لماذا يستهجن البعض التسويق الذاتي؟

لماذا يستهجن البعض التسويق الذاتي؟

لطالما استهجنت فكرة التسويق الذاتي. ربما بسبب مصادفتي أشخاصًا يولونه جُلّ اهتمامهم؛ فلا ينشغلون إلا ببعض العمل الفعلي، بينما ينسبون فضل أي نتائج جيدة تحدث من حولهم .. لأنفسهم!

شكّلت هذه الممارسات انطباعًا داخليًا سيئًا. فوجدتني اتسائل: هل الاكتفاء بتقديم عمل عظيم (من وجهة نظري) كفيلٌ بلفت الأنظار نحوه؟

للأسف، تعرضتُ لتجارب قاسية –وفترات ركود طويلة– قبل إدراكي أنني خُدعت! ما اضطرني لتعلم كيفية “التسويق الذاتي” بعيدًا عن الدناءة؛ باعتبارها مهارة بالغة الأهمية.
وأظنني قطعتُ شوطًا طويلًا في هذا المجال، فأسمح ليّ بمشاركة بعض الأفكار والرؤى حوله.

بدايةً، لنتفق أن ثمّة طرقًا تسوّق بها عملك ولا تتعارض مع قيمك. في الواقع، وبعد إعادة صياغة الفكرة، أدركتُ أن التسويق الذاتي يتماشى مع القيم التي تستحق أن أحيى وفقها، على غرار التواضع والتعاطف والمساءلة والشجاعة.

ربما ما زلت غير مقتنع. لا بأس، دعني أسألك: هل سبق ومررت بموقف كالآتي؟

  • لم تحصل على الترقية التي آمنت أنك تستحقها.
  • لم تحظى بفرصة عمل كنت متحمسًا لها.
  • ترك مديرك الشركة قبل تقييمات الأداء مباشرة، فلم تجد مَن يقدّم إشادة أو توصية بحقك.
  • عجزت عن تحصيل الموارد التي تطلّبها مشروعك (رغم أهميّتها).

جميعها أعراض لمشكلة أعمق: عدم رؤية صناع القرار في شركتك أنك تُحدث التأثير الذي تعتقد أنك تُحدثه. ربما كانوا على صواب (وتلك مشكلة أخرى قد نتحدث عنها لاحقًا). إنما لنفترض تحقيقك نجاحًا باهرًا لا يلحظه سوى زملائك ومديرك المباشر، فماذا ستفعل؟


تَبرع أدمغتنا في إيجاد أسباب “تبدو” منطقية لتجنب ما يُزعجنا. فيرفض البعض التسويق الذاتي لأحد “الأساطير” الآتية:

👻 لن أنجح فيه؛ لأنني شخص انطوائي [🔫 كيف ينسج الشخص الانطوائي شبكات اجتماعية؟ 🕸].

👻 يبدو التسويق الذاتي لعبة سياسية، ولا أريد “تلويث يديّ” [🔫 في الواقع، يجدر بك تحويل علامتك الشخصية إلى أيديولوجية]

👻 يتحدث العمل المتميز عن ذاته، فلا داعي لإضاعة الوقت [🔫 يؤسفني القول: إنها الحرب!💣]

👻 يبدو التسويق الذاتي مُغريًا في ظاهره فحسب، فلا يُحقق النتائج المأمولة [🔫 لكن برأيك، لمَ على الكاتب أن يكون نرجسيًا؟ 🦁]

👻 إن سوّقت لذاتي، سيتهمني الناس بالغطرسة [⛔️ .. ممم .. يستحق الأمر وقفة ⛔️]


لا يعني التسويق الذاتي المفاخرة، وإنما مشاركة معلومات قيّمة..

لا تعني رؤيتك الآخرين يتفاخرون بعملهم أن الأسلوب الوحيد للحديث عن عملك يكمن في التباهي المحض.

يُرى التسويق الذاتي الإيجابي كونه وسيلة “تجويد عملك” عبر مشاركة الأفكار والرؤى والنجاحات بفعالية، وتسليط الضوء على كيفية دعم أهداف الفريق والمنظمة عبر مساهماتك ومساهمات زملائك.

بمشاركة عملك ومساهماتك بجدّية، سيرى فيك القادة -في مختلف أقسام الشركة- شخصًا يقود التأثير، ويفتح الأبواب أمام فرص جديدة.

يتعلق الأمر بالتأطير “Framing”، فحين تُحسن التأطير، ستدرك تماشي التسويق الذاتي -في الواقع- مع قيمك المهمّة، مثل:

  • يتفّهم المتواضِع وحده أن رؤية الناس عمله ليس أمرًا مفروغًا منه؛ فهم مشغولون، ومنغمسون في شؤونهم الخاصة. لذا، عوض افتراض أن عملنا سيُخترق الضجيج ويصل لجمهورنا، نبادر بمشاركته ونوضّح كيف يُمكن أن يُساعد الآخرين.
  • تحتاج تعاطفًا لفهم ما يُصعّب عمل الآخرين وما يهمّهم. يُظهر تخصيص الوقت الكافي لتأطير عملنا بطريقة تُساعد على توعية الآخرين –لا بطريقة تُركز علينا بالأساس– اهتمامنا بهم.
  • لا يُلقي من يُقدّرون المساءلة اللوم على الآخرين حين لا يرون براعتهم “الفطرية”. لذا يقع على عاتقنا إيجاد التوازن بين العمل الجيد، والترويج له بطريقة مفيدة، والاعتراف بأخطائنا، وتشجيع الآخرين.
  • يتطلب الأمر شجاعةً لتُظهر نفسك للآخرين (خاصةً عندما يحاول عقلك جاهدًا إقناعك بالعكس). يتحرّج أي شخص ذو وعي ذاتي من التحدث عن نفسه. لكن لا تدع هذا الخوف يُثنيك!

