لقرون، استمرّت محاولة إجابة سؤال لماذا وكيف يُفترض بنا احتمال الحياة. عن نفسي، أحب منظور ألبير كامو للحياة باعتبارها مهمة سيزيفية متمثلة في دفع صخرة أعلى جبل إلى الأبد.
بعبارة أخرى، فإن الوجود -في جوهره- يتمثل في المثابرة (أو الاستمرارية). يقول كامو:
“يجب أن يتخيل المرء سيزيف سعيدًا بمهمته”.
وهكذا يغدو السؤال: كيف نستمر في احتمال الحياة.. بسعادة؟
لحسن الحظ، نجد الإجابة لدى الرواقيين “The Stoics”. الذين لم يكتبوا عن كيفية الاستمرارية فحسب، بل استخدموا الرواقيّة في مواجهة الأوبئة والمنافي والسجون والحروب.
سنتحدث اليوم عن ..
ماذا نعني بالاستمرارية في احتمال الحياة؟
وقع (جيمس ستوكديل James Stockdale) أسيرًا في هانوي، شمال فيتنام. وأُرسل إلى معسكر حرب اشتهر بمعاملته الوحشية للسجناء. فكيف احتمل 7 سنوات من الظروف الوحشية؟ عبر الرواقية بالتأكيد.
لم تساعد الرواقية “ستوكديل” في تجاوز فترة سجنه فحسب، بل أيضًا على عدم خيانة نفسه وبلده. كان قادرًا على التمسك بقواعده الأخلاقية؛ إذ تقبّل حقيقة أنه ليس بمقدوره السيطرة على ظروفه الخارجية. فأستعاض عن ذلك بإتقان حواره الداخلي والسيطرة على مشاعره.
هذا ما يُدعى بالاستمرارية، والتي لا تعني مجرد “تخطي التحدي”. وإنما التغلّب عليه مع التمسّك بأخلاقك وإنسانيتك. لا تولد الرواقية اللامبالاة، بل القوة.
6 دروس رواقية حول احتمال الحياة
تقبّل قدرك
كما ذكرنا آنفًا، تُظهر الشدائد شخصيتك الحقيقية. لذا، تبنّاها، وأحبب قدرك. احتضن كل لحظة، حتى السيئة -كالجحيم- منها!
أنت تعلم بلا شكّ أن فرصة وجودك ضئيلة؛ ما احتمالية أن تخصيّب “ذاك” الحيوان المنوي لـ “تلك” البويضة التي كانت (أنت)؟ ومع ذلك، ها أنت ذا. لقد تغلبت بالفعل على الصعاب التي تبدو مستحيلة. وجودك نادر وجميل. لذا، حتى معاناتك نادرة وجميلة.
لا يعني قبول قَدرك -بالضرورة- تعايشك مع ماجريات حياتك السيئة. وإنما تقبّل كون المعاناة جزء من الوجود. بعد ذلك، سيسهل عليك احتمال الحياة والتحليّ بالشجاعة للمضي قدمًا. وبحبنا وتقديرنا كل دقيقة نُثبت -لأنفسنا قبل الآخرين- أننا لسنا عاجزين، وإنما نختبر ما يعنيه الوجود فحسب.
لا تتذمر!
إما أن تختار احتمال الحياة وأحداثها أو لا تفعل. بغض النظر عن خيارك، فلن تقلب الشكوى -بالضرورة- الاحتمالات لصالحك. نعم، تعاطف وثقّ بالأخرين. لكن لا تناجي نفسك -وأي أي شخص آخر- أنك ستفشل. لا تشتكي أمام أي شخص أن نهايتك ستكون على يدّ (معاناتك الحالية).
وهذا ما ينقلنا للنقطة التالية..
تذكّر أنها ليست نهاية العالم
ذاك درسٌ قاسٍ بلا شكّ. ومع ذلك، يبقى درسًا قيّمًا.
يحثنا (ابكتيتوس) على عدم أخذ الأمور على محمل شخصي. الأشياء لا تؤخذ منك بل تُستعاد. بعد كل شيء، كان الكون بأكمله موجودًا قبلنا وسيبقى بعدنا.
