اليوم الخميس، وقد عدت لتوّك من العمل، فكيف ستُمضي الليلة؟ غالبًا، ستُعدّ وجبة خفيفة، وتجلس على الأريكة ممسكًا بهاتفك… وتبدأ في تصفح انستغرام. ثم تنتقل إلى فيسبوك. لتشغّل بعدها حاسوبك المحمول وتبحث عن شيء جيد لمشاهدته على “شاهد Shahid“.
فجأة، تكتشف مضي 3 ساعات؛ أكتافك متصلبة ورؤيتك ضبابية بعض الشيء. ينتابك توتر غريب لإدراكك أنك لم تفعل شيئًا منذ عودتك إلى المنزل!
لمّا يبدأ التمهيد الممل!
عادةً، عندما نصادف وقت فراغ، يختار الكثير منا تمضيته بنشاط لا يستلزم جهدًا، ربما عن طريق وضع قناع للوجه، ومشاهدة مسلسل Malcom in the Middle، أثناء طيّ الغسيل.
لا يخفى على أحد تنافس الالتزامات والأشخاص والمنصات على جذب انتباهنا. يقضي معظمنا يومه جالسين على مكاتب ملتصقة بحواسيبنا، ونخصص وقتًا لممارسة الرياضة -لتتحول إلى “وظيفة”بدورها- ونملئ جداولنا بالنشاطات الاجتماعية “المفروضة”.
قد ترغب ممارسة هوايتك المفضلة، لكنك تشعر ألّا وقت لديك! إنما، قد يكون لدينا وقت أكثر مما نعتقد: وفقًا لدراسة ميدانية أجراها مركز “أسبار” للدراسات والبحوث والإعلام:
هل تُراها أوقات “فراغ” حقًا؟
ما إن نحظى بساعات الفراغ تلك، حتى تنبثق أفكار ثقافتنا الصاخبة؛ فلا تترك لنا أي لحظة “ضائعة”. إذ نشعر أنه حتى لحظاتنا “الطليقة” علينا تسخيرها للسعي وراء التميز والمال وتطوير الذات و”النمو”.
وهكذا، تتحول أنشطتنا الترفيهية إلى سباق لمعرفة مَن يمكنه ممارستها بشكل أفضل:
- إذا كنت من هواة الركض، فلم يعد يكفي التجول حول المبنى؛ أنت تتدرب للماراثون القادم.
- إذا كنت رسامًا، فستسعى لرؤية أعمالك في معرض ما أو -على الأقل- الحصول على آلاف المتابعين على شبكات التواصل الاجتماعي!
“الخوف يملؤنا من أن نكون سيئين في [الهوايات]. أو بالأحرى، نخشى تخييب التوقعات- وتلك في حد ذاتها سمة مميزة لعصرنا الأدائي المكثف- بأننا يجب أن نكون ماهرين في ما نفعله في أوقات فراغنا.
(تيم وو Tim Wu)
وتشاطر (سيلين مالكوك Selin A. Malkoc)، أستاذة التسويق في جامعة أوهايو، والتي تدرس تأثير وقت الفراغ على سعادتنا، الكاتب (تيم وو) ذات الشعور. فتقول:
تتفاقم مشكلة العثور على هواية عندما “يمارس الكثير منا اليوغا سعيًا لأن نصبح محترفين في اليوغا. في حين يُفترض بأننا نمارسها لأننا نريد الاسترخاء”.
4 طرائق للعثور على هوايتك “المُرضية” .. وإبقائها كذلك
لكن تخصيص الوقت للأنشطة غير الضرورية … ضرورة في حد ذاته. تحسّن الأنشطة الترفيهية المليئة بالتحديات -على غرار الهوايات- صحتنا النفسية والجسدية، وتعزز قدرتنا على التعلم وبناء المجتمعات. دون أن ننسى كونها ممتعة!
تجاهل تلك “الذات الخيالية” التي قد تطمح إليها
أحد الأخطاء الأولى التي ربما ترتكبها عند اختيار هوايتك: اختيار شيء مُلهِم، عوض شيء تستمتع به بالفعل. تقول (جريتشن روبين Gretchen Rubin)، مؤلفة الكتاب الأكثر مبيعًا على مستوى العالم، مشروع السعادة Happiness Project: “ينجذب الناس إلى الذات الخيالية“. أمضت روبن سنوات في استكشاف كيفية عيش حياة مرضية من خلال تغيير العادات والأنشطة والروتين من خلال كتابها ومدونتها المكتوبة والصوتية.
