الدرب الرواقيّة إلى الثروة: استراتيجية استثمار قديمة للعالم الحديث

أينما التفتّ في العالم، ستجد فيض الفرص المالية. ويبدو -ظاهريًا- أن الملايين يزدادون ثراءً دون بذل الكثير من الجهد بمجرد شراء أسهم شركة ما، أو بعض العملات المُشفرة (أو أي من تلك البِدع الجديدة!)، حيث كل أسبوع، نسمع قصة جديدة حول ارتفاع قيمة إحدى الأصول إلى ثلاثة أضعاف خلال فترة وجيزة!

هؤلاء استثنائيون، في حين أن معظمنا -حقيقةً- لن يركب أبدًا إحدى تلك الموجات التي تحوّل حفنة دولارات إلى مليون في أقل من عام. لكن هذا ينفي قدرتك على أن تصبح ثريًا خلال مدّة أطول.

لا تزال الأسواق العامة، على المدى الطويل، أفضل مصنع للثروة على هذا الكوكب. 
في الواقع، لا يمكنك تجنّب عواقب عدم الاستثمار؛ ففي حين ارتفعت قيمة معظم الأصول خلال القرن الماضي، لم تتغير قوتنا الشرائية. صحيح أن الأجور ارتفعت، لكن التضخم كذلك.
منطقيًا، ما لم تستثمر، فالأرجح أن تخسر المال على المدى الطويل!

لكن الاستثمار عسير؛ يتعارض مع الطبيعة البشرية. إذ نحتاج لاتخاذ خيارات اليوم، تؤتي ثمارها في المستقبل. هذا أكبر تحدٍ عند بناء الثروة والاستثمار.

? ربما ترغب بقراءة تدوينة: كيف تتعامل مع القلق بشأن وضعك المالي؟

الاستثمار متعلق بإدارة عواطفك

بدأت الاستثمار في سوق الأسهم عام 2007. وخلال عام، خسرت 60% من استثماراتي. فكان رد فعلي -كأي شخص آخر تقريبًا- التوقّف تمامًا عن الاستثمار.

هذا حال معظم الذين يبدأون الاستثمار خلال ذروة الفقاعة؛ يستثمرون فيما يستثمر به الآخرون، وعندما ينهار كل شيء، يكون ألم الخسارة فظيعًا لدرجة أنهم يقسمون ألّا يستثمروا مجددًا. 

وإذ فاتتني عوائد ضخمة خلال السنوات التي أعقبت الأزمة الاقتصادية، قضيت وقتي في اكتشاف سرّ بقاء المستثمرين الأذكياء في اللعبةتعلمت أن مفتاح بناء الثروة هو إدارة عواطفك.

الاستثمار هو 9% فرضيات، و 1٪ تطبيق، و 90٪ إدارة عواطفك

من واقع خبرتي ، فإن الاستثمار هو 9% فرضيات، و 1% تطبيق، و 90% إدارة عواطفك. لهذا أطبق فلسفة الرواقية على إستراتيجيتي في الاستثمار؛ إذ تساعدني على إدارة أهمّ جزء: العواطف.

كيف نظر الرواقيون إلى المال؟

الرواقية -في صميمها- استراتيجية نجاة.. طريقة لحماية سلامتك العقلية. إنما بمقدورك -أيضًا- استخدامها لحماية أموالك. 

يعتمد أساس الرواقية على مبدأ معرفة ما يمكنك التحكم به والأشياء الخارجة عن سيطرتك/تحكمك. وربما ذاك مكمن جمال هذه الفلسفة: القدرة على شرحها في جملة واحدة.

ولكن على عكس ما يعتقده معظم الناس، فقد تبنّى الرواقيون المال والثروة. ففي نهاية المطاف، ليس لدينا سيطرة على الأخيرة، أليس كذلك؟ 
إليكم ما قاله ابكتيتوس Epictetus، أحد أكثر الرواقيين تشددًا، عن المال:

“إذا أمكنك جني المال مع بقائك أمينًا وجديرًا بالثقة وكريمًا، فافعل ذلك بشتى السُبل. لكن لا يتوجب عليك كسب المال إذا اُضطررت للمساومة على نزاهتك”.

