المقارنة الاجتماعية طبيعية تمامًا أيضًا.
ومع ذلك، فيمكن أن تُشعرنا المقارنة أنفسنا -المستمرة- بالآخرين بأننا أقل كفاءة. لذا، إن أردت تجنب قلق المقارنة (Comparison anxiety)، فلا بدّ أن تكون واعيًا لكون تقييم نجاحنا استنادًا إلى وجهة نظر ذاتية لكيفية المقارنة مع الآخرين قد يؤدي إلى توتر بلا داعٍ وإضعافٍ للصحة النفسية.

قلق المقارنة

علم قلق المقارنة

تعود جذور قلق المقارنة إلى نظرية المقارنة الاجتماعية، التي اقترحها في الأصل عالم النفس الاجتماعي ليون فيستنجر (Leon Festinger) عام 1954. كتب فيستينغر أننا كبشر نستخدم المقارنة الاجتماعية لمقارنة قدراتنا وإنجازاتنا مع قدرات الآخرين وإنجازاتهم.

اعترف فيستينغر بأهمية المقارنة الاجتماعية من منظور تطوري؛ فهي لا تساعدنا في فهم سلوكياتنا وتحديد هويتنا فحسب، ولكنها تدفعنا إلى التحسين والارتقاء إلى مستوى أولئك الذين نعتبرهم أكفأ منّا.

فمثلًا، كون المرء عداءًا سريعًا كان يحميه من الحيوانات المفترسة، ومن شأن امتلاك أسرع العدائين الكلمة العليا أن يحمّس أعضاء المجموعة للتدرب على الجري السريع. بذا يُصبح تقييم أنفسنا مقارنةً بالآخرين -واتخاذ الخطوات اللازمة لتحسين الذات- ميزة عندما يتعلق الأمر بالنجاة.

حديثًا، أكد علماء النفس الفرضية القائلة بأن المقارنة الاجتماعية يمكن أن تكون تنازلية أو تصاعدية في طبيعتها:

  • نضع أنفسنا في المقارنة التنازلية (Downward comparison) مقابل شخص نشعر أنه أدنى منّا. ما قد يجعلنا نشعر بتحسن تجاه أنفسنا من خلال التأكيد على صوابية شعورنا بالتفوق.
  • على الطرف الآخر، المقارنة التصاعدية (Upward comparison) هي عندما نقارن أنفسنا بشخص نرى أنه متفوق علينا. بالنسبة لأسلافنا، ربما كان ذاك الشخص أفضل صيّاد أو أمهر صانع أدوات. اليوم، من المرجح أن يكون زميلنا في العمل، أو أحد أصدقائنا، أو أحد المشاهير أو الرياضيين أو المؤثرين الذين نراهم على الإنترنت.

[الوجه المظلم للشهرة] #1 – كيف قضى أحد متابعيني نَحبه أمامي؟! – //قصة حقيقية//

هذا النوع من المقارنة شائع للغاية

خاصة مع زيادة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، قد يدفعنا إلى العمل بجدّ أكبر أو لتعلم مهارة جديدة، وهو أمر مفيد.
ومع ذلك، بمقدور المقارنة التصاعدية -شبه المستمرة- أن تتركنا مع إحساس بالفشل وانعدام الكفاءة، مما يؤدي بنا إلى المعاناة من قلق المقارنة.

تصاعد قلق المقارنة

تصاعد قلق المقارنة

يمكن أن يؤثر قلق المقارنة على أي شخص، ولكن هناك بعض عوامل الخطر التي يمكنها التنبؤ بمدى تأثيره علينا. تشمل عوامل الخطر هذه مستويات قدرتنا التنافسية الداخلية والخارجية، ومدى إدماننا شبكات التواصل الاجتماعي، وتقديرنا لذاتنا بشكل عام، ومزاجنا.

في عام 2017، اكتشف الدكتور (جين ل أنا آنغ وانغ – Jin-Liang Wang) وزملاؤه كيف نعرّف أنفسنا من خلال المقارنات التي نجريها باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي.
ونظرًا لأن معظمنا يوثق فقط الوجه المبتهج لحياتنا، ما يعطي نظرة قاصرة لنجاحنا وسعادتنا بشكل عام، فإن عرض التصورات الرقمية لحياة الآخرين -التي تبدو شبه مثالية- ستؤدي بطبيعة الحال إلى مقارنة تصاعدية.

وجد الباحثون أن النظر إلى الأعلى كان بدوره مرتبطًا بالمشاعر السلبية وفرصة أكبر للتقييم الذاتي السلبي. بشكل عام، وجدت الدراسة أن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي يؤدي إلى انخفاض مستوى جودة الحياة نظرًا لتأثيرها الضار على تقديرنا لذاتنا.

المخاوف بشأن ما يعتقده الآخرون عنا موجودة في الحياة الواقعية أيضًا

وجد الباحثان (مارينا ميكاري Marina Micari) و(بيلار بازوس Pilar Pazos) أن الطلاب المشاركين في العمل الجماعي يمكن أن يشعروا بالتهديد من قبل أولئك الذين يرون أنهم أكثر استعدادًا/ثقة في المهمة.

