اطلب منيّ الكتابة بأي موضوع، وستجدني قادرًا على إبهارك (أو امتاعك على الاقل!).
اطلب منيّ الكتابة في مدونتي، وستجدني مُصابًا بشللٍ فكري!
لا تسألني عن السبب، لكن كلما فتحت صفحة بيضاء في مدونتي، وجدتني عاجزًا عن كتابة حرفٍ فيها. ولأكون صادقًا، كان الأمر أسهل في الماضي (حين كنت أكتب تحت اسمٍ مستعار)، لكن الكتابة باسمي -وفي مدونتي الشخصية- يُحملني عبئًا غريبًا.
على كل حال، لندخل في صلب الموضوع..
استمتعت منذ قليل بالحلقة #49 من بودكاست يونس توك، حيث أجاب فيها المدّون الرائع يونس بن عمارة عن سلسلة من الاسئلة المتعلقة بصناعة المحتوى. وكان أحدها ما عنونّت به تدوينتي اليوم.
هل يمكن لكتابة المحتوى أن تكون ذات مردودية لا بأس بها؟
كانت إجابة أ. يونس على السؤال السابق، متضمنةً ضرب حالتي كمثال (لك كل الحُب عزيزي يونس)، ولهذا أردت الاستفاضة لأهمية السؤال من جهة، وعلّ الإجابة تصل صاحب السؤال من جهة أخرى.
الإجابة هي: لا! فكتابة المحتوى تدّر ذهبًا.. لا مجرد “مردود لا بأس به”. لكن بشرط: أن تؤجل رغبتك بتحقيق ذاك المردود.
أعلم أنها عبارة مُستهلكة، لكنها الحقيقة يا صديقي. ما رأيك أن نتحدث بشكلٍ عملي؟
من 0.8$ …
ما يميّز مجال (صناعة المحتوى) عن باقي المجالات هو: سهولة الانخراط فيه.
ففي حين يحتاج أحدنا لشهور -وربما سنوات- حتى يُتقن التصميم الجرافيكي أو برمجة مواقع الانترنيت، لا يتطلب بدءك في مجال الكتابة أكثر من لوحة مفاتيح وبعض الثقة بالنفس.
ربما يجد بعض الغيورين على (الصناعة) ما سبق عيبًا، فالكل يسأل: “كيف ابدأ مدونة؟ كيف أكتب مقالة تُبهر القراء؟ كيف أكسب من كتاباتي؟” وكأن الكتابة حِرفة من لا حرفة له!
حسنًا، على العكس من المذكورين الأفاضل، أجد أن في الأمر ميزة: فالبدر لا يفقد سحره وإن كثرت النجوم.. دعهم يجربون..
ربما يتساهل المستقلون حديثًا (هذا تعبير جيد!) بمجال الكتابة، أما أصحاب المشاريع والشركات..فلا!
لذا، فحتى لو حاول المذكورون أولًا “تحطيم سعر السوق”، فللجودة كلمتها الأخيرة.
بالعودة إلى العنوان، كان هذا المبلغ الذي أتقاضاه لقاء مقالة من 500 كلمة. كان ذلك منذ 3 سنوات تقريبًا (حال السوق مختلف الآن). كنت أعتقد أن عليّ “تخفيض” سعري “لأكسب” العميل. لأكتشف لاحقًا أنني لم أخفض سعري فحسب.. بل بخّست قيمة عملي أيضًا!
دعنا ننظر للأمر من ناحية مختلفة: الكتابة عمل إبداعي، وقطعة المحتوى التي نقدّمها هي “تحفة” فنية، هذا يعني أننا -معشر الكُتّاب والمدونين- لا نبيع ذات المنتج وإن تشابهت الأسماء (قطعة محتوى). وشتّان ما بين (الجوكاندا) و(المساحة الارتكازية) علمًا بأن كلتيهما تُسميان (لوحات).
وريثما أدركت ذلك، كنت قد خضت العديد من التجارب الكتابية التي شحذت قلمي ليكتب أفضل. بعض أصحاب المشاريع لاحظوا بذرة الموهبة داخلي، فنّموها من خلال ملاحظاتهم وإرشاداتهم (جزاهم الله خيرًا).
