هل ضيق الوقت حقيقة أم حجّة؟

كيف أتغلب على ضيق الوقت؟

ولأننا نعمل –في رديف– مع العديد من أصحاب الأداء العالي، أشخاص غارقون في بحر متطلبات وظائفهم، واحتياجات أقربائهم؛ فكثيرًا ما نسمع شكواهم من ضيق الوقت. ما يزيد الطين بلّة إصرار المنظامات -حتى أكثرها تنظيمًا- على زجّ مهامٍ إضافية تتجاوز قدرة العاملين على أدائها!

فلا عجب إذن أن نعاملها باعتبارها مشكلة عويصة.

هل ضيق الوقت حقيقة أم حجّة؟

حيل “التحايل” على الوقت لا تنتهي، وأغلب مَن أتوا إلينا جرّبوها مسبقًا:

  • أعادوا تنظيم تقويمهم.
  • جدولوا مواعيدهم.
  • جلسوا مع أزواجهم للتحدث عما يحتاجه كل منهم ومن سيطبخ للأسبوع المقبل.
  • حددوا الأولويات.
  • فوّضوا المهام، واعتذروا لأصحاب المشاريع عن أداء أخرى.
  • طالبوا برفع الميزانية.
  • طلبوا بتأجيل مواعيد التسليم.
  • خفّضوا ساعات نومهم.
  • قاطعوا المنبّهات.
  • وبالطبع، لم ينسوا بومودورو!

في كثير من الأحيان، عندما أستمع لشكوى من ضيق الوقت، تقفز إلى ذهني صورة شخص متحصن بقلعة ذات أسوار عالية. ويحيط بتلك الأسوار رماة يحدجون بنظراتٍ ثاقبة منجنيقًا ضخمًا على وشك إطلاق صخرة ملتهبة -بحجم القمر- نحوهم!

لا أقصد التقليل من شأن أي من سُبل إدارة الوقت هذه. ولطالما كانت فلسفتي تقبّل أي أداة، وتحيّن فرصة مناسبة لاستخدامها.
وأغلب ما ذُكر أعلاه ناجع (في بعض الأحيان). فقد يكفيك تخفيف ازدحام قائمة مهامك أو تخطي بعض الاجتماعات أو الذهاب إلى الفراش في الوقت المحدد. وستتأتى معرفة الحيلة التي تحتاجها الآن، وتلك التي ستحتاجها في المرة القادمة مع الخبرة والوعي بالموقف المتراكمين.


ولكن أود إقتراح حلٍ آخر..

توقّف عن التفكير في الوقت تمامًا. أو -على الأقل- توقف عن اعتباره “ثابتًا”؛ نعلم جميعًا أن الوقت -كالحديد- قد يتقلص أو يتمدد. فكمّ مررنا بساعات [توقف الزمن فيها]، وساعات أخرى مرت كالبرق؟ وكَم مررنا بأيام أنجزنا فيها الكثير حتى فاجأنا أنفسنا، وأيام عجزنا فيها عن إتمام مهمة فحسب؟

الفارق بين هذه التجارب ليس عدد ساعات اليوم (فهو ثابت)، بل الطاقة التي نحصل عليها من العمل. إذًا، الطاقة هي ما يصنع الوقت.

إليك مثالًا ملموسًا، وربما تجده مألوفًا:
شخص ما مشغول حتى النخاع بعمله، لدرجة أنه لا يخصص وقتًا لممارسة هوايته. سيصل لنهاية اليوم وهو على وشك السقوط من شدّة التعب، بحيث لا يستطيع الكتابة أو الرسم أو عزف الموسيقى.. إلخ.
تمر الأيام، ثم الأسابيع. ويزداد تعبًا على تعبه؛ ويقلّ إنجازه شيئًا فشيئًا. قد يأخذ إجازة علّه يتعافى لكن احتراقه النفسي يستمر حدًا لا يطاق، وتُثبت حيل إدارة الوقت المعتادة فشلها. بعبارة أخرى: كرة المنجنيق تغدو أقرب.

يستيقظ ذات يوم عازمًا على “اللامبالاة”. يلتهم ما وجده في الثلاجة، ويترك أطفاله يلعبون بأجهزتهم اللوحية، ويخرج -حاملًا عدّة الرسم- نحو الحديقة. يرسم لساعات، حتى تغرب الشمس وتُضيء أنوار الشوارع.

وفجأة في اليوم التالي ..

ينهمك في إنجاز كل المهام المتراكمة. ويدرك أن نصفها لم يكن ضروريًا (في حين بَدت جميعها بالغة الأهمية من قبل!). ويُقرر تفويض بعض المهام الأخرى. ويجد -على حين غرّة- الوقت للاهتمام بالمشروع الذي أجّله لأسابيع. يتحسّن نومه وتبدو بشرتهم رائعة (حسنًا، ربما بالغت قليلًا .. 😅)

يتضح لنا كيف يكلّفنا (التخلي عن ممارسة الفن) وقتًا ثمينًا يتسرّب من بين أيدينا ببطء. قد نفترض -خطأً- أن “لا وقت لدينا” لممارسة هواياتنا، علمًا أن بعض الأشياء لا تخضع للحسابات (كما اتفقنا😉). وخاصةً هذه الحِسبة التي لا تأخذ الطاقة في الاعتبار، وتُهمل حقيقة أن الانخراط في نشاطات تمنحك الطاقة يعيد لك الوقت.


لماذا أستخدم الفن هنا؟

لأنني أرى من واقع خبرتي امتلاك أغلبنا شيئًا كهذا في حياتنا؛ شيء ما يستنزف وقتنا وطاقتنا عندما نهمله، ولكنه يُعيدهما إلينا -وبكثافة- عندما نهتم به.

لا يجب أن نطرح سؤال [كيف أجد الوقت لهذا؟]؛ فالإجابة عليه مخيبة للآمال دائمًا، لأن هذه النظرة إلى الوقت تجعله يفرّ منك .. وإلى الأبد. عوض ذلك اسأل نفسك: كيف تساهم ممارسة (نشاطي المُحبب) في إيجاد الوقت لكل شيء آخر؟

هل ضيق الوقت حقيقة أم حجّة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

تمرير للأعلى