شرّ البلية ما يُضحك: أن تستنزف وظيفتك طاقتك إلى حد عجزك عن حشد طاقتك للبحث عن أخرى. إذن ماذا يفترض أن تفعل؟
من أخطر المشكلات في بيئات العمل العصرية تفشيّ الاحتراق الوظيفي، وفقًا لمايكل ليتر Michael Leiter، المؤلف المشارك لكتاب The Burnout Challenge: Managing People’s Relationships With their Jobs الذي سيصدر قريبًا، تتمثل مظاهر الاحتراق الوظيفي الجوهرية في الشعور بالإرهاق والتشاؤم والإحباط. في العام الماضي، أفاد 71% من الموظفين أنهم يعانون ضغوطًا مرتبطة بالعمل، وفقًا لاستبيان العمل والرفاهية لعام 2021 الذي أجرته جمعية علم النفس الأمريكية. قال ثلاثة من كل خمسة موظفين أنهم تعرضوا لتأثيرات سلبية في العمل بسبب الإجهاد؛ ومن أهمها: قلة الاهتمام أو الحافز أو الطاقة، إضافة لمواجهة صعوبة في التركيز وضعف الأداء في العمل (باختصار.. كل أعراض الاحتراق الوظيفي).
الاحتراق الوظيفي ضمن بيئة العمل ليس نتيجة ثانوية للوباء؛ فهذا “النوع المحدد من الإرهاق” يسبق الوباء بكثير. انتشر المصطلح لأول مرة في السبعينيات لوصف الإرهاق الذي يعانيه موظفو الخدمات الإنسانية. على مدى العقود التالية، ثبت أن الاحتراق الوظيفي موجود في كل مهنة تقريبًا، وصُنّف كظاهرة مهنية من قبل منظمة الصحة العالمية، ولا ننسى أنه اشتهر بكونه سمة مميزة لجيل الألفية.
إذا كان عملك يساهم -أو المُسبب الوحيد- لاحتراقك وظيفيًا، فقد تشعر بالانزعاج للبحث عن مراعي أكثر خضرة (=بيئة عمل أفضل). ومع ذلك، هناك خطوات يمكنك اتخاذها للحفاظ على طاقتك والبحث عن منصبك التالي (بغض النظر عن المجال).
توصّل إلى جذور الاحتراق الوظيفي قبل أي شيء
قبل القفز إلى إعلانات الوظائف، حدد أولاً سبب احتراقك الوظيفي، هذا ما تنصح به (جينيفر موس Jennifer Moss)، خبيرة جودة الحياة المهنية، ومؤلفة كتاب The Burnout Epidemic: The Rise of Chronic Stress and How We Can Fix it؛ فعندما تحدد سبب توترك الشديد، يمكنك تجنب الانخراط بثقافة بيئة عمل أخرى تحمل ذات المشكلات.
- هل مهامك مرهقة للغاية، أو العكس؛ بسيطة لدرجة تُشعرك بالملل وعدم الإنجاز؟
- هل تعاني الوحدة والاغتراب عن زملائك؟
- هل باتت الترقيات والعلاوات حلمًا في عملك الحالي؟
بحسب (موس)، تستحق هذه الموضوعات المناقشة مع مديرك الحالي، ويمكن حلّها عبر إصلاحات على غرار: تقليص الاجتماعات، وفرز المهام المهمة، وتمتيّن العلاقات بالزملاء، وزيادة التحكم بجدولك الزمني، وتعزيز المزيد من التواصل مع مديرك (ومع ذلك، هذا سوف كن ناجحًا فقط إذا قابلك مديرك قبل اتخاذ قرارك النهائي).
مثاليًا، سيتقبل مديرك مخاوفك ولن تضطر إلى ترك وظيفتك.
بالطبع ، إذا كان مكان العمل سيئًا حقًا، فيجب أن تستقيل دون تأخير. بحسب إحصائية MIT Sloan Management Review، والتي أجرته منصة Glassdoor فإن أهم خمسة توصيفات لأماكن العمل السامة كانت “غير محترمة” و “منحازة” و “غير أخلاقية” و “قذرة” و “مسيئة”. تواجه النساء والأشخاص الملونون مشكلات هيكلية ونظامية في أماكن العمل تساهم بشكل أكبر في الاحتراق الوظيفي. ورغم أن ترك وظيفة سامّة (دون عرض آخر) هو رفاهية لا يمتلكها،لكن صحتك النفسية أهمّ من أي شيء آخر.
