للانطوائيين: كيف تقدّم أفضل ما لديك عند العمل وحيدًا؟

العمل

يبدو التواجد في مساحة خالية من المشوشات بينما تتمكن من إدارة وقتك ورفع انتاجيتك بمثابة حُلم (وخاصةً لمن يعملون ضمن بيئة “المكاتب المفتوحة”).

لكن العمل بمفردك ليس حلًا سحريًا. فبمجرد أن تدخل إلى روتين العمل، فإنك تدرك أنك لست وحدك وأن المعركة لم تكن خارجية. بل داخلية … داخلك أنت!

وإن كان العمل عن بُعد رفاهية حديثة نسبيًا. إلا أن العمل منفردًا شيء يفعله الناس من جميع الاختصاصات والحرف منذ آلاف السنين.

تدور فكرة العمل منفردًا حول خلق مساحة يصبح فيها الوصول إلى أعلى حالات التركيز أمرًا سهلًا.
لكنك تعلم أنه عندما تكون بمفردك، سيبدأ شعور بقلة الثقة بالنفس وبعدم الأمان في غمر عقلك. هذا عدا عن معاناتك من رغبتك في تناول وجبة خفيفة أو التحقق من حسابك على تويتر … فقط بعد 5 دقائق من جلوسك! 

مهارات عليك امتلاكها إن اضطررت/رغبت بالعمل وحدك

إذا بدأت العمل بمفردك بنفسك الأسلوب الذي اعتدت عليه عند العمل ضمن مكتب، فقد تواجه بعض المشاكل!

وبالتالي، يتطلب العمل بمفردك إتقان بعض المهارات الأساسية والتي سنستعرضها ضمن هذه التدوينة:

مهارة #1: إسكات الهواجس الداخلية


في كتابه The Inner Game of Tennis: The Classic Guide to the Mental Side of Peak Performance، يتحدث W. Thomas Gallwey عن لعبة التنس، لكن الكتاب يدور حقيقةً حول كيفية تصفية العقل.

حيث يؤمن Gallwey أن الأداء الرياضي الضعيف والفن السيئ سببهما واحد: الإفراط في التفكير، ويشرح ذلك ضمن كتابه قائلًا:

يمكننا أن نصل إلى نقطة رئيسية وهي: 

إن “التفكير” المستمر هو نتيجة لوجود “ذاتين” تتمثل الأولى في العقل الأناني (وهو جانب العقل الذي ينتج مشاعر “جسدية” داخلك تتناغم مع /تقاوم ما تقوله مشاعرك الداخلية أنك ترغب في تجربته). والذي ينسبب -كما هو واضح – في تشويش القدرات الطبيعية للذات “الحقيقي”.
يحدث الانسجام بين الذاتين فقط عندما يكون ذهنك هادئًا. عندها فقط يمكنك بلوغ قمة أدائك.

عندما يكون لاعب التنس “في هذه المنطقة المنسجمة”، فهو لا يفكر في كيفية، أو توقيت، أو حتى إلى أين سيضرب الكرة. أي أنه لا يحاول ضرب الكرة، وبعد المباراة لا يفكر في مدى سوء أو دقة قراراته.

حيث يبدو أن الكرة تُضرب من خلال عملية لا تتطلب التفكير. قد يكون هناك واعيًا برؤية الكرة وصوتها وكينونتها، وحتى بوضعه هو كلاعب، ولكن يبدو كما لو كان يعلم كل ما سبق دون أن يفكر فيما يفعله.

هذا المفهوم مرادف للتدفق/Flow، وهو مصطلح صاغه عالم النفس الرائد Mihaly Csikszentmihalyi.

قام Mihaly Csikszentmihalyi بمقابلة عدد كبير من الفنانين وخبراء الإبداع، وخلص إلى نتيجة مفادها أن هناك (9) عناصر تضع انتاجية الشخص في حالة انسياب مستمر.

وجود أهداف واضحة على طول الطريق

تقييم فوري للأفعال.

وجود توازن بين التحديات والمهارات.

دمج العمل والعلم.

استبعاد المُشتتات.

عدم وجود قلق من الفشل.

عدم الانشغال بالذات.

عدم الإحساس بالوقت.

وجود دوافع ذاتية للأفعال.

 الهدف من أي جلسة عمل إبداعية هو الوصول إلى هذه الحالة. وهو ما تفتقده بعملك ضمن مكتب تؤدي فيه مهامًا روتينية.

