في العامين الماضيين، السؤال الوحيد الذي طُرح عليّ (أكثر من كيفية نطق اسمي: هاناكو مونتجوميري Hanako Montgomery): كيف تُبلين مع العمل عن بعد؟
أحاول -عادة- تقديم إجابة متوازنة مع تعابير وجهٍ تجمع التجهم والتبسّم. فأقول: ليس سيئًا، إذ أوفّر تكلفة وجبة الغداء، ويمكنني قص أظافري أثناء الاجتماعات.
لكن الحق يُقال، بما أن الوباء أجبرني على التحديق في جدار مكتبي المنزلي، والمغطى بأوراق الملاحظات، معظم أيام العمل، فأشعر كما لو أن الوقت قد تعلم تحدي الفيزياء:
- فأحيانًا يكون صديقي، حيث يمضي بانسيابية، ويسمح ليّ بتنظيم مهامي حسب الأهمية -مع “تقديره” المدة التي ستستغرقها كل مهمة- ويسير وفق وتيرة نقر أصابعي على لوحة المفاتيح.
- لكن في أحيانٍ أخرى، يتقلص ليغدو عدوي! خاصةً عندما يرى موعد تسليم نهائي يلوح في الأفق.
يتجمع العرق الدافئ والنديّ -الذي لا يعرف كيفية إنتاجه سوى الإجهاد- في راحة يدي، مما يؤدي إلى “تشحّم” لوحة مفاتيحي وخلق شعور بالحكة تحت الإبطين. حينها.. ألتهم الشوكولاتة، راجيةً أن يؤدي إلتهام أطنان السكر إلى تدفق عصارات فكري الإبداعية (وهو ما يدعوه العامة نشوة السُكّر).
هذا ما أحسّه الآن في مقهى المخطوطة Manuscript Cafe وأنا أكتب الكلمات التي قرأتها لتوّك.
يقع المقهى في حي Koenji البوهيمي بطوكيو، وهو مخصص للكتاب المتأخرين عن موعد التسليم! ومَن الطريف أنه “يُستخدم كـ”استوديو تسجيل” في أيام إجازته!
يتسع المقهى لعشر أشخاص فحسب، وسط جدران من الطوب اللطيف وبار فريد مليء بأكاسير (ج. إكسير: مَشْروب يَنْتِج من تَحْليل مادَّة أو عِدَّة مَوادّ في كُحول أو في نَبيذ ذي نِسْبة كُحوليَّة مُرْتفِعة) لذيذة.
والمكان مُجهّز بجميع ما يحتاجه الكاتب في عصرنا الرقمي: القهوة، والواي فاي، والشواحن، والمقابس، و… المزيد من القهوة (حتى لا يَهن جسدك ولو للحظة!). وهنا، الكمامات ليست إلزامية، لأن المفترض أن تكون شديد الانشغال، فلا تُتاح لك فرصة الدردشة.
لكن ككل الأمور الجيدة في الحياة، ثمّة محذور صغير
لا يسمح الموظفون للكاتب بالمغادرة حتى ينتهي من مهمته الكتابية لهذا اليوم (بالنسبة ليّ: إنجاز هذه التدوينة) أو يحين موعد إغلاق المقهى؛ أيهما يحلّ أولاً.
خذ استراحة من الدهشة، واقرأ تدوينة أخرى: كيف تتعامل مع جنون الارتياب أثناء العمل عن بعد؟
وهم يتأكدون من إتباعك القواعد أيضًا. فقبل أن أجلس، سألني (توم اينوكاوا – Tomu Inokawa)، موظف في المقهى ومحرر في مجلة عن معدات الفيديو، عن هدفي لهذا اليوم. ثم سلمني قصاصة ورقية كتبت عليها اسمي، والوقت الذي أخطط لقضائه هنا (ساعتان)، وهدف الكتابة المنطقي (500 كلمة).
نعم، قللت عدد الكلمات لأتمكن من المغادرة قبل السابعة [موعد الإغلاق]
عنّفني.. شكرًا!
ومن غرائب المقهى أنه يسمح لروادّه باختيار مقدار “الضغط اللفظي Verbal pressure” الذي يريدونه من الموظفين:
خفيف – عادي – قاسي!
وفقًا لاينوكاوا، عادةً ما يتضمن الضغط اللفظي الخفيف عبارات على شاكلة “كيف تسير الأمور؟” في حين يتراوح العادي من “تبقى أمامك ساعة، أليس كذلك؟” إلى “ألم تنتهِ؟ هذا ليس جيدًا” لخبراء المماطلة.
وعادةً ما يتضمن الضغط “القاسي” بضع كلمات لإلحاق شعور بالعار أو مضايقتك -باعتدال- بخصوص المماطلة.
يمرّ اينوكاوا مرة كل الساعة، عادةً بعد رنين جرس في المقهى، لمعرفة مدى تقدمي في تحقيق هدفي. اخترت [مستوى الضغط اللفظي العادي] لأنني أتدرّب على اللطف الذاتي Self-kindness. وعن تجربة، فإن المضايقة والإنتاجية لا يجتمعان معًا.
بعد تواجدي لحوالي ساعة، كتبت خلالها هذه المئات من الكلمات الماضية، لاحظت كاتبة زميلة تحزم أغراضها. تبين أنها ماريكو توميوكا Mariko Tomioka، كاتبة المانجا الرومانسية الشهيرة، كانت تزور المقهى لأول مرة بعد أن رشّحه زوجها لها. قالت أنها كلفت نفسها بكتابة 3500 حرف ياباني -تعادل 1750 كلمة إنجليزية- في غضون ساعتين؛ مهمة كانت تستغرق أيامًا عندما لا تكون منتجة.
تقول:
قالت توميوكا، وهي تضجّ بشعور الإنجاز أثناء وضعها حاسبوها المحمول في حقيبتها، أنها ستعود مرة أخرى لإنهاء مخطوطتين -كل منهما يجب أن يكون طولها 35000 حرف ياباني- قبل موعد تسليمهما في يوليو/تموز وأغسطس/آب.
خلال إحدى جولات اينوكاوا التفقدية، سألته عن إنتاجية معظم عملاء المقهى. فأجاب: “أعتقد أن الأهم منها هو حقيقة أن كل من حولك يركزون على مهمة ما، مما يجعلك تشعرين بدافع للتركيز أنت أيضًا”. وأضاف: “كلٌ يعمل على أمرٍ مختلف، لكن الهدف واحد: اللحاق بموعد التسليم”.
لكن بينما أكتب هذه الجملة.. غادر جميع العملاء المقهى!
على الرغم من عدم إحساسي بـ “الذعر الجماعي” اللازم لتحفيزي، إلا أنني أفهم ما عناه اينوكاوا. يتيح لك منح نفسك فترة محددة للانتهاء قبل موعد التسليم، في مكان خارج شقتك، إحساسًا بالطابع الملح. غنيٌ عن الذكر، أنني مرتاعة من فكرة الاضطرار لقضاء أكثر من ساعتين هنا لأنني لم أنتهِ (ما يعني فشلي في الاختبار الذاتي لمدى إنتاجيتي ككاتبة).
ومع ذلك، مع نهاية التدوينة، أنا متأكدة من تحقيقي هدفي. الساعة الآن 3:52 مساءً، مما يتيح لي فسحة -مدتها ثماني دقائق- لأخذ استراحة لقضاء الحاجة. بسعادة، أغلقت حاسوبي آملةً أن يأتي يوم الإثنين ولا يمزّق محرري ما كتبته إلى أشلاء!
مصدري السريّ لتدوينات رائعة كهذه ? ? نشرة Sidekicker