|
|
|
“لقد خلقت في فيلمي رجالًا قابلين للكسر”
|
|
هكذا وصفت المخرجة الفلسطينية مها الحاج شخصيات فيلمها “حُمّى البحر المتوسط”.
|
سياق الفِلم متوقع إلى حدٍ كبير. لن أفسد عليك أحداثه، حيث ستتأكد من كلامي بعد مشاهدته. وستتأكد أيضًا أن بمقدور القصص المعتادة والبسيطة –بل والمكررة- أن تلفت الانتباه، وتكسب الجوائز.
|
|
|
حسنًا.. غيّرت رأيي، سأروِ قصة الفِلم باختصار: مشروع روائي مكتئب، يتعرف على شخص يمتلك شخصية وتصرفات غريبة (على عالم الكاتب إن شئنا الدقة)، ثم تأخذ الأحداث منحى مختلفًا حين يطلب الكاتب من جاره إدخاله عالم الجريمة لغاية في نفسه.
|
في خاطري بضعة تعليقات أودّ مشاركتها معك:
|
- ربما توجد أجندات تبرر ترشيح الفيلم، لكنني لست معنيًا بهذا.
-
لن تعلم أي محاولاتك ستدخلك باب المجد، ولا تستبعد أن تكون الأولى (كما حدث مع عزيز محمد مؤلف رواية الحالة الحرجة للمدعو ك. حيث ترشّحت روايته الأولى/المذكورة لجائزة البوكر العربية.
|
-
لسنا بحاجة للمزيد من قصص الأبطال الخارقين، وإنما لقصص انتصارات الأشخاص العاديين على المشاكل اليومية.
|
فالشجاع هو من يواجه الحياة، لا الموت. كما يقول (جلال) في الفِلم. أو كما يقول إميل زولا، على الروائيّ أن يكتب عن الحياة العاديّة، عن العاديّ؛ أن يُقدّم لمحة/ نتفة من الحياة الإنسانيّة، يُحرِّكُ شخوصًا أحياء وحقيقيين في وسط حقيقيّ، يصفُ ما يلزم وصفه، يبتكر ما يلزم ابتكاره، ومن ثمّ يجلس بعيدًا، يراقب تصرّفات هذه الشخصيّات التي لدى كلِّ منها ما تتصرّف به إزاء الآخر وإزاء نفسها.
|
-
وأخيرًا، ربما تلخّص الآية الكريمة (وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى) ما أودّ قوله.
|
بالمناسبة، أجّلت مشاهدة الفِلم طويلًا، تمامًا ككتابة ونشر هذا العدد. لست من النوع المسوّف، على العكس.. أعشق اختبار الأفكار الجديدة.
|
|
|
إنما يُلازمني بؤس شديد، وللتعامل معه ألجئ للحديث الداخلي، والذي يُلقي بظلاله على الكتابة.
|
أظن الشهر يحمل عنوان (إحباط). كسرت ذراعي بطريقة ساخرة؛ فقدت توازني أثناء اعتلاء درج بسيط، واتكأت على باطن كفيّ قبل أن تتلقفني الأرض. فكانت النتيجة أن أمتص مرفقي الصدمة بين صلابة الأرض وثقل جسدي.. فانكسر جزء منه.
|
|
|
هل يمكنك تخيّل حجم إحباط موقف كهذا على كاتب؟
صحيحٌ أنها الذراع اليسرى. لكنني بذلك أصبحت كطائر يحاول الطيران بجناحٍ واحد، ربما ينجح، لكنه سيطير في دوائر!
|
وأنا فعلًا أحيا في دوائر مُفرغة من الإحباط والشك الذاتي والرغبة في الانتحار.
|
ربما من المفيد أن استفيض.
أنا الابن البكر لعائلة تكره الأطفال. خاصةً أميّ التي صرّحت أكثر من مرة بأن إنجابنا جاء "فرضًا" من والدي. والدي الذي ظلمته للتو؛ فهو يحب الأطفال ربما .. لكن إلى أن يصلوا سنّ المدرسة وتزيد مصاريفهم، وبعدها يتقلب الحُب إلى رغبة في التحدي.
|
كنا نعلم، ونحن أطفال، أن والدي سيوبخنا على كل خطأ .. "كل خطأ أو زلل" حتى لو كنّا نمرّ بالموقف لأول مرة.
|
والجميع يعلم أن نظرة الأب الغاضبة/ الحازمة / اللائمة تزرع الرعب في قلب الطفل، فما بالك إن رافقتها كلمات تقريع.. أو حتى صراخ؟!