أحب هذه العقلية لأنها لا تحكم على المال. هل تسعى للثروة؟ لا بأس. وإن لم تصبح ثريًا؟ فلا مشكلة.

هذا جوهر العقلية الرواقيّة عندما يتعلق الأمر بالمال؛ وجود أمور أهمّ من الثروة، مثل الشرف والنزاهة والعيش وفقًا لقيمكلكن هذا لا يعني ألّا أهمية للثروة!

السؤال إذًا: هل يمكنك أن تصبح ثريًا وتعيش رواقيًا؟

شرح الدرب الرواقيّة نحو الثروة

بعد قضاء سنوات في دراسة مجموعة واسعة من الفلاسفة والمستثمرين، تعلمت أن هناك 3 معالم رئيسية لبناء الثروة. أدعوها الدرب الرواقيّة نحو الثروة لأنني أستطيع رؤية الصفات الرواقية في كل مستثمر ناجح. إليك خارطة الطريق باختصار:

1. جني المال

ربما لا يُشترط أن تكون ثريًا لتبدأ مسيرة الاستثمار، لكنك بحاجة لكسب أكثر مما تنفقه على المتطلبات الحياتية. وللوصول إلى تلك المرحلة، نحتاج إلى مهارات مولّدة للدخل مثل الكتابة والبرمجة وإلقاء المحاضرات والإدارة.. إلخ. 

اكتساب المهارات هو “أكثر الأشياء رواقية” لأنك تبدأ بالتركيز عمّا تتحكم فيه. وفي الاقتصاد الحالي، فالشخص الذي يبتكر قيمة بمهاراته لن يكون أبدًا (بلا عمل) طويلًا. 

بنى كل مستثمر درسته ثروته من خلال العمل. وكان لمعظمهم وظائف ثابتة، أو عملوا لحساب شخص آخر:

ما أود قوله، نحتاج جميعًا للبدء في جني المال كأساس لبناء الثروة. هذا يعني أنه يمكنك ابتكار قيمة من “لا شيء”.. سوى مهاراتك.

2. خسارة المال

ما الجانب المهم للثروة، ولا تتناوله الكتب والمقالات الشائعة عادةً؟ أهمية التعامل مع الخسارة.
يكره الغالبية خسارة المال؛ يعيشون في أُسر تعتمد على الراتب الشهري (بما في ذلك مواجهة بعض الديون)، وما إن ينتقلوا إلى عملهم المستقل/الحرّ حتى يبدأوا في “التمسك بالمال”. وتلك مشكلة حقيقية إذا كنت تأخذ الاستثمار على محمل الجدّ.

لن تجد مستثمرًا ناجحًا واحدًا لم يخسر المال. في الواقع، تتشكل استراتيجيات غالبية المستثمرين من خلال خسائرهم: لو تأملنا تاريخ وارن بافيت (فسنجد أن شركته “بيركشاير هاثاواي Berkshire Hathaway” شركة نسيج فاشلة)، وبيل أكمان “Bill Ackman” (الذي خسر الكثير في قضيته ضد هرباليفي “Herbalife”) ، وجورج سوروس (خسر 22% خلال عام 1981 على سندات الحكومة البريطانية).. إلخ.

غالبًا ما تحققت كبرى نجاحاتهم بعد خسائرهم. هذا المفهوم مؤثّر في بناء الثروة. يجب أن تتقبّل الخسارة. وإلا فلن تخاطر بأموالك أبدًا. وهل الاستثمار إلا مخاطرة؟!

ينظر أفضل المستثمرين إلى بناء الثروة باعتباره (لعبة). وهو كالرياضة تمامًا، فحتى أنجح الفرق في تاريخ الدوري الأمريكي لكرة السلة للمحترفين “NBA” والدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية “NFL” ودوري البيسبول للمحترفين “MLB”، تخسر عدة مباريات أثناء شقّ طريقها نحو أخذ البطولة. 

السرّ ألا تخسر الكثير. عندما تستثمر، ابذل قصارى جهدك ألّا تخسر أكثر من 10% من استثمارك؛ يمكنك الانطلاق مجددًا بعد خسارة كهذه.

