لطالما حرصت على اختيار مدونات ووردبريس عند بحثي عمّا أدعم به تدويناتي، والسبب نظام التنبيهات الذي يُتيح ليّ لفت نظر صاحب المدونة (وهو ما لا يحدث في مدونات البلوغر). هكذا كان مفهومي عن التشبيك، والذي تبيّن أنه خاطئ تمامًا.
فرغم نشري سلسلة تحت عنوان “أنا لم أنساكم“. لم ألحظ تحسنًا؛ لا من حيث الزيارات، ولا العملاء المحتملين، ولا الإحالات. والسبب -بحسب (سكوت دي كلاري Scott D Clary)- الافتقار لرابطة/صلة حقيقية.
أكدّت على هذه النقطة سابقًا، لكنني غفلت عنها -شخصيًا- في تعاملي مع لينكدإن؛ إذ غالبًا ما أكتفي بترك تعليقات بسيطة، ليطلب صاحب المنشور “إضافته إلى شبكتي”
وهنا أقترح (كلاري) إتباع نهج تواصل جديد، لمن يريد حقًا أن تتألق ذاته الحقيقية، ويبني صِلات مفيدة ومُستدامة.
إعادة طرح مفهوم التشبيك
وجهة نظرنا الخاطئة عن التشبيك
التشبيك، كما تعلم، هو فن بناء العلاقات لتحقيق مكاسب مهنية.
يمكن أن تحصل بفضله على أفضل وظيفة بمرتب لم تحلم به حتى. ويمكن أن توفر لك الإحالة الصحيحة ممولًا لبدء شركتك الناشئة.
بصفتك رائد أعمال، فالتشبيك شريان حياتك المهنية؛ بوابتك إلى نجاح أكبر. وبكلمات عالم الاجتماع (رونالد بيرت Ronald Burt):
ولكن ثمّة مشكلة -وأعلم أنك تفكر فيها- في كون التشبيك شديد الصعوبة؛ كما لو أنها تلك الرقصة الشعبية التي تعلم أنها واضحة، لكنك تجهل كيف تؤديها!
إذًا، ربما يجدر بنا تحليل تصورنا للتشبيك.
#1 مفهوم خاطئ: أنت المنتج
أعتقد أن أحد أكبر عوائق التشبيك الصحيح متمثل في محاولتنا “تسويق” أنفسنا؛ أنت لست منتجًا، إنما إنسان، ولن تؤدي عقلية “تسويق نفسك” سوى لتجريدك من أصالتك.
فمثلًا: عندما تحاول التسويق لخدماتك روتينيًا، فلا أسهل من وقوعك في فخ التكرار؛ إرسال ذات النص حول عملك أو تجربتك. وربما نسخ ولصق ذات الرسالة الخاصة على شبكات التواصل.
لكن سيناريو المبيعات يخاطر بأن يبدو مخادعًا – خاصةً وظيفة النسخ واللصق. الحقيقة هي أن الشبكات لا تتعلق ببيع نفسك ؛ يتعلق الأمر بتكوين اتصال أولاً وقبل كل شيء.
#2 مفهوم خاطئ: المكاسب محور كل شيء
أصاب مؤلف كتاب (الأخذ والعطاء) بمقولته كبد الحقيقة؛ المقاصد هي كل شيء، وإذا كنت تتواصل سعيًا خلف المنافع (المادية/المعنوية) فحسب، فستعاني الأمريّن.
يسهل “إغوائنا” بفكرة الاستفادة ممِن نتواصل معهم. يركز الحديث حول التشبيك -إلى حد كبير- على أهميته لأعمالنا، فلا عجب أن نتعامل معه بهذا الأسلوب. لكنها، في الواقع، جريمة في حق أنفسنا!
في العالم الحقيقي، ستستاء إن علمت أن أحدهم يحاول كسب صداقتك لمنافع شخصية. فلماذا ننفي استياء الآخرين منّا في العالم الافتراضي إن عاملناهم بذات الطريقة؟
#3 مفهوم خاطئ: لا بدّ أن تكون مثيرًا للاهتمام
لا، لا يجب أن تكون مثيرًا للاهتمام، وإنما مهتمًا.
تنبثق مشكلتنا مع التشبيك من المبالغة في تركيزنا على ذواتنا. إذ نصرف طاقة ووقت عظيمين في التوجّس حيال كيفية تعاملنا مع الآخر: هل عرضنا متماسك؟ هل نرتدي ملابس تليق بالمقابلة؟ هل بالغنا في استخدام علامات التعجب في التواصل؟
لكن في خضم الاهتمام بهذه التفاصيل الصغيرة، ننسى العامل الأكثر أهمية: الاهتمام بالشخص الآخر.
يقول مؤلف كتاب فن الإقناع: الفوز بلا ترهيب؛ بوب بورج:
“يُعدّ الاهتمام الحقيقي والمتطور بالشخص الآخر أعظم [مهارة شخصية]”
يمكن للناس بسهولة تمييز ما إذا كنت مهتمًا بما سيقولونه؛ هناك طاقة معينة في الاهتمام الصادق لا يمكن إدعائها.
حان الوقت لبناء علاقات حقيقية!
