كان من دواعي سروري خلال مسيرتي المهنية –الحديث هنا لرائد الأعمال سكوت جي كلاري Scott D. Clary– العمل والتحدث مع أشخاص ناجحين؛ مَمن يحتلون مكانة جيدة، وتتدفق عليهم أنهار العائدات حيث يُدير أعمالهم فريق عمل قوي، في حين يتمتعون همّ بوقت فراغٍ كافٍ للإجابة على اسئلتي.
قد تظن أنهم تدربوا على سرد قصة نجاحهم، وجعلوها بعنوان (رحلتي من الإفلاس إلى الثراء). لكن لم يكن هذا حال مَن ألتقيتهم؛ لم يفتح الروّاد -في معظم الصناعات- أعينهم ذات يوم على منتج مثالي حوّلهم إلى عظماء، وإنما امتلكوا شجاعة اختبار شيء ما والذكاء الكافي للتعلم من فشل النسخة الأولى [الحتميّ].
يعيش كُثر أسرى التردد عند تجربة أي شيء على الإطلاق. “أوه ، هذا لن ينجح أبدًا.” “كيف سأبدأ حتى؟” “لا أعرف ما يكفي عن _____!” حسنًا ، هل تعرف مَن لا أحظى معه بمقابلة؟ شخص لم يحاول قط.
[قبل إجراء مقابلة العمل: لماذا يُعد أفضل المرشحين للوظائف أعظمهم روايةً للقصص؟]
علاقة الأشخاص الناجحين بالكمال
خرافة الكمال ?
نعلم أن الكمال لله وحده. ولا يمكنك الوصول إليه أبدًا -مهما سعيت- وبالتأكيد لا ينبغي أن يعيقك. إذًا، لمَ نُلزم أنفسنا به؟
بات مفهوم الكمال عدوًا للابتكار، ما أدى بالمبتكرين ورجال الأعمال القلقين للمراوحة في أماكنهم. ربما كان الانتقاد مخيفًا، والفشل المالي مرعبًا! لكن القلق منهما يخبو خلال عملية التحسين (وإن كان لا يختفي نهائيًا).
معايير غير واقعية
لنكن واضحين: لم يصل مارك زوكربيرج بميتا (فيسبوك سابقًا) لقيمتها السوقية البالغة 500 مليار دولار أيام الكلية، رغم أنه ما بدا عليه الأمر في فيلم الشبكة الاجتماعية The Social Network.
العبرة التي يجب أخذها من الفيلم، عدا ألا تكون وغدًا، أن كل نجاحه مردّه امتلاك الشجاعة لإطلاق شيء ما. فإن امتلكت فكرة، فأطرحها على الملأ؛ لا تنتظر حتى تتطور، فسيأتي ذلك لاحقًا.
الكمال باعتباره عائقًا
في سعينا نحو الكمال، سرعان ما نصاب بالشلل، ونغدو عاجزين عن تحمل المخاطر اللازمة وصنع الطفرات التي تصل بنا نحو الريادة والابتكار.
إليك كيف يمكن أن يتجلى ذلك:
شلل التحليل
يمكن أن يصل بنا التفكير الزائد في كل قرار والبحث المستمر عن المعلومات إلى التقاعس عن العمل. قد يعلَق الساعون نحو الكمال في حلقة مفرغة، ويفقدون الثقة الكفيلة بمضيهم قدمًا.
الفرص الضائعة
أثناء انتظار اللحظة المثالية أو فكرة المنتج المثالي، قد يغتنم المنافسون الفرصة لإطلاق إصداراتهم غير الكاملة، واكتساب حصة في السوق (قبل أن تضع قدمك فيه!).
الاستنزاف والتوتر
قد يؤثر الضغط المستمر لتحقيق الكمال على الصحة النفسية إلى حدٍ كبير، مما يؤدي إلى الاستنزاف “Burnout” وتراجع الإنتاجية.
[كيف ننقذ فترة الانتباه “Attention Span” من وحش المُشتتات؟ ?]
خنق الإبداع
يكبح السعي إلى الكمال قدرة المرء على التجريب والتفكير خارج الصندوق (بل وربما داخله!). وإن أحجم المرء عن مشاركة الأفكار غير الجاهزة أو المجنونة، فسيشهد العالم انحدارًا رهيبًا في الابتكار!
أنا من أشد المؤمنين بأن التجريب والتعلم من أخطائك أفضل ألف مرة من شلل الخوف من العيوب.