أدى هذا التهديد المتمثل في الشعور بالنقص إلى إعاقة الأداء المعرفي (cognitive performance) و “انخفاض القدرة على معالجة المعلومات”. لذلك يمكن أن تنتج مواقف التعلم من الأقران آثارًا سلبية على الأداء إذا كان الطلاب قلقين من مقارنتهم بالآخرين. ويزداد هذا التأثير لدى الذين يعانون تدني احترام الذات أصلًا!

هل تحدّ المقارنة الاجتماعية التنازلية من المشكلة؟

إذا لاحظت منح الترقيات لأقرانك، فقد تبدأ في القلق بشأن إنجازاتك. خاصًا إذا كنت مُحبطًا أو قلقًا أصلًا، أو إذا كنت تنافسيًا بطبعك.

لتشعر بتحسن، يمكنك النظر لزملائك الذين ظلوا عالقين في منصب أقل من منصبك، بهدف مساعدتك على “إثبات” تفوقك داخليًا وإدارة قلق المقارنة الذي تشعر به.

ومع ذلك، فإن استخدام المقارنة الاجتماعية التنازلية هو مجرد ضمادة ? لا تؤدي -حقًا- لصحة نفسية أفضل.

كيف نتعامل مع قلق المقارنة بفعالية

رغم أن مراقبة ما يفعله الآخرون قد يكون مفيدًا في تشجيعك على السعي لتحقيق المزيد، إلا أن المقارنة معهم يجب (إدارتها بعناية) للتأكد من أنها لن تؤدي إلى انخفاض الإنتاجية والأداء المعرفي والصحة العقلية.

يمكنك تجنب أسوأ جوانب قلق المقارنة من خلال تطبيق الاستراتيجيات التالية:

  • تدرب على (تدوينات القوة). تتضمن هذه الممارسة تحديد نقاط قوتك بدلاً من التركيز على أي أوجه قصور متصورة. ستساعدك هذه الممارسة البسيطة على تطوير المرونة وتعزيز احترامك لذاتك. من خلال تسليط الضوء على إنجازاتك، سيسهل تجنب القلق المرتبط بمقارنة نفسك بالآخرين.
  • جِد قدوة. سواء أكنت معجبًا بإبداع شخص آخر أو حماسه أو نجاحه بشكل عام، فمن الممكن أن تبحث عن شخص آخر لا يُشعرك بالقلق. ابتعد عن مقارنة نفسك بأقرانك الذين تجعلك إنجازاتهم المستمرة تشعر بالدونية (وأنه يستحيل عليك الوصول لمستواهم).
    بدلاً من ذلك، ركز على شخص يكون نجاحه سهل المنال بالنسبة لك. سيسمح لك ذلك بالسعي لتحقيق المزيد، مع توافر خطوات عملية للنمو الشخصي.
  • صادق (شريك نجاح). اختر شخصًا تلتقي معه ويدعم بعضكما البعض في رحلة التطوير الذاتي. بعد ذلك، وثّق أهدافك ودائب على تقييم تقدمك واحتفال بإنجازاتك. وبدلاً من أن كونك في وضع منافسة مباشرة، سيدعم بعضكما البعض في السعي لتحقيق المزيد.
  • أنشئ دائرة دعم (Support circle). يمكن أن تكون مجموعة الدعم طريقة فعالة أخرى لتجنب القلق من المقارنة. يجب أن يشترك كل فرد في الدائرة في هدف مشترك مثل الترقيّ أو إطلاق مشروع جانبي أو ممارسة الرياضة بانتظام. بنفس الطريقة التي تتعامل بها مع شريك نجاحك، ناقش تقدمك وتحدياتك مع المجموعة على أساس منتظم. بدلاً من محاولة التفوق على المجموعة، اعملوا معًا لدعم بعضكم البعض لتحقيق النجاح.
  • قلل من استخدام شبكات التواصل الاجتماعي. إذا كنت تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي وغالبًا ما تقع في فخ المقارنة التصاعدية، فحاول وضع حدود أكثر صرامة لتجنب الإفراط في استخدامها. على سبيل المثال، قد تقرر تقييد الأشخاص الذين تتابعهم، وعدد الدقائق التي تستهلكها كل يوم، أو حتى أخذ استراحة منها.

ختامًا

القلق من المقارنة ظاهرة شائعة يمكن زيادتها سوءًا عبر وصولنا لحياة الآخرين عبر شبكات التواصل الاجتماعي. قد تقودنا رؤية نظرة وردية لحياة شخص آخر إلى الاعتقاد بأن الجميع أكثر سعادة أو ثراء أو نجاحًا منا.

ومع ذلك، فالمقارنات المستمرة لن تثير القلق فحسب، بل يمكنها أيضًا تقليل الأداء المعرفي والإنتاجية. سيساعدك تحديد نقاط قوتك، وإيجاد قدوة مناسبة، والبحث عن دعم الآخرين، والحد من استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، على التوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين، والتركيز -عوض ذلك- على رحلتك الخاصة.

ما رأيك بالمزيد من التدوينات الماتعة؟

المصدر: Comparison anxiety: how to stop comparing yourself to others

هل الجميع أفضل مني، أم تُراني أفضل من الجميع؟ 😵

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تمرير للأعلى