أول نقلة نوعية شهدتها كانت مع منصة استكتب، وهي لمن لا يعرفها: أول منصة لصنّاع المحتوى النصي المستقلين في العالم العربي. والتي ما إن سجّلت فيها حتى وصلني عرض عمل يطلب فيه صاحبه ترجمة فيديو من 5 دقائق، والميزانية 20$!
لم يكن في الأمر أي مزحة، لكن القدر هو من مَزح معي آنذاك: حيث ترافق طلبه مع تعسّر ولادة زوجتي -الحمد لله على كل حال- وهذا ما وضعني أمام خيارٍ قاسٍ: أن أتناسى الطلب وأهتم بزوجتي وهدية الله الرائعة.
لكنني فكرت: لما لا أُراسل صاحب المشروع وأخبره بظروفي، وأترك خيار الاستمرار معي من عدمه لذاك الشخص الرائع.
وبفضلٍ من الله، تفهّم صديقنا ظروفي ومدد ليّ موعد التسليم بضعة أيامٍ إضافية. إلى أن سلّمته المشروع كما يُحب ويشتهي.
تعلّمت من هذه التجربة درسين مهمين:
1) الصدق أساس التعامل.
2) عملي يستحق أكثر مما ثمّنته به!
وهكذا، أعدت تقييم عملائي، فأبقيت على منّ قَبل سعر الترجمة الجديد (8$ لكل 1000 كلمة)، واعتذرت ممّن وجده مبالغًا به.
ومع كل تعامل جديد، كنت اكتشف أسواقًا جديدة.. عملاء جُدد.. وبتّ قادرًا على التفريق بين (العاميّ) و(الاختصاصي) في مجال صناعة المحتوى.
… إلى ∞
أرجوك، اقرأ هذا الجزء بتركيز أكبر. فهو يتضمن الخلاصة بأسرها.
إن سألتني: ما هي أفضل منصة للعمل المستقل عربيًا لتحقيق دخل محترم؟ فسأجيبك: لا يوجد شيء كهذا!
فمنصات العمل الحرّ تصلح للبدايات فحسب، لتتعرف على المجال.. باختصار: للتعلم فحسب.
أما إن كنت تودّ (الاستقلال) فعلًا، فلا بدّ أن تشقّ طريقك بنفسك. كيف؟
الخطوة#1 : أن تمتلك مدونتك الخاصة (وعلى دومين مدفوع)
أعلم أن البعض يراها خطوة غير ضرورية، وقد ينصحك بأن تبدأ بمدونة مجانية، أو تكتفي بالنشر على منصات الكتابة الجماعية مثل (كلامكو – أموالي – زِد وغيرها). ولأكون منصفًا، فالنشر في منصات الكتابة هو خيار جيد. لكن من وجهة نظري -التي تحتمل الصواب والخطأ- يبقى للمدونة الشخصية تأثيرها الخاص.
معلومة شخصية خارج السياق تمامًا:
كثيرًا ما أصادف مسابقات أدبية، وأرغب بشدّة في المشاركة. لكن ما إن أجد عنوان البريد الإلكتروني -والمفترض أن تُرسل إليه المشاركات- مجانيًا. حتى أتراجع عن المشاركة، لماذا؟
لأنني اتسائل: إن كانوا عاجزين عن شراء نطاق مدفوع (لا تتجاوز قيمته 8$)، فكيف سأستأمنهم على مشاركتي؟ والسؤال الأبرز: كيف سيدفعون الجوائز المالية للفائزين!؟
معظم عملائي “اكتشفوني” عن طريق مدونتي
ثم يأتي من يقول: المدونة الشخصية غير مهمة!
لكن الحق يُقال، هناك من يُثلج قلبي بطلبٍ كهذا:
الخطوة #2: النشر على منصات الكتابة الجماعية
أعلم ما تفكر به: أنت تناقض ذاتك يا طارق!
صدقني، لا يُعقل أن أُمضي يومين في كتابة هذه التدوينة، ثم أناقض نفسي. “منصات الكتابة الجماعية مهمة، لكنها ليست بديلًا عن المدونة الشخصية” هذا ما أريد قوله باختصار.