فقط لأن هناك فلسفات استثمارية مختلفة، فهذا لا يعني أن عليك اتباع أسلوب معين بصرامة. استخدم حدسك، وتجنّب الهبوط، والأهم، ابنِ استثماراتك برويّة. 

3. بناء الثروة

يقوم “المستثمرون الرواقيون” برهانات ذكية ذات صعودات كبيرة. وإذا لم تؤتي ثمارها، فلن يفلسوا!

لتنمية ثروتك، استثمر في أصول (قيمتها عالية) أو (تدر دخلًا)، وحبذا لو تجمع الحُسنَيين. هذه خلاصة الاستثمار.

تكمن الصعوبة في انتقاء الأصول. إذا تصفحت يوتيوب أو فيسبوك، فستجد الآلاف ممن يحاولون إقناعك بكون الأسهم أفضل طريقة للثروة. لا أتفق مع ذلك. فالتداول طريقة استثمار لا أكثر!

عندما يتعلق الأمر بسوق الأوراق المالية، فثمّة شِبه إجماع على كون صناديق المؤشرات “Index funds” أنسب الحلول.

ولكن ماذا لو أردت أن تبدأ بنفسك بأقل مخاطرة ممكنة؟ إليك قاعدة تعتمد عليها.

قاعدة 90/10 للاستثمار

لا رغبة لمعظمنا في أن يصبح “مستثمرًا بدوام كامل يريد سحق السوق”!
على المدى الطويل، الأفضل استثمار أموالك في سهم مضمون أو في صندوق مؤشر إجمالي سوق الأسهم. إنها أفضل طريقة للحصول على عوائد السوق دون جهد.

ولكن ماذا عمّن يسعون للمزيد؛ المهتمون بالأسواق المالية ولا يمانعون بعض المخاطرة، لكنهم لا يريدون -طبعًا- خسارة الكثير؟

كل النجاح -قصير المدى- الذي تراه حول البيتكوين أو الأسهم المتداولة أو العملات أو السلع، يدور حول المضاربة؛ تشتري (أصلًا Asset) متأملًا بيعه بسعر أعلى. لا عيب في ذلك. لكنني فقط لا أريد أن أضع كل أموالي على المحك.

لذلك ابتكرت قاعدة 90/10 للاستثمار، والتي تنص على وضع 90% من المال المخصص للاستثمار في صندوق المؤشرات. وتستخدم 10٪ للمضاربة.

ونظرًا لأنك تخاطر بنسبة صغيرة من مالك المخصص لسوق الأسهم، فلن تتلقى خسارة كبيرة إذا لم تؤتي مضارباتك “الأخطر” أُكلها. وإذا حدث العكس، ستحظى بالعائد الإضافي. 

ابدأ الاستثمار: لا تبحث عن الإجابات أكثر

في مرحلة ما، يجب عليك المُضي قدمًا. لكننا نميل لمواصلة البحث عن “تلك الحكمة الخاصة التي تُحدث الفرق”. لذلك نواصل قراءة المزيد، والاستماع إلى المزيد، ونتّبع نصائح حكماء الاستثمار المختلفين.

والنتيجة؟ لا نتحرك أبدًا، ونغدو أسوأ عدو لأنفسنا! لم يقلها أحد أفضل من ابكتيتوس:

“يؤجل سعيك الدؤوب للحكمة امتلاكك لها”

توقف عن مطاردة المُرشدين الجدد.لن يقودك أي حكيم أو كتاب أو نظام غذائي أو معتقد نحو رغد العيش، أنت وحدك القادر على ذلك.

مال لم تأخذ مالك وتضعه على المحك، فلن تعرف أبدًا كيف يبدو الاستثمار.
سيظل الأمر مخيفًا دائمًا، ولكن بغض النظر عما يحدث، لا تحرم نفسك من الاستثمار. لا يمكنك تحمل العواقب آنذاك!

على المدى الطويل، لا تزال الأسواق تتحرك في اتجاه وحيد: صعودًا. فإما أن تخوض الرحلة، أو تبقى حيث أنت..

المصدر: The Stoic Path to Wealth

الدرب الرواقيّة إلى الثروة: استراتيجية استثمار قديمة للعالم الحديث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تمرير للأعلى