هل تصدّق أن 70% من فرص العمل غير موجودة على مواقع وتطبيقات التوظيف؟
لهذا يُعتبر التشبيك شديد الأهمية: عندما تمتلك علاقات واسعة ضمن مجالك، ستستفيد من الدعم والفرص والنصائح التي لا يعرفها معظم الناس.
إستراتيجية التشبيك الناجح #1: انسَ النصوص الجاهزة
يعود سبب نفورنا من التشبيك أو شعورنا بأنه مجرد “رسائل بيعية” لما ذكرته سابقًا: تعاملنا معه عبر (نصّ مُعد مسبقًا)، ثم إرساله إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص.
“مرحبًا، أتمنى أن تكون بخير! أردت فقط التواصل وتقديم نفسي: أنا [فلان] – [المنصب] في [شركة كذا]، وأتطلع إلى تكوين علاقات جديدة مع العاملين في المجال. هل أنت مهتم؟”
يمكن لأي شخص معرفة ما تحاول فعله هنا، وستبدو كمندوب مبيعات في أنظار الجميع.
ما يُفترض بك فعله حقًا، قبل التواصل أصلًا، تشكيل روابط حقيقية مع الشخص: ما المشترك بينكما؟ ما المشروع الذي يعمل عليه؟ ما القيم التي يبدو أنه يوليها اهتمامه؟
يجب أن تتكون شبكتك من أشخاص تحترمهم وتعجب بهم حقًا ويلهمك عملهم.
إستراتيجية التشبيك الناجح #2: استعد للالتزام
يستغرق بناء علاقة ثرية وقتًا، أنت بحاجة إلى بناء الثقة المتبادلة.
تشير الدراسات إلى أن توطيد العلاقة مع الشخص يستغرق حوالي سبعة أشهر (يستغرق فقدان الثقة جزءًا من الثانية، لذا ضع ذلك في الاعتبار أيضًا!)
هذا يعني أنك -عندما يتعلق الأمر بالتشبيك- تلعب لعبة طويلة الأمد. وللتذكير، من مصلحتك أن تتواصل مع الذين تتناغم معهم بصدق، لأنك تبني علاقة حقيقية (لا تبحث عن حل سريع).
إستراتيجية التشبيك الناجح #3: اسعَ للعطاء
دعونا نعكس المعادلة؛ ماذا لو كنت ستتعامل مع التشبيك بعقلية “ما الذي يجب أن أقدمه“؟
عندما تتواصل بنيّة العطاء، فستشعر بالانعتاق على نحو عجيب. اعرف قيمتك وحدود تجربتك، وابحث عن الذين يمكنهم الاستفادة من التواصل معك؛ يفتح فعل العطاء الخالص-في أحايين كثيرة- مستوى جديدًا من الفرص.
بالعودة إلى الإستراتيجية الثانية، ليس ثمّة طريقة أفضل لبناء الثقة من العطاء قبل الأخذ. ستقول أفعالك: لست هنا لأربح، أنا هنا للتواصل.
إستراتيجية التشبيك الناجح #4: كن غير تقليدي
لن تجد كتابًا عن التشبيك، ومع ذلك فجميعنا يتصرف كما لو أننا ملزمون بعادات أو آداب معينة؛ ليس عليك الاقتصار على لينكدإن (رغم كونه مكان رائع للبدء).
تابعهم على شبكات التواصل الاجتماعي للبقاء على اطلاع بأحدث إنجازاتهم. اترك تعليقًا -غير رسمي- على قصة تضمنها أحد منشوراتهم.
تحدث بلغة الشخص الذي تود التشبيك معه، ولكن الأهم من ذلك كله: دع شخصيتك الحقيقية تتألق. هل أنت شخص تحب الاقتضاب؟ لتكن رسائلك مقتضبة. هل تملك حسّ دعابة؟ القِ نكتة أو اثنتين ببساطة.
ختامًا
عندما يتعلق الأمر بالتشبيك، فأنا من أشد المؤمنين بتكوين علاقات صادقة وحقيقية، لا علاقات ربحية. أحب فكرة بناء شبكة هدفها مقابلة الناس وتوسيع معرفتك بالعالم.
أعلم من تجربتي الشخصية أن حفاظك على أصالتك هو أعظم أسلحتك. إن الاهتمام بالآخرين هو تذكرتك للنجاح.
أعجبني جدا سردك المنمق للأفكار والبحث وراء الأهداف المتميزة مثل فكرة جعل التواصل الإنساني يعود إلى مصداقيته بعيدا عن زيف السوشيال ميديا وميكافيلية المصالح التي أغرقتنا ففقدنا ضميرنا الإنساني ونقاء روحنا البشريه أحسنت استاذي في عرضك وسردك
دعمك يعني ليّ الكثير آ. هناء 🌺
بوركت كلماتك 💫
أصبت الحقيقى يباش مهندس أصبح مفهوم بناء علاقات حقيقية هو السائد الأن سواء في التسويق أو الترابط عبر النت, فما يمر سريعا لا بترك أثر.
أعجبتني عبارتك د. عمرو 🥰
النواة قبل العلاقة، و الجوهر و المحتوى هو الأساس، أعجبني محتوى وفكرة التدوينه أخي طارق
سُعدت جدًا بزيارتك أخي يزيد 🥳 .. لعلمك، أنا من أشدّ المُعجبين بتدويناتك 😍