وجدتُ أن معظم مخاوف التسويق الذاتي مصدرها داخلي. اتضح أن الناس لا يتفاعلون سلبًا مع الترويج الذاتي في المُطلق، وإنما عند وجود خلل:

  • كشخص يتحدث فقط عن عمله الخاص، وينسى نسب الفضل للآخرين.
  • أو آخر يتفاخر بالانتصارات فحسب، فلا يتحمل المسؤولية عن الأخطاء أبدًا.
  • أو كمَن “يتحدث فقط” عن العمل، إنما لا يبدو أنه يفعل أي شيء على الإطلاق!
  • بل كثيرًا ما نجد أشخاصًا يتحدثون عن التأثير الذي أحدثوه، لكنهم غير مهتمين بمشاركة الدروس أو الأفكار المفيدة.

ما إن تعثر على (المعادلة) الصحيحة، حتى تجد أن التسويق الذاتي يساعد الآخرين بقدر ما يساعدك (إن لم يكن أكثر).

إذن كيف نطبّق التسويق الذاتي عمليًا؟

فيما يلي بعض الخطوات العملية التي تساعدك على الشعور بالراحة عند الحديث عن عملك:

💎 ابحث عن طرائق غير مكلفة لمساعدة الآخرين

جِد طرائقًا تُظهرك للآخرين (دون حصر نفسك في التحدث عن عملك فقط):

  1. شارك مقالات ملائمة مع أهم النقاط المستفادة: “قرأتُ هذا وخطر مشروعك ببالي. يبدو القسم الثاني المتعلق بـ [كذا] شديد الارتباط”
  2. دوّن الملاحظات في الاجتماعات وشارك ملخصاتها على الملأ بعد ذلك، إلى جانب أهم النقاط التي استخلصتها، لتوفير الرؤية للآخرين.
  3. قدّم ملاحظات محددة -أو إشادات- في القنوات العامة أو إلى مدير شخص ما.
  4. قدّم أمثلة على عملك بشكل استباقي لشخص يعمل على مهمة أدّيتها من قبل وقد تكون جديدة عليه.

💎 اجمع أعمالك وشاركها بانتظام

  • شارك علنًا الدروس والعبر المستفادة: “جرّبت استراتيجية [كذا]، وحسّنت التفاعل بنسبة 10%. شاركني تجربتك إن استفدت منها ضمن مشاريع مماثلة.”
  • اكتب ملخصًا من صفحة لما تعلمته بعد مشروع كبير، وشاركه على أوسع نطاق.
  • انشر على قنوات متعددة: لا تفترض أن المَعنييّن سيرون منشوراتك حال نشرها على منصة معينة. لذا، انشر في كل مكان. وراسل البعض لتُعلمهم “أعتقد أن هذا قد يفيدك!

💎 خصص رسائلك لتناسب جماهير مختلفة

  • ركّز على احتياجاتهم. اسأل نفسك: “كيف يُساعد هذا جمهوري على تحقيق أهدافه؟” يمكنك أن تكون ذا قيمة هنا حتى لو لم تكن كاتب المنشور. أُقدّر دائمًا رسالة مثل: “هل قرأت تدوينة فلان؟ أعتقد أنك ستجدها مفيدة للشرائح التي تعمل عليها”. أنت تُعزز عمل الآخرين، وهو أمرٌ مُقدّر دائمًا.
  • قدّم قيمة دون مقابل. انتبه ما إن كنت تنشر لأنك بحاجة إلى شيء ما أم من باب التسويق الذاتي. أحبّذ استخدام عبارات مثل “لا حاجة لفعل أي شيء؛ غرضي من مشاركة هذا مساعدتك في التخطيط” أو “لا حاجة للرد. مقصدي إبقائك على اطلاع دائم بتطور خطتنا”.

💎 احرص على الترويج لأعمال الآخرين أكثر من أعمالك

ابحث -بجدّية- عن فرص لتسليط الضوء على مساهمات زملائك، وربطهم بموارد مفيدة، وضمان نسب الفضل لكل من أسهم في تحقيق النجاحات. عندما تداوم على ذلك، يصبح الحديث عن عملك مُتقَبّلًا أكثر ويلقى استحسانًا أكبر.


قبل إغلاق هذه التدوينة، خذ دقيقتين و..

  • اكتب أحد الدروس المستفادة من الأسبوع الماضي والتي يمكنك مشاركتها مع فريقك.
  • فكّر في صديق مسؤول يساعدك على الظهور بطريقة تبدو حقيقية. شخصيًا، لدي صديق أعرض عليه مسوداتي وأسأله: “هل تجدها مفيدة أم لا ؟”

تذكر: في كل مرة تتعلم فيها شيئًا مفيدًا من زميل، فذلك لأنه تجاوز انزعاجه ليشارك عمله. معرفتك وخبراتك قيّمة أيضًا. لا تدع هذه المخاوف تمنعك من مساعدة الآخرين على التعلم من تجربتك أيضًا.

لماذا يستهجن البعض التسويق الذاتي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

تمرير للأعلى