أي يجب على عملك أن يتضمن تحديات كافية للإبقاء على حيويتك ولكن في الوقت ذاته عليه أن يكون سهلًا بما يكفي لمنع سقوطك ضحية الشعور بالإحباط.

اضف إلى ذلك، يتطلب منك الوصول إلى هذه الحالة أن تكون منتبهًا للمشتتات الخارجية.

وهو ما يقودنا إلى …

المهارة #2: القدرة على مواجهة المشتتات وجهًا لوجه.

يقول بابلو بيكاسو “لا وجود لعمل مهم بدون قدر كبير من العزلة “

ماذا عن العزلة التي تتيح لنا القيام بعمل عظيم،ولما لا يمكن أن تتواجد “دون فنجان قهوة كبير” أو “دون قيلولة جيدة”؟

يُشبه العمل منفردين دفعنا أمام مرآة كبيرة تعرض لنا أخطاءنا وتجاربنا التي قد لا نفخر بها. من الصعب تجاهل عيوبنا، حتى مع علمنا أن الجميع لديه عيوب.

عندما نتواجد ضمن محيط اجتماعي، يكون هناك جو من التحفيز يصرف انتباهنا عن التفكير في أنفسنا، حيث نتسائل حول أفكار الآخرين وكيف يروننا. بينما حين نختلي بأنفسنا، لا يسعنا إلا الاستماع إلى أصواتنا الداخلية التي يصعب تجاهلها.

كيف يمكن أن ننتقل بالعزلة من كونها حالة تهرب منها إلى حجر الأساس للتركيز الشديد والإبداع. لا توجد طريقة معينة لذلك، لكن يمكنك أن تجرّب هذه الممارسات لمساعدتك على تعلم كيفية استخدام العزلة لصالحك.

اقرأ أيضًا: لما يحتاج كل مستقل إلى هواية؟

الاستماع إلى الأصوات الطبيعية:

لقد اكتشفت أن الاستماع إلى الأصوات المحيطة يساعدني على تحقيق هذه الحالة من التركيز بسرعة أكبر. ويمكنها أن تتفوق على صوت أفكاري المُحبطة.

وفقًا لـخبير التسويق Greg Ciotti

“أظهر الباحثون أنه يمكن للضوضاء المعتدلة أن تسمح للأفكارالإبداع أن تتدفق في أدمغتنا، لكن المشكلة تكمن في الخط “الرفيع” الذي يفصل بينها وبين الأصوات الصاخبة التي تصعّب من مهمة التركيز”.

إذًا كيف أضمن ألّا أعبر هذا الخط؟

تمثّل ليّ تطبيقات الهواتف الذكية مثل Noisli  حلًا سحريًا لمثل هذه الحالات. فبمجرد أن أقوم بتوصيل سماعات الرأس وسماع أصوات هطول الأمطار، أو طقطقة نار لمدفأة، يمكنني أن أشعر بتلاشي المشتتات. وبهدوء عاصفة الأفكار داخل عقلي، ويسمح لي بالتركيز على المهمة التي أعمل عليها.

قبول عدم الكمال:

السؤال الجدير بالطرح هنا هو:

“هل يمكن لأي شخص أن ينتقل بسرعة من البداية إلى النهاية مثل ضربة فرشاة على حائط!؟ هل هناك أي شخص لا يواجه المشتتات؟”

نعلم أن ذلك مستحيل! لماذا إذن نسعى نحو ذاك المستحيل؟

دائمًا ما نتخيل أنفسنا نعمل في عزلة تمتدّ لساعات دون أي مقاطعة أو تشويش. لكن هذا السيناريو صعب التحقيق (وحتى إن تحقق فهو لن يفضي بك إلى إنتاجية أكبر من إنتاجيتك الحالي). لا تبحث عن بيئة عمل “مثالية“، فقط تقبّل ما لديك حاليًا. وبدلاً من الكفاح في سبيل فكرة أن عليك العمل بلا مقاطعات من أجل إنجاز العمل، يمكنك أن تتقبل حقيقة أن مقاومة التشتت هو جزء من العملية الإبداعية.

مهارة #3: القدرة على تحديد متى تتوقف


يستيقظ المؤلف الشهير هاروكي موراكامي في الساعة 4:00 صباحًا ويعمل لـ 5 -6 ساعات متواصلة، وفي فترة الظهيرة يمارس رياضة الجري أو السباحة، ويقضي حاجاته اليومية، ويقرأ، ويستمع إلى الموسيقى. ثم يخلد إلى النوم في 9:00 مساءًا.

