غالبًا ما يكون سؤالنا عن المهنة السؤال الأول الذي نطرحه عندما نلتقي بشخص جديد. بتنا نعتبر كيفية كسب المال اختصارًا لما نحن عليه؛ أصبحت سبل عيشنا حياتنا.
على مدى العقود القليلة الماضية، طغى العمل على الإيمان والأصدقاء باعتباره مصدر للمعنى بالنسبة للكثيرين. عندما سُئل أمريكيين عما يمنحهم معنى لحياتهم، بلغت نسبة الإجابة بـ”العمل الذي أحبه” ضعف “شريك/شريكة حياتي”!
وجدت دراسة أخرى أن 95% من المراهقين الأمريكيين -المراهقين!- اعتبروا الحصول على مسيرة مهنية أو وظيفة يتمتعون بها “أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لهم كبالغين“. احتل التمتّع بمهنة مُرضية مرتبة أعلى من أي شيء آخر بما في ذلك كسب المال!
لا يقتصر الهوس بالعمل على الولايات المتحدة بالتأكيد. إذ لا يعرف الانشغال -في عالم تتزايد فيه العولمة- حدودًا. وعلى غرار “بيج ماك Big Macs” و”جينز ليفي Levi’s jeans” تُعد ثقافة العمل الأمريكية وأنظمة الإدارة صادرات ثقافية للعالم أجمع.
بالنسبة لذوي الياقات البيضاء “White Collars”، أصبحت الوظائف أشبه بالهوية الدينية: علاوة على الراتب، فهي تُشبع الحاجة إلى المعنى والمكانة الاجتماعية والشعور بالغاية من الحياة.
أطلق الصحفي (ديريك طومسون Derek Thompson) على هذه الظاهرة الجديدة اسم “العملويّة ? Workism“.
يبحث العامل عن معنى من عمله بكيفية مشابهة لبحث المتدين عن معنى من عقيدته. تتجلى العملويّة أوضح بين رواد الأعمال، حيث يربطون -غالبًا- بين قيمتهم الذاتية وإنجازاتهم المهنية.
عن العملويّة: عبادة العمل الذي أحبه
وفقًا لطومسون، تعدّ ظاهرة [العملويّة] جديدة نسبيًا. على مدار القرن العشرين، تطور العمل من (واجب) إلى (منزلة) إلى (وسيلة لتحقيق الذات).
يخبرنا الكاتب /سيمون ستولزوف Simone Stolzoff/ في كتابه الوظيفة الملائمة: استعادة الحياة من العمل كيف يروي تاريخ عائلته هذا التطور:
فهم البديهيات على المستوى الفكري يختلف عن استيعاب رسالتها
الرغبة في البحث عن العمل الذي أحبه وأحقق من خلاله ذاتي منطقية. بعد كل شيء، نحن نعمل أكثر من أي شيء آخر. هناك ميل طبيعي لرؤية شركتك على أنها انعكاس لك، خاصة بالنسبة إلى رواد الأعمال “المنغمسين تمامًا في اللعبة”. لكن دمج هويتك مع وظيفتك أمر محفوف بالمخاطر، كما تعلّم الكثيرون في السنوات القليلة الماضية.
الإشكالية أن وظيفتك قد لا تكون موجودة دائمًا. إذا كان العمل الذي أحبه يشكّل هويتي، ثم فقدته، فماذا بقي؟ كما تعلم الكثير من العاملين في صناعة التكنولوجيا في الأشهر القليلة الماضية، فإن ربط إحساسك بالذات بوظيفة أو شركة هو لعبة محفوفة بالمخاطر.
التسريح ليس الخوف الوحيد
عندما تخلط بين هويتك وبين ما تفعله، فقد تفوتك جوانب أخرى ذات مغزى من الحياة. أُجبر العديد من المهنيين على مواجهة هذا أثناء الوباء، عندما انقلبت طرق العمل المعتادة رأسًا على عقب.
يُظهر البحث أنه عندما نطور عواطف واهتمامات وهويات متعددة، فإننا لا نصبح بشرًا أكثر تنوعًا فحسب، بل -ويا للمفارقة!- نتحسن في العمل أيضًا. الأشخاص ذوو التعقيد الذاتي الأكبر هم أكثر مرونة في مواجهة الشدائد، وأكثر إبداعًا في حل المشكلات.
إن ربط قيمتك الذاتية بوظيفة ما هو أن تضع مصيرك في يد كيان لن يكون قادرًا دائمًا على إعادتك إليك. ولكن عندما ترى عملك كواحد من بين العديد من الجوانب التي تشكل هويتك، يمكنك أن ترى وظيفتك على حقيقتها: أسلوب كسب لقمة العيش، لا محور حياتك.