سأتحدث عن نفسي، ولنتغاضى عن فكرة أنني لست كاتبًا أصلًا.
صادفت سؤالًا على كيورا بصياغة لم تُعجبني غرورًا: هل شعرت يوماً بأنك تسقط في عمق صمتك بحيث لا يمكنك البكاء ولا الكتابة ولا التحدث إلى الآخرين؟
فكرت للحظة أن أُجيب عليه من خلف حجاب: سواء أكان عن طريق إنشاء حساب باسم مستعار، أو بتدوينة في أي مكان لا يعرف فيه اسمي الحقيقي. ثم توقفت قليلًا مع ذاتي: ألم تتحدث عن سخريتك من كافة القوالب التي يحاول المجتمع زجّك داخلها؟ فلِما غيرت رأيك الآن وأصبحت تحرص على صورتك في أذهان الآخرين؟
وهكذا، قررت أن أجُيب على هذا السؤال في أكثر مكانٍ مُحبب إلى قلبي ومصدر علامتي التجارية الشخصية: هنا.
هل شعرت يوماً.. إلخ؟
لا، الأحرى بك إن سألتني عن مؤخرًا لأُجيبك بـ “نعم” كبيرة، بل ولفترة تبدو كالأزل بالنسبة ليّ!
دعنا نبدأ مع البكاء، لست من نمط الأشخاص الذين يخجلون من البكاء، ولا أفهم من يقومون بذلك في ذات الوقت الذي يحلمون فيه بالبكاء من خشية الله.
لذا، لن أخجل من قولي: أحتاج للبكاء فعلًا، لكن يبدو أن قلبي أقسى مما ظننت، أو ربما كانت قدرة روحي على التحمل أكبر مما ظننت.
لكن دعني اسألك: هل اختبرت يومًا شعور ألّا تتمكن الأحداث المؤسفة في الماضي من دفعك للبكاء؟
ننتقل إلى الكتابة، إن سبق وضبطتني أقول: أعاني من قفلة الكاتب، أرجوك تعال فأصرخ في وجهي: أنت كاذب!
فأنا لم ولن أعاني من قفلة الكاتب، فدفتر مسوداتي يتضمن أكثر من 10 أفكار لروايات وقصص قصيرة، وأعمل -ككاتب محتوى- مع 3 جهات تُطالبني كل منها بموضوعٍ مختلف لأتحدث عنه، تزخر صفحة (العناصر المحفوظة) في الفيس بوك لديّ بعشرات المسابقات والمبادرات وإعلانات لمنصات كتابة جديدة.
بعبارة أخرى، لو قررت البدء في أحد هذه المهام، فلن أنتهي منها قبل عام.
كل ما في الأمر، أن جميع دوافعي للكتابة سقطت صرعى أمام عدم اكتراثي بالعالم.
لم يتبقى أمامي سوى التحدث مع الآخرين،
في كل نشرة بريدية، يقدّم المدون يونس بن عمارة عرضه المُغري
ومع ذلك، لم أمتلك يومًا الجُرأة للاتصال به ومحادثته، أشعر أنني لو فعلت.. فستنقضي دقائق الاتصال في صمتٍ مُزعج، فلا أفكاري منظمة.. وليس لديّ ما أقوله سوى: لست على ما يُرام.. أنا مُرهق يا صديقي.
وإن سألني مما أنا مُرهق، فلن أمتلك إجابة.. ولو حتى كلمةً واحدة!
إذًا، لنبتعد عن طرق التعبير عن الذات، ونجرّب شيئًا آخر
تحدثت في تدوينة سابقة عن إحدى أفكاري المُحببة، إنشاء قناة لتعليم تصميم الألعاب على اليوتيوب. سيطرت عليّ الفكرة لفترة لا بأس بها، وحلمت -لعدة ليالٍ- بأنهار الأموال التي ستصبّ في جيبي.
اختفى ذلك كله.
وبالحديث عن الألعاب، هل تذكرون حديثي عن Just Cause 2؟ من الواضح أنني أدور في حلقة مفرغة.
انتهت التدوينة
في الواقع، حاولت الاستمرار في الكتابة بعد العبارة السابقة، ولما لم أجدّ ما أكتبه، قررت نشرها.. ولكن قبل ضغط زرّ النشر، حدّثت نفسي: طالما أنني لن أنشر سوى هذه التدوينة اليوم، فلماذا لا أدعها قليلًا؟ تركتها واستندت إلى ظهر الكرسي اتأمل نافذة المحرر وألسنة التبويب الكثيرة المفتوحة أمامي.
ليس هناك ما أفعله.. لما لا آخذ قيلولة؟
علاقتي مع النوم مُعقدة، فهو أقرب ليكون خصمي اللدود منه كصديق، أقاومه في أحايين كثيرة حتى أقترب من مرحلة الهلوسة، وألجئ إليه -أحيانًا- أكثر من مرة في اليوم ذاته.
لذا، لم يكن اتخاذي لقرار أخذ القيلولة سهلًا، لكنني اتخذته في النهاية، خاصةً وأنني أستيقظت صباحًا مع ألمٍ في أسناني (نتيجة جزيّ عليها.. دلالةً على نومٍ متوتر).
واستيقظت منذ قليل (الساعة تُشير إلى العاشرة والنصف)، عُدت إلى ألسنة التبويب لأجد تدوينة مفهوم الكفاية وضرورة تطبيقه في حياتك تشغل إحداها.
إن الأهداف جيدة، فهي تعطيك شيئاً تسعى نحوه لكن هذا لا يعني أن كل شيء سيحتاج إلى هدف، فبعض الأشياء تبقى جيدة مثلما هي وبالمدة التي تأخذها.
كلما أردت انجاز المزيد مما تريده ولم تستطع الوصول إلى ذلك فكل ما عليك القيام به هو إنجاز شيء قليل منه فقط لكي لا يضمحل ويحافظ على طَبيعته.
اقتباسات من التدوينة المذكورة
لحظة! هل هذا حقيقي؟ التدوينة قدّمت ليّ الدواء لما أعاني منه، من قال أن عليّ قتل نفسي سعيًا خلف الإنجاز حتى أشعر بقيمة حياتي؟ يكفي أنني أنجزت هذه التدوينة اليوم، عبّرت من خلالها عن مشاعري لأبدأ الغد من جديد.
الدافع للكتابة بالنسبة لي يا صديقي هو الكتابة بحد ذاتها .. نفس المتعة التي تجدها عند قراءة كتاب ما ولكن من زاوية مختلفة .. لا يوجد دافع للكتابة سوى الكتابة بحد ذاتها .. هذا أمر يجب أن تدعه ينبع من داخلك ولا تحاول التشويش عليه بأي شيء أو هاجس ما
ليتني تعرّفت إلى وجهة نظرك هذه من قبل، ربما كنت لأرتاح من هواجسي فعلًا
إنني لأدخر تدويناتك لألتهمها بنهم عندما أجوع فكريًا. سلمت الأنامل.
لا أصدّق أن تدويناتي دسمة فكريًا! لو كان الأمر كذلك، فبالله عليك.. بما نَصف إبداعاتك؟!