وبالمثل، كنا موجودين قبل معاناتنا الحالية وسننجو بعدها.
في الحلقة الأخيرة من المسلسل الشهير (بوجاك هورسمان Bojack Horseman)، يقول بوجاك “تغتصبنا الحياة ثم نموت، أليس كذلك؟” فتجيبه (ديان Diane) “أحيانًا.. أحيانًا تغتصبنا ثم نستمر في العيش“.
نعيش رغم -وبغض النظر عن- مدى سوء الحياة. لن تكون حياتنا معاناة دائمة، لكنها مرهونة بالمعاناة. عندما نفقد فرصة ما، أو نخسر أحد أحبائنا، أو نعيش حياة سيئة، فأفضل شيء نفعله -بغض النظر عن كل شيء- أن نحيا باستقامة.
كل مرّ سيمرّ وينتهي. وكذلك نحن زائلون. وليس بمقدورنا سوى التحكم بردّ فعلنا حيال هذه الحقائق.
لا تتقاعس .. افعلها فحسب!
يذكّرنا (سينيكا) بأن نمتلك بعض السيطرة على حياتنا. لكننا بالتسويف نمنح معاناتنا السيطرة الكاملة. وإن أردنا استعادتها، فلا بدّ من العمل على إنهاء تلك المعاناة بأنفسنا.
يستدعي احتمال الحياة التحرّك من جانبنا؛ عبر الاستجابة المنطقية للشدائد، وتحديد مسار العمل الأكثر فضيلة. والأهم: أن يكون ذاك التفاعل / الاستجابة فورية.
اسعى للأفضل، لا تحلم به فحسب
عندما نعاني، قد نرغب في التخلي عن أنفسنا. ربما نشعر باستقرار، ونعتاد رؤية الأمور “مقبولة” فنتخلى عن السعي خلف حياة ثريّة. وهذا مرفوض!
كما أسلفنا، يمكنك إما الصمود أو التخلي عن احتمال الحياة. في الحالتين، ستموت في نهاية المطاف. لكن، وكما يقول ابكتيتوس، قد نموت دون أثر إذا اخترنا عدم الاحتمال. كل شيء ينتهي في مرحلة ما، ولكن القوة .. كل القوة .. في اختيار الاستمرار. ستنتهي المعاناة إما لأننا جاهدنا لإنهاءها أو لأننا.. أموات!
يمكننا قبول وجود المعاناة، لكن لا يزال يتعين علينا محاربتها. لا ترضى.
توقف عن تعذيب نفسك
قد تكون معاناتنا -في الغالب- من صنع أيدينا. عندما تظهر الصعوبات، فإننا نأخذها أحيانًا على محمل شخصي. من المهم أن تتحمل المسؤولية عن الأفعال التي تسبب المعاناة، لكن ألا يمكننا فعل ذلك دون أن نعاني؟!
بدلاً من قول “فقدت وظيفتي لأنني كسول وغبي” لما لا تقل “فقدتها لأنني لم أفيّ بمتطلباتها” الفرق بين هاتين الجملتين هو أن إحداهما تعكس حُكمًا والأخرى تعكس حقيقة. نعاني أقل عندما نُحدد بعقلانية مُسببات الأشياء.
وصف أنفسنا بالغباء لأننا فعلنا شيئًا ما لا يحل المشكلة ويجعلنا نشعر بالسوء. تحدث الأمور السيئة لأنها تدخل في تكوين طبيعة الحياة. يصعّب أخذ الأمر على محمل شخصي حل المشكلة بفعالية. في حين يمكن للاعتراف بأنه لم يكن خطؤنا تمامًا (= بنسبة 100%) أن يمنحنا الشجاعة للتصرف.
رائعة حقا❤ في الوقت الحالي لا أكف عن قراءة مدوناتك فيها شيئ يجعلني أكملها حتى النهاية رغم طولها،
لا يمكنك تخيّل كم أسعدني تعليقك؛ إذ كنت أخشى ألّا يُحب جمهور المدونة فكرة التدوينات الطويلة🏆
بوركت كلماتك أختي حفصة ♟