أشرت في نهاية التدوينة السابقة لمسابقة في أدب اليافعين، وأثناء تصفحي لإحدى المدونات (سأُشير إليها في آخر التدوينة)، أستوقفتني فقرة لطيفة:
التقيت أثناء ذلك زميلاً كانت له علاقة بعمليات الدار الناشرة، المؤسسة العربية الحديثة للطباعة والنشر. قال بأن الدار تطبع من العدد الواحد مئة وخمسين ألف نسخة. ١٥٠ ألف. هل تتصور كل هذه الخيرات توزّع على مدار السنة لكل المدن العربية، ولمن.. للفتيّة التوينز والمراهقين؟
وهكذا، قررت الحديث عن الصنف الأدبي الأكثر مظلومية: أدب اليافعين.
أثناء كتابة رواية سياحة إجبارية، سيطرت عليّ فكرة نقل تساؤلاتي الوجودية إلى حيّز الوجود ذاته. لذا، لم يكن مستغربًا أن يكون بطل الرواية (والذي يحمل اسمي) يُقاربني في السنّ والاهتمامات. ولكن هل كان اختياري لفكرة الرواية موفقًا؟
في الواقع، لا!
حين يتحدث الروائي عن مرحلة ما من حياته، ويعيشها في الوقت ذاته، فهو بذلك يفقد أهمّ عنصر من عناصر الرواية الواقعية: الحياد. لم تكن تجربتي الروائية الأولى -إن صحّت التسمية- محايدة في طرحها، فقد مزجت من خلالها بين مخاوفي وشذرات أفكاري وأحلامي العالقة في مرحلة المراهقة. ورغم اعتمادها فكرة (الرواي) لكن ذاك الرواي كان منغمسًا في رؤية بطل الرواية حدّ النخاع!
لماذا أنتقد بنت أفكاري الأولى بهذا الشكل؟
في الواقع، حين أجريت أبحاثي حول أدب اليافعين، اكتشفت أن حاله لا يسرّ صديقًا ولا عدوًا.
تشير المترجمة السورية بثينة الإبراهيم إلى أن أدب اليافعين في العالم العربي فقير جدًا، وتصف تجربتها “بالمغامرة” التي نحتاج مثيلاتها لاسترجاع أهم شيئين أخذتهما التقنية: القيم والخيال.
جميل، لكن ما علاقة ذلك بيّ؟
أنعش الحديث حول أدب اليافعين ذاكرتي، حين كنت أحلم بتقديم خلاصة تجربتي مع الثانوية العامة لقراء مدونتي الشخصية الأولى (بقعة حياة). أذكر جيدًا أنني تحدثت مع صديقي آنذاك -والذي كان يؤمن بيّ جدًا ككاتب- حول أمنية حياتي: أن أنشر تدوينة توعوية اليوم، فيمتثل القراء من الطلاب بتعليماتي في اليوم التالي!
مضى على ذلك قرابة 10 سنوات، وأظن الوقت قد بات مناسبًا لخطوة كهذه، إنما بأسلوبٍ آخر. علينا ألّا ننسى أن السنوات العشر الماضية حملت العديد من القفزات النوعية على صعيد وعي المراهقين، وكان من أبرز أسباب ذلك: الانفتاح على الثقافات الأخرى، والذي سيجعل من سلسلة نصائحي أشبه بصرخة من داخل بئرٍ مهجور.
لحُسن الحظ، لا تزال مخاوف وآمال المراهقين/اليافعين ذاتها، وذلك لارتباطها بالهرمونات والتي لم تتمكن التقنية -بعد- من اختراقها. وهذه هي الثغرة التي يمكننا النفاذ منها.
ما أحاول قوله هنا: إن توجيه جهودي نحو الكتابة لليافعين ربما يُجدي نفعًا، وهو أفضل ألف مرة من محاولتي توثيق المرحلة الراهنة عبر رواية.
لن أجرؤ على الزعم بأنها ستكون مهمة سهلة. خاصةً وأننا نتعامل مع فئة عمرية ذكية للغاية، وفي ذات الوقت هم يبحثون عن الكثير من الرومانسية.
تقول الروائية رانية حسين أمين، صاحبة رواية “صراخ خلف الأبواب” والفائزة بجائزة العام 2016 لفئة كتب اليافعين:
اليافعون بحاجة للقراءة أكثر عما يشغل بالهم: ألا وهو الحب والعلاقات العاطفية إلا أنه غير مسموح لنا، ككتاب، الاقتراب من تلك المنطقة (أو على الأقل ليس بوسعنا أن نكون واقعيين وصادقين كما ينبغي أن نكون أو كما نود أن نكون).
على الطرف الآخر، تزداد المهمة صعوبة في وجود ذاك الكمّ الهائل من الروايات التجارية، التي تحرص على إشباع الغرائز في المقام الأول، فمن تُراه سيُشده أمام حُبٍ عُذري؟!
على أيّة حال، سأبذل قصارى جهدي، فإن فزت.. فبها ونعمت، وإلا.. فكنت قد اعتزمت نشرها على شكل أجزء ضمن منصة رقيم لصناعة المحتوى العربي، خاصةً بعد إطلاقها خاصية المقالات المدفوعة
اُستلهمت هذه التدوينة بعد قراءة سرّي جداً: عندما يرتعب دراكيولا
قبل أن أختم التدوينة، أودّ أن آخذ من أوقاتكم الثمينة دقائق معدودات، وأدعوكم لقراءة مراجعة رواية ثاني اوكسيد الحب ودعم الكاتبة (والمدوِنة على حدٍ سواء) بشراء نسخة من الرواية عن طريق الرابط في آخر تدوينتها.
أمرٌ آخر وأخير: هل سمعتم عن رواية “إيفيانا بسكال“؟
معك حق الساحة الآن خالية ممن يكتب بمجال أدب اليافعين بعد أن مات أحمد خالد توفيق رحمه الله وتوقف نبيل فاروق وغيره عن الكتابة .. الكتابة في هذا المجال تشكل تحدياً فعلاً ولكن مهما فعلت الروايات التجارية وكتابها الذي يستعمل أغلبهم طرقاً رخيصة في الانتشار تبقى الروايات التي تحوي عواطف سامية لها مكانتها .. بالتوفيق إن شاء الله.
هل يمكن أن نُسميها فقيرة عوضًا عن خالية؟🤔
فهناك أسماء رائعة تكتب مثل: فاطمة شرف الدين – نورة النومان – تغريد نجار وغيرهن
بصراحة لم أسمع عنهم من قبل .. بحثت في النت وقرأت عنهم في ويكيبيديا .. يبدو أنهن يكتبن بمجال أدب الطفل أكثر من اليافعين .. أي أن كتاباتهم ليست ككتابات أحمد خالد توفيق ونبيل فاروق .. مالفت نظري ما قالته نورة النومان أن قصص الخيال العلمي العربي للشباب شبه معدوم !! ماذا عن ملف المستقبل وغيرها !؟
ربما جاءت عبارة أ. نورة النومان نتيجة لمقارنتها بين أدب الخيال العلمي الذي يملئ أرففًا في مكتبات شهيرة عند الغربيين، وكتيبات الجيب لدينا
ربما .. ولكن هل يا ترى ما كتبته جعل أدب الخيال العلمي العربي يساوي ما هو موجود في الغرب ؟ 🙂
قطعًا لا! لكننا جميعًا نسعى.