من أروع لحظات الحياة لحظة إدراك المرء لما يريده بالضبط فيها، وأن يكون إدراكه ذاك منسجمًا مع محطات حياته.
بدأ الأمر حينما تحوّلت مشاهداتي في بلاد الغربة لما يُشبه المسودة الأولى لرواية.
تمرّ الأيام، وتبقى المسودة حبيسة الأدراج، إلى أن تُعلن منصة رقيم عن مسابقتها الأولى في فنّ الرواية، كنت متحمسًا للغاية، غير أم حماسي الزائد دفعني لنشر الرواية معتمدًا على مسودتها الأولى (مع بعض الإضافات).
يمكن القول أن هذا الخطأ أصاب الرواية في مقتل! فلم تحظى -رغم مرور عامٍ ونصف تقريبًا- على أكثر من بضعة قراءات، كانت آخرها قراءة الصديق هادي الأحمد.
لحُسن الحظ، تعلمت الدرس سريعًا. فلم أنشر المسودة الأولى للرواية الجديدة (رغم مرور قرابة الـ 4 أشهر على إنهائي لها).
جميع المذكور آنفًا ما هو إلا مقدّمة لما أودّ قوله.
قذف المسودة الأولى نحو المحرقة!
يبدو ذلك تصرفًا متطرفًا بعض الشيء؛ أن أنسف جهد عشرات الساعات من الكتابة في لحظة، لكن الحقيقة أنها لم تكن صالحة للنشر. حسنًا، احتفظت ببعض الخطوط الرئيسية، إنما بشكلٍ عام، قالب القصة ككل هشّ للغاية.
أعيد الآن هيكلة الأحداث، مستخدمًا الورقة والقلم لسهولة التعديل والإضافة بهما. والآن، إليكم كيف أعمل:
لإضفاء الواقعية على أحداث الرواية، قررت خوض حديثٍ عابر مع كل شخص أقابله، بدءًا من صاحب البقالية أسفل البناء، مرورًا بسائقي الحافلات اللذين أتعمّد الجلوس في المقعد المجاور لهم، وانتهاءً بالكُتب التي تحدثت عن مآسي الحرب (نعم! الكتب تتكلم أيضًا)
أحاول اختزان جميع المحادثات، إما في ذهني أو على هاتفي النقال؛ كقصة اللحّام= بائع اللحم الذي هدد زوجته بالزواج بثانية إن هي تمسّكت بقرارها عدم الإنجاب، ولما هو مفتون بفكرة الإنجاب (رغم أن لديه 5 أطفال)؟ لأن 47 شخصًا من حيّه.. ماتوا! من بينهم أطفال ونساء وشيوخ، فهو يسعى -بمحاولته البائسة تلك- لإعادة بناء “نسل المنطقة”.
ما إن أتمكن من الوصول للورقة، حتى أدوّن تلك الأحداث على الهامش. بحيث أقسم الورقة إلى قسمين: الأيمن لأحداث الرواية وحواراتها، والأيسر لتلك الأفكار التي اقتبستها من الواقع المرّ للبشر حولي، بُغية الاسترشاد بها.
الشطط أمرٌ طبيعي. كثيرًا ما أغرق في أحلامٍ لذيذة، يشطح خلالها عقلي في لحظات النجاح وما يليها: حفلات توقيع – جائزة البوكر العربية – الرواية #1 الأكثر مبيعًا في العالم العربي.. إلخ.
لا أقاوم تلك الأفكار، بل أسمح لها بالتغلغل داخلي لتشكّل وقودًا لحماستي “المُتعقِلة”. فالآن، أنا أعلم -وهذا ما يُعيدنا لما ذكرته في بداية التدوينة- ما أطمح للوصول إليه.
بعض الأفكار سيئة. ذلك طبيعي جدًا، ومع ذلك أدّونها كما هي (بغض النظر عن مدى ابتعادها عن خط سير الرواية). أحيانًا، تخلق تلك الأفكار بذرات قصص قصيرة أو روايات قادمة. المهم هنا ألّا أقطع سلسلة أفكاري طالما أختبر حالة “التدفق الذهني-Flow state“
لا داع للاستعجال
يُنسب للشهير بيل غيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، مقولة مفادها: “يُعظّم البعض ما يمكنهم فعله خلال عام، ويستخفّون بما يستطيعون فعله خلال 10 أعوام”
ربما لا ترى روايتي الجديدة النور قبل عام، لكن ما المشكلة؟ طالما كنت استمتع بالرحلة. ربما لا أصبح الروائي الأشهر عربيًا لعام 2025 (كما سبق وتبجّحت بإنجازي الوهمي هذا)، إنما تملؤني السعادة لقدرتي على الكتابة بهكذا هدوء.
هل فاتتك الأجزاء السابقة؟ [#تحدي_التأمل (1) – (2)]
بالتوفيق 💪🌷
شكرًا ولاء 😇