|
ولم تكن والدتي بأفضل حالٍ منه. إذ كانت مثال الزوجة المُستضعفة التي تفرّغ إحباطها في أطفالها. اضف إلى ذلك كرهًا غريبًا لهم، فينتج عن ذلك جو أسريّ أقرب لساحة حرب.
|
وباعتباري شخصية قيادية، فكنت دائم التشبّثت برأيي في "ساحة الحرب" تلك. ولم أهتم إن وصفني الناس بالعنيد أو "التيس: بحسب المصطلح الشائع". حيث انصبّ تركيزي على أن أكون صاحب القرار والاختيار [فبكل الأحوال، سيقع اللوم عليّ]
|
الآن، من يمتلك اطلاعًا بسيطًا على علم النفس، يعلم أن الانغلاق على الذات والتعصّب لرأي أو موقف معين دليل ضعف وخوف وقلة ثقة بالنفس.
|
على الطرف الآخر، كان الصدق مبدأ أساسي في حياتي. لكن المجتمع نهش أوصاله تحت ذريعة (المجاملات الاجتماعية). بل كثيرًا ما جعل من الصراحة مادة للكوميديا السوداء
|
|
|
وهكذا، تمسكت بصدقي وشككت بصدق الآخرين. فكانت النتيجة عدم أخذ أي مجاملة –منطوقة أو مكتوبة- لكتاباتي/شخصي على محمل الجد.
|
ما نتيجة هذه التوليفة برأيك؟
كاتب يشكّ في نفسه ويتهمها بالإهمال وانعدام الفائدة، كاره لذاته وللمجتمع حدّ اليأس من إصلاحهما، والأسوء: متحجر الفكر، فلا يقبل نصيحة أحد ولو كانت فيها نجاته. ولهذا كله، يكون الانتحار خير مهرب.
|
|
|
|
كثيرًا ما توقفت أثناء كتابة العدد لأسأل نفسي: ما جدوى ذلك كله؟ ماذا سأستفيد من العدد الأول؛ لا إعلانات .. لا دعم .. لا شهرة ..! وتوصلت إلى مُبررين: 👾 حُبي للجمهور. نذرت حياتي للكتابة الرقمية، ولا أتخيّل نفسي خارج إطارها. أستمتع بالكتابة لجمهور كورا وجمهور مدونتي والعملاء المحتملين، وربما حان الوقت لجمع هؤلاء تحت سقف واحد. 👾 إيماني بالخطوة الأولى. وحاجتنا لنشرات بريدية أكثر. صحيحٌ أن صناديق الوارد لدينا ملآة، ولكنني أعلم أننا نتفقدها –بين الحين والآخر- بحثًا عن شيء مختلف ومميز.
|
|
|
لكن لحظة! ألا يُفترض طرح سؤال أعمق.. على غرار:
|
لماذا استمر بالكتابة أصلًا؟
ثمّة لذّة في أن يستهزأ الآخرون بما تعمل / في ذات الوقت يعجزون عن تقليدك. نعم، سيسخر الكثير مما تفعله. ربما لهذا السبب لا زلت غير قادرٍ على إخبار من ألتقيهم أول مرة بأنني كاتب أو مدون أو حتى مُترجم. وتجدني متمسكًا بالوصف الوظيفي السابق: مُحاسب.
|
ربما في ذلك شيء من الغرور بألّا يفهم الشخص معنى مدون، أو ضعفًا أمام نظرته الفارغة، أو السؤال الذي بتّ أتوقعه: "وهل تكسب جيدًا؟". السؤال الذي لم أسمعه في أي عملٍ سابق.
|
قرأت تدوينة ثمانية عن "خيانة المؤلف". ولست معنيًا هنا بالجدل الدائر حول الموضوع. إنما سؤالي: لما قد يرفض كاتب بنشر أعماله غير المكتملة بعد وفاته؟
|
|
|
طُرح عليّ سؤال: ألا يكفي أن يتأثر شخص بما تكتبه حتى تصرف عنك الأفكار السوداوية؟ وهذا ما يُعيدنا لمعضلة (تزلف المجتمع) آنفة الذكر. ثم إن مشكلة الكتابة أنها الأداة الوحيدة التي بحوزة الكاتب:
|
\̅_̅/̷̚ʾ إن أراد التعبير عن مشاعره .. أمسك قلمه. \̅_̅/̷̚ʾ إن أراد تغيير واقعه .. أمسك قلمه. \̅_̅/̷̚ʾ إن أراد لقمة العيش .. أمسك قلمه. \̅_̅/̷̚ʾ إن أراد الخلود بعد موته .. أمسك قلمه.
