لفت نظري الصحفي وصانع المحتوى مُؤَازِر صالح في تدوينته حول الكتابة إلى أن الأفكار تتولدّ بفضل الاحتكاك العملي بالآخرين عبر قصصهم وتجاربهم وما مرّوا به في حيواتهم.
“الآخرون هم الجحيم”
لطالما وضعت آلاف الحواجز الفاصلة عن الآخرين، وآمنت لسنواتٍ كثيرة أن القراءة أكثر من كافية لتكويّن الكاتب المُثقف. ثم اكتشفت -وأنا أغلق رواية “وبعد” الموضوعة في حِجري- أن قصة الراكب خلفي، لنُسمّه رديف تجاوزًا، تنبض بالحياة أكثر من عشرات الكُتب!
لم ألتقط الكثير من المعلومات، رغم محاولتي الحثيثة التنصّت على حديثه عبر الهاتف، لكنه ذكر أن جواز سفره “حُجز عليه” في مكانٍ ما لأنه موظف. حين عدت إلى المنزل، بحثت عن معلومات حول قرارات (منع السفر للموظفين) لكنني لم أصل لشيء ذي صلة. وإنما وصلت لعدّة مقالات، تتحدث عن الأسباب التي تدفع بالسوريين للتفكير بالهجرة (شرعية كانت أو غير شرعية).
دامت قراءتي تلك المقالات طيلة ساعة كاملة، كنت أتفقد نسبة شحن بطارية حاسوبي المحمول كل ربع ساعة، فأجدها تتناقص بسرعة جنونية، لكنني لست قلقًا بعد أن اشتريت بطارية ثانية. لكن مصدر قلقي الحقيقي هو أن البائع حذّرني -أكثر من مرة- من تهوّري بشراء بطارية حاسوب بـ 20$
تهوّر؟!
بالعودة إلى رديفي، لم يبدو ليّ فقيرًا، خاصةً ونحن داخل سيارة أجرة Taxi، والتي استقلناها -بصحبة راكبين آخرين- وسط طوفان الواقفين بانتظار الحافلة (أجرة الراكب سيارة الأجرة = 7× أجرة راكب الحافلة).
ومع ذلك، أفهم تمامًا دافعه للسفر: الأحوال المعيشية القاهرة.
الكتابة بنت المعاناة
لا زلت عاجزًا عن إجابة سؤال في كورا، مفاده: لما يُقال (الإبداع يولد من رحم المعاناة)؟
أنا أعجز من أن أستطيع نقل (التناقض) بين محاولة خلق طقوس كتابة لشخصٍ ذي معدة فارغة، ومع ذلك سأحاول.
ما تعريف الإبداع؟ يراه البعض على أنه الإتيان بجديد أو إعادة تقديم القديم بصورة جديدة أو غريبة. لكن بالنسبة ليّ:
هو نقل معاناة الآخرين بأقصى شكلٍ ممكن.
نحن نتعاطف مع شخصٍ يُحدثنا عن الحرمان.. فقدان الأحبّة.. لحظات الضعف، أكثر مما لو حدّثنا عن مرارة الفراق مثلًا! نراه -في الحالة الأولى- يتحدث بلسان حالنا، في حين يتحدث بلسان حاله هو في الحالة الثانية.
لا توجد خاتمة للحياة!
الجزء السابق > بناء الذكريات بديلًا عن السعي خلف المجد الشخصي