خلال عملي مستشارًا ومدربًا في رديف، يشاركني المشتركون آرائهم المسبقة عن التدوين؛ للأسف، معظمها مغلوطة. ولهذا أسميتها (أساطير وخرافات)، وإليك بعضها:
أساطير عن التدوين
الأسطورة #1: يجب أن تكون كتاباتك غير مسبوقة!
ربما كانت الحجة الإبداعية الأكثر تكرارًا ::
بدايةً، هل تعلم أن سبيل الابتكار يمرّ بالتقليد؟
ثانيًا، إليك كيف أفكّر في الإبداع (وفي الحياة عمومًا):
- جِد شيئًا يُثير فيك مشاعر سلبية (أو يُثير فضولك)
- اكتب عنه
الفكرة: لو أنك وجدت الأمر مربكًا أو مثيرًا للاهتمام، فغالبًا سيكون ذاك حال الكثيرين. قد يقول قائل: لكن المعلومات موجودة على الإنترنت في مكان ما!
هذا صحيح نظريًا.. لكننا لم نعد نستخدم غوغل في إيجاد ما نبحث عنه.
على الطرف الآخر، كثيرًا ما نجهل جهلنا بشيء حتى يتحدث أحدهم عنه أمامنا؛ في بعض الأحيان عندما أكتب تدوينة أو عدد نشرة بريدية، يُشاركني البعض تفصيلًا كنت غافلًا عنه. فأُضيفه ممتنًا.
تخيّل روعة تكامل المعلومات، وعِظم القيمة التي تصنعها لجمهورك (عزيزي مُبتكر القيمة ?)!
أزيدك من الشِعر بيتًا: في عالمنا المتسارع، تتغير التفاصيل الدقيقة حول كيفية القيام بشيء ما في السنوات الخمس الماضية، وغالبًا لا يوجد الكثير مما كُتب عن تلك التغييرات في عام 2024!
وأخيرًا وليس آخرًا، أفترض معرفة الجميع بمقدار حبي للتدوين الشخصي. تُعجبني فكرة اختلاف منظورنا للأشياء. على سبيل المثال: هكذا أرى الموت .. وهكذا رأه علي صُغير.
الأسطورة #2: يجب أن تكون خبيرًا
إذا كنت تُتابعني، فمن المحتمل أنك تعلم عن نيتي تعلّم محرك الألعاب مفتوح المصدر Godot. هل تعلم ماذا فعلت عقب تنصيبه على جهازي؟ حجزت استضافة واسم نطاق لسرد رحلة تعلّمي!
أؤمن وبشدة أن المرء لا يحتاج لأكثر من معرفة معلومة أو اثنتين أكثر من القارئ حتى يبدأ رحلة التعليم. بل حتى لو كنت قد تعلمت الأمر بالأمس، فالمؤكد أنك تسبق الكثيرين بخطوة بسيطة!
الأسطورة #3: يجب أن تكون متأكدًا مما تكتبه بنسبة 100%
لسنا رواد في المجال، ولا معلمين دينيين ليتوجب علينا ذلك!
وما لم تكن تتصدر للحديث في المسائل الحساسة، لن يُلاحقك أحد قضائيًا لو أخطأت.. منطقي، صحيح؟
التدوين الشخصي -في جوهره- بحث واستكشاف واستدراك، وإن شئت إزالة اللَبس والمسؤولية عنك، استخدم عباراتٍ على غرار:
- بحسب معرفتي
- بحسب فهمي
- هكذا والله أعلم
- إلخ..
المهم عندي أن تدوّن!
الأسطورة #4: كتابة تدوينات مملة أمرٌ غير محبّذ
يحتّم واقع النشر على الإنترنت دعم المحتوى المثير للاهتمام، وتجاهل المحتوى الممل. لذا لا أشكّ في رؤية جمهورك محتواك أكثر إثارة للاهتمام مما هو عليه بالفعل، لأنهم -على الأرجح- يرون أفضل ما لديك.
على الطرف الآخر، لا يمكنك حقًا تخمين ما قد يراه الناس مثيرًا للاهتمام، وربما تمتلك -شخصيًا- عدة أمثلة على منشورات ظننتها ستتحول لـ”تريند”، فإذا بها تمرّ كـنسمة على أذهان جمهورك. وأخرى ظننتها بلا قيمة، فوجد عداد التعليقات والتفاعلات على وشك الانفجار!
بالنسبة ليّ، أحاول ألا أقلق كثيرًا بشأن التوقعات المسبقة. وهنا، أرشّح لك مشاهدة فيديو “How I Won the Lottery” لداريوس كاظمي(*) حول تشبيهه النشر على الإنترنت بشراء الكثير من تذاكر اليانصيب، وكيف يرى أفضل طريقة “للفوز” هي تكثيف النشر.
الأسطورة #5: عليك شرح كل مفهوم
لم يعد مستغربًا أن يحاول البعض التدوين عن مواضيع متقدمة (مثل “العلامة التجارية الشخصية لا تعني التخصص“) مع تضمين تعريفات قاعدية للمبتدئين؛ معنى العلامة التجارية الشخصية مثلًا.
تكمن المشكلة في أنه ينتهي بك الأمر إلى كتابة شيء يبدو وكأنه لم يُكتب لأي شخص: سيشعر المبتدئون بالارتباك (من الصعب جدًا نقل شخص ما من “ليس لدي أي فكرة عن العلامة التجارية الشخصية” إلى “كيف تبني علامة تجارية شخصية مثل سيث جوردن” في تدوينة واحدة)، وسيملّ القراء المخضرمون -وربما ينزعجون!- من التعريفات المُبسّطة للغاية.