تشرح (روبين) كيف قررت تعلم العزف على القيثارة بعد أن سمعت أنها ممتعة. “ولكن بربك! أنت لا تعرفين شيئًا عن الموسيقى” هكذا خاطبت نفسها. الهواية لم تكن ملائمة.
كذلك، من المهم إبقاء توقعاتك.. واقعية. ربما تتملكنا الرغبة في الانخراط بأكبر عدد ممكن من النشاطات، اقتداءً بجميع أصدقائنا، الذين يفعلون كل شيء! لكن، ماذا لو بحثت عن شيء يناسبك وتستمتع به “فعلًا”؟ إذا كنت تحب الطبخ، فحاول الارتقاء بمهاراتك إلى مستوى أعلى، وسجّل في دروس لصنع المخبوزات مثلًا. وإذا كنت تستمتع بالكتابة، جرب ورشة تعلّم كتابة الروايات.
إذا وددت تجربة شيء جديد، فابدأ بخطوات صغيرة. لنفترض أنك ترى تسلق الجبال مثيرًا، لكنك -بالكاد- غامرت بالدخول إلى حديقة المدينة! هنا، يمكنك تجربة “مسير Moderate hike” في الهواء الطلق. اتخاذ خطوات صغيرة ومدروسة في تطوير العادات والهوايات أمر بالغ الأهمية. فهي تبقيها قيد السيطرة وتجعلها أقل شبهًا بالعمل.
تقول (روبين): “لتحمّل نفسك المسؤولية، أشرك الأصدقاء فيما تفعله“. وتوصي بمحاولة كسر الحواجز التي تحول دون المحاولة. “إذا كنت تتعلم آلة موسيقية أو حرفة ما، فمن الأفضل أن يكون لديك مساحة مخصصة لأدواتك/مواردك؛ تشجّعك سهولة الوصول على التقاط هذا الجيتار“.
هوايتك ليست مشروعًا.. لذا مارسها لمَ تجلبه من بهجة
كما شكّل يوتيوب منصة للمؤثرين، ممن يقدمون دروسًا تعليمية حول البناء أو الطبخ أو حتى.. تنظيم خزانتك.
وإن كانت بعض هذه المساعي تتداخل مع اهتماماتنا، ورغم ضرورة كسب المال لإعالة أنفسنا، فمن الأهمية بمكان تطوير هوايتك خارج إطار الاقتصاد، بحيث لا ترتبط بها أي دوافع مالية.
وتؤكد (روبين) على وجوب كفاية المتعة الخالصة المتمثلة في ممارسة هوايتك. إذ مجرد تحويل هوايتك إلى سلعة “كفيل بجلب المواعيد النهائية، والطلبات، والتجهيزات“، وتقول إن ممارسة الأنشطة الترفيهية بمثابة “راحة” من هذه الضغوطات، لأنها “تحت سيطرتك وحدك“.
والأهم من ذلك، ممارستك هواية منفصلة تمامًا عن حياتك المهنية يؤدي إلى تطوير حياتك المهنية.
بصفتها مديرة مركز الاستشارة في كلية أمهرست، تُسدي (جاكي ألفاريز Jackie Alvarez) النصائح للطلاب حول كيفية إدارة التوازن الصحي بين العمل والحياة. وهي تعتبر الهوايات وسيلة لا للاستمتاع بوقت الفراغ فحسب، بل -أيضًا- للمساهمة في حياة عمل أكثر إنتاجية وعمقًا.
تشير بعبارتها إلى “حالة التدفق Flow” التي وضعها عالم النفس ميهالي سيكسزنتميهالي، ليصف الانغماس الكامل في نشاط ما.
اهرب من بريق الشاشة.. ونعم، باستطاعتك فعلها!
قد تبدو (تصميم موقع ويب أو تعلم البرمجة أو إتقان لعبة Cyberpunk 2077) اختيارات جذابة لهوايتك. ولكن إذا كنت تجد نفسك -في أغلب الأحيان- أمام أجهزتك، فلا تختر نشاطًا يعتمد على الشاشة. الكثير منا مقيد بحواسيب العمل وحتى في المنزل (إذا كنت تقرأ هذا، فأنت تنظر إلى شاشة! 👀). لا بدّ أن يكون إيجاد هوايات تبعدنا عن الشاشات أولوية.
هل أمضيت وقتًا لطيفًا مع ترجمتي لتدوينة How to have a true hobby, not a side hustle؟ إذًا، ربما تشاركها مع صديقك المشغول 😉