ربما تحدثنا عن (احتضان الجنون) في التدوينة السابقة، لكن ما ستقرأه اليوم يتجاوز الجنون بمراحل!
#7: إياك أن تستسلم أبدًا
صدمت والدتي يديها بضلوعي، مما دفع الهواء للخروج من رئتي. سعلت، وكان “البلغم” يخشخش بعمق في صدري.
ثم صرخت.
قبل ذلك بأسابيع قليلة، أصبت بالتهاب رئوي Pneumonia، وهو التهاب في الجهاز التنفسي يشكل خطورة على الشخص السليم ويُشكّل حكمًا بالاعدام لشخص مثلي. لم تكن لدي القوة لأتمكن من إخراج (البلغم) بنفسي، لذلك علّم الأطباءُ والدتي أن تضع يديها في ضلوعي، وتضغط لتزويد الأخيرة بالقوة اللازمة.
نجح الأمر في البداية، ولكن بعدها حدث شيء رهيب:
تشققت ضلوعي. والأسوأ من ذلك، كانت العظام تتجمع وتتكسر أكثر في كل مرة تساعدني أمي على السعال.
لكننا لم نستطع التوقف. وإلا كان الأطباء متأكدين تمامًا من أنني سأختنق وأموت.
لذلك، كانت والدتي تضغط مئات المرات -حرفيًا- في اليوم، على “ضلوع مكسورة”. صرخت ، بكيت، توسلت أن تتوقف. وبعقلية طفل، لم أستطع أن أفهم لماذا كان عليها أن تؤذيني كثيرًا. حتى اليوم، أتعجب من أنها استطاعت أن تجبر نفسها على القيام بذلك.
لكنها فعلت. ولأسابيع عدّة.
ذات ليلة، عندما كنت مستلقية على سريري أتنفس وأئن، أحضرت هذه اللوحة الصغيرة المأخوذة لاقتباس من ونستون تشرشل ووضعتها على المنضدة بجانبي.
قالت: “قل الكلمات”.
هززت رأسي. “هذا مؤلم!?”
قالت: “اهمسهم إذن،” وهكذا فعلت.
كل ليلة، كانت تضغط على ضلوعي عشرات المرات قبل الذهاب إلى الفراش، وكل ليلة، كانت تجعلني أهمس تلك الكلمات.
إياك، وإياك، ثم إياك أن تستسلم
خزعبلات؟ ربما، لكنها نجحت. ولم أستسلم أبدًا، ليس لأنني كنت قويًا أو شجاعًا أو مميزًا، ولكن لأن والدتي لم تسمح لي بذلك.
والآن أريد فعل نفس الشيء لأجلك.
عاجلاً أم آجلاً، نصل جميعًا إلى نقطة في الحياة تصبح فيها اختباراتنا الشخصية لا تطاق. يتحول الإصرار إلى اليأس، وتغدو الثقة بالنفس شفقة على الذات، وأملنا في غد أفضل يتضاءل ويموت؛ ليحل محله يقين قاتم بأن حياتنا انتهت.
لكنها ليست كذلك. نحتاج ببساطة إلى شخص يذكرنا بأن الانتصار على الشدائد لا يعني أن نكون الأقوى أو الأذكى، فلا وجود للإنسان “المثالي” الذي يمكنه التغلب على أي شيء تواجهه الحياة.
إن أعظم الانتصارات يحققها الأضعف، الذين يعيشون في أحلك الأوقات، في مواجهة الوحوش التي تجعل حتى الأبطال الأشداء يجبنون ويهربون. غرّدها ولك الأجرومع ذلك هم ينتصرون. ليس من خلال الثروات أو العبقرية أو حتى الحظ، ولكن من خلال الجزّ على أسنانهم، وتثبيت أقدامهم، والصمود في وجه العاصفة. هم لا يهزمون المصائب. وأنما يبقون بعدها، ويتشبثون بعناد في مكانهم، ويتلقون ضربة تلو الأخرى، ويصرخون في تحدٍ في وجه الريح حتى تتشقق شفاههم ويختفي صوتهم، ومع ذلك لا يزالون يجدون القوة للهمس، “لن أستسلم أبدًا“.
يمكنك أن تكون واحدًا من هؤلاء. أعلم أنك تستطيع، ولذا جئت إلى هنا لأخبرك:
اليوم ، قد تشعر أنك فقير جدًا أو مريض أو غير محظوظ للوصول إلى أحلامك ، لكنك لست شعورك.