قوة الإحساس بالضعف والأصالة
أعود لحديث بيرين براون Brené Brown التاريخي في تيد بين الفينة والأخرى (وأعتقد أن ذاك ينطبق على الآلاف، كما تشير مشاهدات الفيديو المليونية).
تستعرض “براون” في الفيديو فكرة النقص وكيف يمكن للذين يتبنونها البدء في التغلب على العار والضعف الذي يشعرون به.
لكن أكثر ما يلفت نظري هو تعريفها الأصلي للشجاعة:
للفكرة الهائلة عند تطبيقها على عالم الشركات؛ إن تقدّم (نفسك/أفكارك/منتجاتك غير الكاملة) الأصلية للعالم، غير متناسيًا أنها قد -بل تأكد من كونها- ستُدان أو تُنتقد!
عوض الاختباء خلف (واجهة الكمال)، يتيح لك إحساسك بالضِعف والأصالة التواصل بصدق مع جمهورك/عملائك/مستثمريك.
? هنا، أودّ تقديم خالص آيات الشكر والامتنان للصديق مصطفى حكيم (Moustafa Hakim) ?
احتضن أخطائك ??♂️
حين تُدرك أن الأخطاء جزء لا يتجزأ من تطورك، فستجني ثمار التعلم والتكيف مع التحديات الجديدة. لنتأمل معًا فوائد احتضان النقص في العمل والحياة الشخصية.
تسريع نضجك
الأخطاء والإخفاقات والانتكاسات، جميعها تجارب تعليمية قيمة يمكنها تسريع نضجك بشرط استعدادك لاحتضانها. عندما تحلل الخطأ الذي ارتكبته، تكتسب رؤى مهمة تمكنك من “رفع مستوى” وتجنب المزالق المماثلة مستقبلًا.
يقودك تكرار التعلم من أخطائك لنمو وتطور شخصي ومهني مستمرين.
تأجيج روح الابتكار
غالبًا ما ينبع الابتكار من التجربة والخطأ والاستعداد للمخاطرة. يؤمّن تقبّلك النقص وعدم الكمال بيئة مثالية يزدهر فيها الإبداع و تتطور -خلال العملية- ذهنية تعزيز التجريب.
قد يؤدي ذلك لأفكار/منتجات/خدمات رائدة حقًا، ما كانت لتظهر لولا تغلّبك على خوفك من الفشل.
بناء المرونة
وأقصد بالمرونة -هنا- القدرة على التعافي من الانتكاسات والاستمرار في المضي قدمًا على الرغم من الشدائد. فعلى غرار صدفة السلحفاة المتصلبة لحمايتها من أشعة الشمس الحارقة ومناقير المفترسِات الحادة، يبني التعلم من الأخطاء ثبات عقلي “Mental fortitude” تصبح خلاله أكثر ارتياحًا لفكرة الفشل وأقل خوفًا من المجهول.
كيف تتقبل الفشل وتتعلم منه ?
مررنا جميعًا بمواقف سارت خلالها الأمور عكس المُخطط لها، تاركةً إيانا مع شعور بالضياع. ولكن عوض استغراقنا في تأمل العقبة من كافة جوانبها، ما رأيك لو تحدثنا عن قبول الفشل وتحويله إلى تجربة تعليمية قوية؟
غيّر منظورك: لم تكن تلك هزيمة، بل درسًا
قبل أي شيء، لا بدّ أن نغيّر طريقة تفكيرنا؛ فعوض اعتبار إخفاقاتنا نهاية العالم، نراها دروسًا قيمة تساعدنا على النضج.
تذكر، لا أحد مثالي، ولكل قصة نجاح عظيمة نصيبها العادل من المطبات على طول الطريق. لذلك، في المرة القادمة التي تواجه فيها كبوة، خذ نفسًا عميقًا وذكّر نفسك بأنها مجرد فرصة أخرى للتعلم والتطوّر.
التقييم البَعدي: تشريح جثة الفشل
مع وجود العقلية الصحيحة، يحين وقت الشروع في العمل وتشريح إخفاقاتنا. يتضمن ذلك إلقاء نظرة “صادقة” على الزلّة، وسبب حدوثها، وما يمكن فعله لتجنب تكرارها.
لا تخشى طرح أسئلة قاسية على نفسك؛ كن صادقًا إلى أبعد حد بإجاباتك. ربما كانت العملية غير مريحة، لكنها تستحق العناء.