إذًا، لما هي مهمة؟
لنفترض أنك هاوٍ لجمع التحف الفنية، ما هو أول مكان ستزوره لأقتناء واحدة؟ معرض فني، أليس كذلك؟
ينطبق الأمر ذاته على منصات الكتابة الجماعية، فالباحث عن قطع المحتوى الفريدة لن يبحث عنها إلا في تلك المنصات. هو يُدرك جيدًا -وبما أن معظمها لا يُقدم مقابلًا ماديًا عدا رقيم [أُغلق للأسف] طبعًا- أن ما سيجده هناك هو خيرة الكُتّاب والمدونين، ممن عشقوا الكتابة حتى لو اقتضى ذلك أن يُمارسوها دون مقابل.
اضف إلى ذلك، فتلك المنصات تضمّ داخلها مجتمعًا مفتوحًا لتبادل الخبرات والصداقات “المهنية”. صدّقني.. أنت بحاجة لتلك الأخيرة أكثر مما تتصور!
الخطوة #3: لا تُهادن.. لا تُفاصل
إن كنت تستمتع وتُتقن الكتابة فعلًا، فعاجلًا ما سيراسلك عميل مُحتمل، سيُبدي إعجابه بعملك، ثم سيسألك إن كنت مهتمًا بالتعامل معه.
أعلم أنها لحظة تاريخية بالنسبة لك (كما كانت -ولا زالت- بالنسبة ليّ)، لكن أرجوك! هدئ من روعك واقرأ الآتي:
قبل عامين، راسلني أحدهم، وأثنى على ما أقدّمه من محتوى هادف، وسألني ما إن كنت مهتمًا بتعاون طويل الأمد. حينها، احتفظت بلقطة شاشة Screenshot للرسالة قبل أن أرد عليه! ونهضت لتجهيز كوب شاي بالنعناع (المفضل لديّ)، ثم جلست لاكتب ردًا لم يرى مثله من قبل.
وعلى مدار أيام، استمرت الرسائل بيننا، إلى أن حانت اللحظة الحاسمة.. اللحظة التي يخاف منها كل مستقل مستجد: تحديد سعر العمل.
البديهي أن أضع سعري العادل، إن ناسبه.. كان بها، وإن وجده مرتفعًا.. فالرزق على الله.
لكنني أخبرته بالحرف الواحد: أنا أتقاضى 12$ لقاء الـ 1000 كلمة، ولكن بما أن العمل مستمر بيننا بإذن الله، سأمنحك تخفيضًا: 10$ لقاء الكلمات الألف.
إلى ما آل الأمر؟ وجدت نفسي أكتب تدوينات فريدة من نوعها، لقاء 7.5$ فقط لكلٍ منها!
بفضل الله ومنّه، لم يستمر المشروع لأكثر من شهرين (بمعدل تدوينة كل 3 أيام)، خسرت خلالها أكثر من عميلٍ محتمل بأجور أعلى!
لذا نصيحتي لك: مهما حدث.. أرجوك.. لا تحيد عن السعر الذي حددته.. أبدًا!
سيخبرك أنه وجد مستقلًا آخر يقدّم سعرًا أقل؟ ببساطة، تمنى لهما التوفيق!
وتذكر: أنت تقدّم (تُحفًا) ولا تبيع (بطاطا).
الخطوة #4: جرّب
الخطوة #5: محجوزة!
نعم، سأبقي هذه الفقرة محجوزة لك خصيصًا. حيث سأضع فيها سرّ نجاحك الذي ستشاركني إياه.
(لن تبخل عليّ بشيءٍ كهذا، صحيح؟)
في النهاية، هذا مجرد “مخفوق للكلمات“، لذا من الطبيعي أن تجد أفكاره متداخلة. لكن قراءته مرة ثانية -ومشاركته بالتأكيد- ستصنع الفرق في حياتك.
دمت رائعًا عزيزي القارئ،
لي الشرف أن أكون أول المعلقين على هذه التحفة الرائعة. وأدعو الله أن يجازيك خيرًا لأنك إنسان جميل لا يبخل بالمعارف وأستشرف أن جيلًا من المدونين والمدونات الجدد سيتخرجون على يديك مسترشدين بما تحبّره أناملك سلمها الله.
لماذا أجدك دائمًا تسبقني بخطوة!؟
تدوينتك جيدة جدا
شكرا لمشاركتك لنا إياها
تشرفت بزيارتك. وأرجو أن أكون عند حُسن الظن دومًا
مقال رائع مفصل ومفيد من القلب ياباش مهندس
تسلم أ. عمرو