ابحث داخل نفسك
إذا كنت قد قررت العثور على وظيفة جديدة، فأسعى لتحديد الشكل الذي يبدو عليه المنصب التالي المثالي -بالنسبة لك- لتجنب الغرق وسط فوضى إعلانات الوظائف. لمساعدة الموظفين على تصور ظروف عملهم المثالية، يوصي (مايكل ليتر) بالتفكير في يوم عملك الحالي لأسبوع أو نحو ذلك، مع تدوين ملاحظات عن اللحظات التي شعرت فيها بالسعادة والرضا: ماذا كنت تفعل؟ مع من كنت تعمل؟ مَن تجنبت العمل معه؟
بعد ذلك، كما يقول (ليتر)، فكر في المواقف التي لم تعجبك فيها الوظيفة: ما أكثر اللحظات إثارةً للملل؟ ما الذي “سحق أعصابك” أكثر؟ ما أسوأ جزء في اليوم؟ ما المشاريع/المواقف التي كانت كابوسًا؟
بدلاً من البحث عن مهارات أو مواصفات محدودة في إعلانات الوظائف، حدد المنصاب والشركات التي تتوافق مع قيمك وجودة حياتك.
يمكن أن تُرشدك جميع العوامل التي ساهمت -منذ البداية- في احتراقك الوظيفي. على سبيل المثال، إذا كنت مُنهكًا من العزلة، فقد ترغب في البحث عن مكان عمل ببيئة هجينة؛ حيث تتمكن من التفاعل مع الزملاء وجهًا لوجه لبضعة أيام في الأسبوع. أو إذا كانت معاناتك تتمثل في عبء العمل، فلن تكون الشركة الناشئة المتعثرة بفريق صغير هي الخيار الأفضل!
قسّم (البحث عن وظيفة) إلى مراحل
يمكن أن يكون البحث عن وظيفة مهمة طويلة وشاقة:
- تحديث سيرتك الذاتية
- البحث ضمن إعلانات الوظائف
- كتابة الخطاب التعريفي Cover letter
- جدولة المقابلات الإعلامية
- إجراء المقابلات وجهًا لوجه.. إلخ
ثم الانتظار -بصبر- للحصول على عمل! هذا كثير.. حتى على مَن لم يعانوا يومًا من الإرهاق الوظيفي ?.
أرجوك! لا تسمح لمعنوياتك أن تُحبط من الطريق إلى التوظيف. بدلاً من ذلك قسّم العملية إلى مراحل مهمة: حدد لنفسك أهدافًا لـ 30 و 60 و 90 يومًا، تقول (ميندا هارت Minda Harts)، مستشارة المساواة في مكان العمل ومؤلفة The Memo: What Women of Color Need to Know to Secure a Seat at the Table:
? خلال أول 30 يومًا من البحث، ضع في حسبانك قيمك والشكل الذي تودّ أن يبدو عليه عملك التالي.
? هدف آخر لمدة 30 يومًا: العمل على سيرتك الذاتية، وذلك سواء كنت ستخصص بضع ساعات أسبوعيًا لتحسينها (مستعينًا بموقع تصميم سي في) أو تعيين كاتب سيرة ذاتية (عن طريق خدمة توظيف الكتّاب عالية الموثوقية⭐⭐⭐⭐⭐). يمكن أن تتضمن أهداف الستين يومًا الوصول إلى الأشخاص الذين يعملون في وظائف أو شركات مثيرة للاهتمام لإجراء مقابلات إعلامية informational interview قصيرة.
? مع اليوم التسعين، يجب أن تبدأ في التقدم للوظائف.
أثناء تحملك للعبء الإضافي المتمثل في البحث عن وظيفة جديدة، ستحتاج إلى الاستعانة بمصادر خارجية لبعض المهام الأخرى لخلق مساحة ذهنية. يقترح (هارتس) سؤال الشريك أو أحد المقربين عما إذا كان بإمكانه الاعتناء بالأطفال أو أداء بضعة أعمال إضافية في المنزل. يمكنك أيضًا العمل مع مدرب مهني Career coach لتجعل هذه المعاناة أقل إرهاقًا وعزلة.