وقال في لقاءه مع مجلة “Paris Review” عام 2004.


“أحافظ على هذا الروتين كل يوم دون أي تعديل …. أصبح التكرار بحدّ ذاته أمرًا مهمًا. والذي يساعدني في الوصول إلى صفاء ذهني أعمق”.

في كتابه The War of Art: Break Through the Blocks and Win Your Inner Creative Battles
يصف الكاتب (ستيفن بريسفيلد/Steven Pressfield) روتينه الصباحي لمواجهة (عقبة الكاتب – Writer Block) . يستيقظ باكرًا، ويتناول وجبة الإفطار، ويكون متواجدًا خلف مكتبه في تمام الساعة 10:30 صباحًا، ثم يستغرق في الكتابة إلى أن يبدأ في ارتكاب أخطاء إملائية – وهذا هو المؤشر لديه بأن التعب قد نال منه، وبأنه يكتب منذ 4 ساعات متواصلة!

ثم يتابع فيقول:

“أعلم حين أصل إلى هذه النقطة أن لا مجال للاستمرار. لذا فاكتفي بهذا القدر لذاك اليوم. انسخ كل ما أنجزته لقرص محمول واحفظه ضمن علبة السيارة (The glove compartment) في حالة نشوب حريق في المكتب. وأُغلق المكتب في الساعة الثالثة عصرًا.
كم عدد الصفحات التي أنتجتها؟ غير مهم!
هل هي جيدة؟ أنا لا أفكر في ذلك. كل ما يُهم هو أنني تغلبت على عقبة الكاتب”.

يقودنا الكلام آنف الذكر للكاتبين العظيمين إلى نتيجة مفادها أن ساعات العمل الطويلة لا تعني دائمًا نتائج أفضل.

استفد من عزلتك، وكن واضحًا حيال ما (يمكنك/لا يمكنك) فعله. وبعدم وضعك للحدود، قد تصل إلى العمل ليلًا مع خطوط داكنة تحت عينيك! وتظن بأنك شخص مُنتج، ولكن ماذا عن ثمن ذلك!؟

يجب عليك تحديد وقت انتهاء العمل حتى تتمكن من جعل الجزء غير الواعي من عقلك (العقل الباطن) يقوم بعمله هو أيضًا. سواء أكان ذلك يعتمد على وقت محدد من اليوم، أو دليلًا ملموسًا مثل كثرة الأخطاء المطبعية أو التثاؤب، فأنت من يحدد متى عليك أن تتوقف.

مهارة #4: القدرة على العثور على (بيئتك المثالية) 

العمل

أحسد الأشخاص القادرين على العمل في المقاهي، وخاصة أولئك الذين لا يستخدمون سماعات الرأس لحجب أصوات الضحك والثرثرة. عيونهم حادة مثل الثعبان ولا شيء خارج تلك الشاشة بحجم 11 بوصة يمكن أن يلفت انتباههم.

استغرق مني الأمر العديد من المحاولات الفاشلة لتعلم أنني لن أتمكن أبدًا من العمل وسط تلك البيئة.

إن ايجاد  ما يمكن أن نسميه (بيئتك الطبيعية) يتطلب جهدًا لا بأس به. لكنك بحاجة أيضًا إلى تعلمّ العمل والحفاظ على إنتاجيتك عندما تكون في بيئات مختلفة.


عندما تجد  بيئتك الطبيعية بحيث يمكنك أن تصبح مدهشة في انتاجيتك، وعندما تتقبل المشتتات كجزء من العملية وتكون واضحًا حول متى عليك أن تتوقف، يصبح العمل بمفردك حافزًا غنيًا للعمل الإبداعي.

هل لديك أي نصائح تساعدك كشخص انطوائي على صعوبة العمل بمفردك؟

مُترجم بمُتعة كبيرة

للانطوائيين: كيف تقدّم أفضل ما لديك عند العمل وحيدًا؟

2 فكرتين بشأن “للانطوائيين: كيف تقدّم أفضل ما لديك عند العمل وحيدًا؟

  1. أستاذ طارق …أولا مبروك التجديد على المدونة أصبح شكلها جميلا وأكثر صفاءا …أما عن التدوينة مثل العادة دائما أقرأ بشغف كل ما تنشره مع كتابة كل الملاحظات التي أستفيد منها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تمرير للأعلى