لم أتحمّس لكتابة (تدوينة ردّ) مثلما تحمست للردّ على تدوينة دليلة (أم ياسين) عن ربحيّة الكتابة وعلاقة الأخيرة بالأمومة!
تميّزت دليلة (أتعلم؟ أفضّل استخدام كِنيتها: أم ياسين)..
إذًا، تميزت أم ياسين -لسنوات- بأسلوب تدوينيّ يمزج الطرافة بالجديّة، فبينما تحدثك عن مسألة مُحرِجة مثلًا، وعوض الاعتذار البارد الرسمي، ستجدها تُطلق دعابة طريفة ببساطة:
لو كان للنشرات معلمًا لكان المعلّم طردني بلا رجعة، وأراق ماء وجهي على مرأى الجميع.
إنما ما أضحكني حقًا، قولها التالي:
ماذا لو أحذفها وأختفي كليًا؟ لا عفاف ستدري أين أنا، ولا الأستاذ طارق يستطيع الوصول إليّ، وننسى جميعا أنّ هناك شيء اسمه الحمام الزاجل. أيرضيك هذا؟
يا له من تصعيد، أم ياسين 🤣
ثم تنتقل -بإنسابية- للحديث حول علاقة الفن .. بالمرض. وبصراحة، لا أعلم لمَ نصرّ -معشر الكتّاب- على تسخير حياتنا لشيء صعب، بل ويحرمنا السعادة!
تقول أم ياسين في حديثها عن بعض الأمهات العاملات “أعرف أنّ حياتهنّ تسير على ما يرام من الخارج، لكن لا أظن أنّ الأمر ذاته ينطبق على داخلهنّ”، وأتفق معها تمامًا. وسأفصّل حول هذه الجزئية ضمن تدوينة قادمة؛ احرص على الاشتراك في قناتي على تلغرام لتصلك فور نشرها.
ما يصل بنا للنقطة الأهم: ربحيّة الكتابة
كثيرًا ما اقرأ التدوينات بالتوازي، حيث أفتح عدة ألسنة تبويب، باحثًا عن “🧵” يربطها. ولدهشتي، وجدت صديقتنا عبير اليوسفي تتحدث عن صراع المثقف ضد المثقف؛ وذاك أبرز سبب ربما لانتشار مقولة: [الكتابة ما تأكّل عِيش 🥖🍞]، ولتتأكد لاحظ أن أغلب قائليها كتّاب بحد ذاتهم!
وهنا، لن أُكرر دفاعي عن ربحيّة الكتابة؛ إذ سبق وتعمّقت فيها:
- مرحبًا أبي، أصبحت كاتبة نشرة بريدية مدفوعة!
- مَن يستثمر في صنّاع المحتوى؟ ج. الجميع!
- هل دخل النشرة البريدية أفضل من باتريون Patreon؟
- كيف وجدت مصدر إيرادات [غير مُستثمر 💴] لأصحاب النشرات البريدية؟
إنما أودّ التحدث عن تجربة شخصية
قبل عامين ونصف تقريبًا، تشرّفت بحلولي ضيفًا على بودكاست (رحلة كاتب) الذي تقدمه أم ياسين. وأقولها صراحةً: معك حقّ لو مللت البودكاست؛ تجاوز عدد البودكاستات تعداد البشر!
لكن، من بين كل هؤلاء، هل وجدت أحدهم يستضيف “مَن يُفترض به منافسته”؟ لا أظن.
حسنًا، كَسرت أم ياسين القاعدة، فتوجّهت بكُليّتها نحو تسليط الضوء على كتّاب المحتوى، وذلك رغم ضعف الإمكانيات وضيق الوقت، وتنافسية المجال الشديدة.
تمضي الأيام والشهور، وأكاد أنسى وَعدي بجزء ثاني. وإذ برسالة تصلني وتُثير أكبر دهشة في حياتي!

لم أتوقع وصول صوتي لشخصٍ مثله، لكنه التشبيك يا سيدي 😎. بالمناسبة، صديقنا سرّاي الغفيلي كاتب محتوى إبداعي، استغلّ وجوده في صفّك 🎯
والآن، نستنتج أن قائل العبارة المُزعجة ربما عاش منعزلًا في برجه العاجي، فلم يكوّن صداقاتٍ مع أحد، حتى استبدّ به الغيظ، فأطلق حُكمه ذاك.
والتجربة الثانية التي أُحب سردها: تجربتي مع ملاكي الحارس
قبل سنوات، وبعدما بِعت أثاث منزلي لتأمين ثمن تذكرة العودة إلى سوريا (تعلم أنني عِشت في مصر، صحيح؟)، وجدت نفسي في اختبار لتمسّكي بالكتابة.
لا تنسى أنني -وقتها- حديث عهدٍ بصدمة كبرى: لمَ تَفز روايتي بفرصة النشر مع منصة رقيم (ما قصة الرواية؟). خلّف ذاك داخلي ألمًا دفعني للاعتقاد بعدم انتمائي إلى عالم الكتابة أصلًا!
ومِن سخرية القدر كيف تعاملت مع مشاعري السلبية اتجاه الكتابة؟ بالكتابة ذاتها! 🙄
كتبت التدوينة على عجل ونشرتها، ثم خلدت إلى النوم. وحين استيقظت، وجدت طوق إنقاذٍ بانتظاري!

بصراحة؟ انشأت حسابي على Ko-Fi رغم عدم اقتناعي بجدواه؛ لم أجد شخصًا يدعم كاتبًا، ربما يدعم (يوتيوبر) أو (مؤثر)، لكن كاتب محتوى؟! مستحيل.
لكن تغيّرت نظرتي بعد هذه التجربة، لا فقط اتجاه مسألة دعم الكتّاب ماديًا، بل وحتى اتجاه قيمة الكلمة.
فالفنّان يرسمّ لوحة، ويقف بجانبها بعدما يعلقها ضمن معرض؛ يرصد ردود أفعال الناس مباشرةً. وبعدما تنفضّ الجموع، قد يلتقط للوحته صورة وينشرها على Scopio مثلًا، عسى أن تُعجب الجمهور الرقمي.
وحتى إن لم يَبعها، يمكنه عرضها على شبكات التواصل وتلقيّ الثناء (أو الانتقاد .. لا يوجد تفاعل يضرّ!)
تلك ميزة لا يحظى بها كاتب المحتوى، فمعظمنا يمرّ على المحتوى المكتوب مرور الكرام، ويغادره (بصمت) .. ربما لأنه لا يُبهرنا بما يكفي لنتفاعل معه (كالفيديوهات مثلًا) .. وما زاد الطين بِلّة، دخول الذكاء الصُنعي المعادلة، وانتشار (مزارع المحتوى)؛ ما زهّد الناس بالكتابة أكثر.
ما يغيب عنا هنا أننا قد ننسى معظم ما نقرأه، لكنه يبقى داخلنا، يمتزج بخبرات حياتنا، ويصنع شخصياتنا.
هذه قناعة شكّلتها رسالة كهذه

ختامًا
تتوجس أم ياسين خيفةً من ألّا تنال تدوينتها إعجابنا، وكانت تنتظر رأينا -نحن قراءها- عبر تعليق. إنما لم أكن لأُضيّع “براح” مدونتي 😎 وأكتفي بتعليق في صندوق ربما يراه قلّة 😋