حلقات التقييم: التحسين المستمر من خلال التعاون
أخيرًا، دعنا لا ننسى أهمية تقييم الآخرين. سواء كانوا زملاء أو عملاء أو مُرشدين، قد توفّر المدخلات الخارجية رؤى قيمة (ربما فاتتك).
ابنِ حلقة تقييم “Feedback loop” عبر سعيك جاهدًا خلف الآراء والمشورة، ثم استخدم هذه المعلومات لتكرار وتحسين منهجيتك.
الانطلاقة الواثقة: احتضان قوة المنتجات غير الكاملة ➿
الآن، أنت جاهز لاتخاذ الخطوة الأولى وإطلاق منتجك/خدمتك [غير المثالية]. صدقني، ذاك رائع! فهو جزء من عملية الابتكار. وسأتشارك معك بعض الاستراتيجيات التي تساهم برفع ثقتك بنفسك عند إطلاق إبداعك للعالم.
بسّطه لأقصى حدّ
أصغر منتج قيّم (MVP) هو نسخة مجردة من منتجك مع ميزات كافية لإرضاء المختبرين الأوائل وجمع التعليقات القيّمة. ويعدّ إطلاقه أسلوبًا رائعًا لمعرفة المزيد عن جمهورك وتحسين عروضك بناءً على مدخلات العالم الحقيقي.
اسعى خلف التقييمات الحقيقية
اختبار المستخدم هو سلاحك السري في معركة نجاح المنتج. وعبر وضع أصغر منتج قيّم MVP بين أيدي مستخدمين حقيقيين، ستحصل على رؤى -لا تقدّر بثمن- حول ما ينفع وغير المُجدي. ستساعدك هذه التقييمات على تطوير وتحسين منتجك، ما يضمن وجودك على المسار الصحيح وتلبية احتياجات جمهورك.
مصفوفة (التحويل ↪️ أو المثابرة ⏪)
تعد مصفوفة التحويل أو المثابرة “Pivot-Persevere Matrix” أداة بسيطة تساعدك في تحديد ما إذا كان الوقت قد حان للتخليّ عن الفكرة (التحويل) أو الاستمرار في تطويرها (المثابرة) في إستراتيجية المنتج الحالية.
وإليك آلية عملها:
تفاعل كبير + تعليقات إيجابية: أنت على الطريق الصحيح! استمر في المضي قدمًا وتحسين منتجك بناءً على تعليقات المستخدمين.
تفاعل كبير + ملاحظات سلبية: يتفاعل المستخدمون مع منتجك، لكن تشعر بوجود خطبٍ ما! ألق نظرة على التعليقات وفكر في التعديلات التي تحلّ الإشكاليات المُثارة.
تفاعل قليل + ملاحظات إيجابية: يعجب المستخدمون بمنتجك، لكن التفاعل غير مُرضٍ. قيّم ميّزات منتجك وحاول تضخيمها لزيادة الاهتمام والتفاعل.
تفاعل قليل + ملاحظات سلبية: حان وقت الانسحاب إذًا! أعد تقييم عرض القيمة الأساسية لمنتجك واستكشف توجهك الجديد (بناءً على تعليقات المستخدمين وأبحاث السوق).
لا شكّ أن الفارق بين كل قرار ضئيل للغاية، ومع ذلك سيمنحك أساسًا جيدًا لبدء تقييم ميزاتك لمعرفة ما إذا كان يجب أن تستمر أو تتوقف.
خاتمة صعبة! ?
يمكنني طرح أي عدد من المقولات الملهمة لإنهاء التدوينة. لكنك تعرفها بالفعل:
- الحظ في الحياة هو نقطة الالتقاء بين التحضير الجيد والفرص التي تمر.
- صوب نحو القمر؛ حتى لو أخطأت. فسيقع سهمك بين النجوم.
ومع ذلك، وددت تذكيرك بها، لأنك ربما -وأقول ربما- تظن أنك بحاجة إلى بناء خطة كبرى قبل تجربة أي شيء. والأمر أبسط من ذلك بكثير!
جرّب وارتكب الأخطاء. كسر الاشياء. وتقبّل (العادي) طالما أنه نقطة بداية فحسب. لن تبلغ الكمال مهما حاولت، لذا لا تتقاعس رجاءً.
وأخيرًا، هل تُحب هذا النوع من التدوينات؟ أخبرني رأيك في التعليقات [سلبيًا كان أم إيجابيًا?]