ووجدت أن أسهل طريقة للبدء هي اختيار شخص والكتابة له: يمكنك اختيار صديق/زميل عمل/مجرد نسختك السابقة ببساطة.
قد تبدو الكتابة لشخص واحد فقط “مُقيّدة”؛ ماذا عن جميع الأشخاص الآخرين؟.
ولكن للكتابة التي يسهل فهمها لشخص واحد (بخلافك!) فرصة جيدة لأن تكون سهلة الفهم للعديدين.
أنا أشعر بذات الشعور.
أعتقد أن السبب في “اتساع” الفجوة بيني وبين من أكتب له بمرور الوقت، والحل بسيط: أطلق مدونة جانبية (كما فعلت أنا بإطلاقي مدونة مصادر الموصللي)
الأسطورة #6: المشاهدات مهمة
لقد ألقيت نظرة على تحليلات مشاهدة الصفحة كثيرًا في حياتي، ولم أحصل على أي شيء منها مطلقًا.
على عكس مثل هذه التعليقات ? (والتي تعني لي الكثير?)
وجائزتي لهذا العام/ كما ذكرت في منشور Ko-Fi/
إذا ساعدت شخصًا في تحسين حياته أو نفسيته أو تغيير أفكاره للأفضل، فكأنك ساعدت الناس جميعًا.
المصدر Some blogging myths، عن طريق تدوينة أستاذنا عبدالله المهيري. غير أنني تصرّفت فيها كثيرًا!
ولأكون صريحًا، فقد ذكر كاتب التدوينة أسطورتين أخريتين لا أتفق معهما.
الأسطورة #7: المحتوى الطويل أفضل دائمًا
يقول المدّون:
أقدّر التدوينة التي تغوص في عمق الأشياء، ولكن بصراحة، هذا ليس من اهتماماتي حقًا. أفضل أن أقرأ مقالًا قصيرًا، وأتعلم بعض الأشياء الجديدة، ثم أمضي قدمًا. وهذه طريقة تعاملي مع الكتابة أيضًا. سأشارك بعض الأشياء المثيرة للاهتمام ثم أترك أي شيء إضافي لتدوينة أخرى. بالنسبة لي، يُجدي ذاك نفعًا لأن التدوينات القصيرة تستغرق وقتًا أقل في الكتابة. من الواضح أن هذا تفضيلي الشخصي: التدوينات القصيرة ليست "أفضل" دائمًا، لكنني أحبها أكثر. إنما غالبًا ما أرى الأشخاص يقعون في مصيدة رغبتهم في تضمين كل شيء في تدوينة واحدة ثم لا ينشرون أي شيء مطلقًا، وأعتقد أن الأمر يستحق التفكير في جعل تدويناتنا أقصر ونشرها.
صحيحٌ أنني أشجع التدوين بكافة أشكاله، إنما لا أريد أن ينتقل شكل محتوى شبكات التواصل القصير إلى التدوينات!
في داخل كلٍ منّا بحر من المعلومات والمشاعر والأفكار، والوقت ضيّق، ونُحارب في انتباهنا بكثرة المُشتتات، فحريٌ بنا بذل قصارى جهدنا في حربنا تلك. ألا تسعى لإفادة بني جنسك؟ بلى! إذًا، كيف ستأتي الفائدة من تدوينة قوامها 300 كلمة (أو حتى 600!)؟
اللعنة على السيو SEO ?. لست أتحدث عن معاييره، ولا أودّ رؤيتك تحشو تدوينتك. إنما فقط امنح الفكرة حقّها.. لا أكثر ولا أقل.
الأسطورة #8: يجب على الجميع التدوين
يقول المدّون:
أصادف أحيانًا نصيحة مفادها "التدوين رائع! التحدث أمام الجمهور أمر عظيم! يجب على الجميع أن يدوّنوا ! ابنِ علامتك التجارية الشخصية!" التدوين ليس للجميع. لا يملك الكثير من المطورين المذهلين مدونات أو مواقع ويب شخصية على الإطلاق. أكتب لأنه ممتع بالنسبة لي ويساعدني على تنظيم أفكاري. هذا كل شئ حتى الان!
حسنًا، ربما كان يخصّ المبرمجين والمطورين بنصيحته. ربما كان معتادًا على ما يسمونه (الكود النظيف Clean Code).
لكن التدوين أمرٌ مختلف، التدوين شأن إنساني وغايةسامية؛ لا مكان للآلة فيها.
ندوّن لأن العالم يحتاج .. كل .. شخص .. منّا. وإلا ضاعت معارفنا -بل وحياتنا- سدى!
(*) الفيديو مُترجم في العدد #4 من نشرة نقش أمّ كتابة؟
مقال رائع كعادتك أستاذ طارق، التدوين أمر مذهل، يُشعر الكثيرين بأنهم ليسوا وحدهم في هذا العالم، وبالنسبة للكاتب فكما قلت …. شعور رائع ان تساعد تدوينتك أحد أو تضئ في عقله فكرة او تكون كرسالة له في وقت تيه … تماما كما هي تدويناتك للكثيرين ..
دمت مبدعا ودام تدوينك
لو كان تعليقك الاستفادة الأولى من التدوينة، لكفتّني..
شكرًا أختي حنين على لطفك البالغ 🙏
مُبدع في خلق الكلمات كعادتك أستاذ، لطالما وددت الكتابة عن التدوين ولكنها فكرة عظيمة جدًا أخاف اصغّرها بحق قارئي، لكنني وجددت تدوينتك مجدية ومنظمة، شكرًا لك على هذهِ التدوينة الرائعة.
سعيدٌ بتعليقك آ. حصة،
وأنا أيضًا شعرت أنني لم أمنحها حقّ قدرها، ولكنني أحاول..
😉