توصي صديقتنا (موس) أيضًا بربط التقدم للوظائف بنشاط ممتع، مثل ارتشاف كوب من الشاي أثناء إرسال السير الذاتية.
?? ملاحظة: لا تتقدم للوظائف خلال ساعات العمل (في شركتك الحالية) أو على حاسوب الشركة، وفي ذات الوقت، لا تسمح للتقديم بإلتهام جزء كبير في وقتك الشخصي؛ ابقهِ فحسب للحظات الدافئة: صحبة مشروبك المفضّل أو خلال الوقت الذي يستغرقه مغيب الشمس ?.
حقق أقصى استفادة من المقابلة الشخصية
في الظروف العادية، من الأهمية بمكان أن تجلس إلى الطاولة مُجهزًا بأسئلة للمحاور (فبعد كل شيء، تلك فرصتك الوحيدة لمعرفة ما إذا كان الشاغر والشركة مناسبين). لكن عند تعاملك مع الاحتراق الوظيفي، فالأهم استخدام جزء الأسئلة والأجوبة لطرح أسئلة محددة حول ثقافة الشركة Corporate Culture. يمكنك -دون ذكر الاحتراق الوظيفي صراحةً- السؤال عن ممارسات الاعتناء بالذات في المكتب، والإجازات المدفوعة، والجدولة المرنة، والعمل عن بُعد. ببساطة: تحدث عن جودة الحياة
إذا كان رئيسك في العمل السابق سببًا في احتراقك الوظيفي، فيمكنك أن تسأل عن أسلوب الإدارة أو ديناميكيات الفريق. إذا ذكرت (جدول دوام مرن) ضمن إعلان الوظيفة، فاسأل كيف تبدو هذه المرونة عمليًا.
تعامل مع الرفض بحكمة
الرفض، للأسف، جزء أساسي من البحث عن وظيفة. عندما تكون مرهقًا وتواجه بالفعل موقفًا انهزاميًا، فإن التعامل مع “ضربات الحياة” يكون أكثر صعوبة. اعترف بمشاعر الأذى وخيبة الأمل.
بعد ذلك، أقر بتحكمك المحدود في عملية المقابلة وركز على المجالات الواقعة ضمن سلطتك، مثل الوظائف التي تتقدم لها ومدى استعدادك لكل مقابلة.
لا تجلب الاحتراق الوظيفي -ثانيةً- إلى شركتك الجديدة!
بمجرد حصولك على الوظيفة، فإن آخر شيء تودّ حدوثه هو انتقال الاحتراق الوظيفي إلى عملك الجديد! يتفق الخبراء على أن أخذ إجازة لإعادة شحن طاقتك هي أفضل طريقة للشفاء من الاحتراق الوظيفي، لذلك إذا تمكنت من قضاء أسبوعين للاستثمار في راحة بالك وجسدك، فأفعل. ماذا لو لمَ يكن بمقدورك ذلك؟ في هذه الحالة، حاول الانخراط بنشاط تنشيطي (التأمل، والقراءة، وقضاء الوقت مع الأصدقاء) والتفكير فيما يثيرك بشأن العمل في المقام الأول.
ليكن هدفك: منح نفسك الأولوية
إن أفضل خطة لتغيير الوظيفة تسير عليها أثناء الاحتراق الوظيفي هي تلك التي تضع احتياجاتك وقيمك في المركز، وتُنسّق في خطوات صغيرة ولكنها ذات مغزى.
تقول (موس): “بعد عامين من مواجهة الموت بسبب الجائحة، تغيرت هويتنا في العمل وتغيرت أولوياتنا؛ ما أهمية العمل؟ هل يستحق صحتي؟ هل يستحق سعادتي؟ إذا كانت الإجابة لا، فأنت تريد التفكير برويّة بشأن ما يجعل عملك أولوية”.
نشرة Morning Brew كنزٌ حقيقي?، وتدوينة Finding a new job is possible — even when you’re burned out -التي قرأتَ ترجمتها لتوّك- إحدى مقترحات كُتّابها ?♂️