|
ما يعني أن الكتابة ليست خيارًا..
|
لكن، لأكون صريحًا، هذه النظرة تمثلني فحسب، لذا ربما كان البعض يؤمن بالكتابة بوصفها أداة تغيير لا وسيلة تحرير فحسب.
|
وأخيرًا، قد يستمتع المرء بما يفعله ولو فُرض عليه، صحيح؟ ربما لا تكون عملية الكتابة –في حدّ ذاتها- ممتعة. لكن خدرًا لذيذًا يغمرني أمام كل جملة تجسّد تمامًا ما أفكر به، أو أحسّ –أقصد الجملة- أنها لذيذة. ولا أمانع تسمية ذلك الشعور "نشوة"؛ تزرع الأمل داخلي بأن تجد كلماتي وقعًا في القلوب.
|
|
|
انعكاس 📼
|
|
|
|
|
ثم أعدت مشاهدته قبل أيام.
|
نادرًا ما أعيد مشاهدة الأفلام، إذ اقتنعت –بسذاجة- أن المفترض بيّ مشاهدة أكبر قدر أفلامٍ ممكن. متأثرًا بفيديوهات على شاكلة (أهم 10 ____ عليك ____ قبل بلوغ الثلاثين)، ومتجاهلًا عدة حقائق، أهمّها: اختلاف الذائقة والأمزجة ودرجات الوعي والقدرة على التحليل.
|
|
|
لهذا السبب، امتنع عن تقديم ترشيحات؛ فإن كانت طرقنا مختلفة، فكيف تريد منيّ منحك خريطة توصلك لوجهة لا تريدها؟!
|
|
نعود للفِلم. رجل ناجح تموت زوجته بحادث سيارة (رغم وجوده معها، لكنه لا يُصب بأذى). الغريب –حتى بالنسبة له- عدم حزنه عليها، والأدهى.. انشغاله بآلة بيع وجبات خفيفة، "التهمت" نقوده. فيُراسل الشركة المصنّعة ليستعيد تلك "القروش".
|
أثناء المشاهدة الأولى، اعتبرت تصرّفه "تحجّر قلب"، لكن اليوم، وبعد مضي 8 سنوات، فهمت أنه تعبير عن التوقف للسيطرة. عانى البطل من تحكم الآخرين في شتى مناحي حياته، بدءًا من زيجته التي "بدت" الخيار الأفضل، وعمله لدى حمَاه؛ عمل حاول التملّص منه في أدنى فرصة.
|
هدم أو (Demolition) فيلم شاهدته أول مرة لأنه يتحدث عن تنفيس الغضب بالتدمير. وشاهدته ثاني مرة لأنه يتحدث عن تفكيك العلاقات للوصول إلى جوهرها.
|
هل شاهدت الفِلم؟ متشوقّ لسماع تفسيرك إذًا. 📝
|
|
|
|
إذًا، لنتحدث عن العلاقات 👤
غالبًا ما ارتبطت كلمة "علاقات" بـ "شبكة". وما أول ما يخطر ببالك حين تسمع الأخيرة؟
|
شبكة العنكبوت .. على ما أفترض .. بوهنها وضعفها.
|
لنأخذ الحُب مثلًا، كيف ينقلب إلى كره؟ حتى الحُب الفطري، بين الأب وابنه..
|
شاهدت قبل أيام مقطع فيديو لما يُسمى (تجربة اجتماعية)؛ شاب ارتكب الفاحشة في غياب أهله عن المنزل. علم والده بالأمر، فطرده شرّ طردة.
|
استمرّ الحال عامين كاملين، حتى جاء صاحب القناة –قناة اليوتيوب- وطلب من الشاب الاتصال بوالده والاعتذار عمّا بدر منه.
|
للأسف، رفض الأب اعتذار ابنه جملةً وتفصيلًا، فأين الُحب؟
|
ربما كان الفيديو مُفبركًا.. ولكن لا يشكّل ذاك فرقًا.
|
وكنت لأخوض معك نقاشًا حول جرائم "قلة الشرف"؛ شاب يقتل أخته أو ابنة عمه لأنها حادثت شابًا، فطعنت –بذلك- شرف "البطل"!
|
|
|