اليوم، قد تشعر بالتعب أو الاكتئاب أو الحزن لدرجة أنك لا تستطيع المحاولة، لكنك لست شعورك.
اليوم، قد تشعر أنك منبوذ، منسيّ من قبل أصدقاؤك أو عائلتك أو أي شخص قد يساعدك، لكن مرة أخرى، هذا ليست أنت.
ما زلت تتنفس يا صديقي. هذا كل ما يتطلبه الأمر للعودة.
لذا قلها معي الآن، هيّا بنا
“لن أستسلم أبدًا.”
قلها. آمن بها.
حينها ستستشعر أنك بدأت الرحلة لتصبح شخصًا لا يمكن إيقافه أبدًا.
إلى هنا تنتهي ترجمتي لتدوينة: 7Life Lessons from a Guy Who Can’t Move Anything but His Face. فلما لا أتحدث عن بعض دروسها التي طبقًتها في حياتي.
حين بدأت قراءة التدوينة، ووصلت إلى عبارة
أسمعك تقول: (لكن جون، أنت لا تفهم! وضعي ميؤوس منه..)
كنت أحيا ضمن أفضل الظروف الحياتية على الإطلاق؛ إذ مرّت سنة على انتقالي النهائي إلى العمل المستقل، وأعمل لصالح شركة نكتب لك بعقدٍ لم أكن لأحلم به.
لكنها اليوم -وأقصد العبارة أعلاه- تُلامسني بشكل يفوق الوصف: إذ عُدت إلى سوريا، حيث تزورني الكهرباء كضيفة مُستعجِلة دائمًا، ومع (التحديّ الوردي?) الذي أخوضه، يغدو الحصول على عمل أشبه بأحلام اليقظة.
بدا الأمر ميؤوسًا منه: إن حصلت على الوظيفة، سأخسر التأمين الصحي، وإن لم أحظى بوظيفة، فسأضطر للعيش في فقر مدقع مدى حياتي. لم يكن هناك طريقة للفوز باللعبة.
وصلني عرض عمل من (ثمانية)، ووافقت قبل أن أتبيّن شروط العمل تمامًا [هذه ثمانية يا رجل، أتمزح؟!]
وصل عرض العمل خلال أقل من ساعة.
ثم انتبهت إلى عبارة جعلتني أتردد لوهلة…
وخلال يومين اثنين، أرسلت فكرتي الأولى. قوبلت بالرفض، فنشرتها على تويتر كسلسلة #ثريد:
ربما قلّة فحسب لم يسمعوا بعد مصطلح #ميتافيرس #Metaverse والذي أحبّ اختصار تعريفها بعبارة: حين تغدو Second Life حياتك بأسرها.?
— م.طارق الموصللي (@T_almouslli) November 11, 2021
وأثناء عملي على الفكرة الثانية (تأثير التكنولوجيا على خيال الأطفال)، حان موعد جرعة الكيماوي. انقطاع بضعة أيام كان كفيلًا بتصفية ذهني ورؤية الأمر على حقيقته: حتى وإن تمكنت من اجتيار الاختبار، فلم أتمكن من الالتزام بعقد يُلزمني بالعمل اليومي.
فأنسحبت.? مفّوتًا على نفسي واحدة من أهم الفرص التي حظيت بها يومًا.
نعم، لم يكن هناك طريقة للفوز باللعبة. لذا غيّرت قواعد اللعبة (كيف؟ سأخبرك في الوقت المناسب)
ومع حديثه عن الألم، شعرت بالضآلة. صحيح أنني فقدت طفلي بتاريخ 2/6/2016، وربما قضيت شهرين لا أجد في منزلي سوى (الزعتر) للوجبات الثلاث، وعُدت -مجبرًا- إلى بلد يعيش فيه الناس لنُدرة الموت **مقولة شعبية**
رغم ذلك كُله، لا يمكن أن أصف نفسي بذو مصيبة.
إلى أن جاءت اللمفوما.
هنا، أظنني استجبت للألم بطريقة جعلتني أضعف. وصل بيّ الحال أن رغبت بإيقاف العلاج الكيماوي علّ ذلك يستجلب موتًا أسرع.
ودخلت حلقة مفرغة من جلد الذات والإساءة لمن حولي لأنني جلدت ذاتي بسببهم، وهكذا..
تمرّ الأيام، أصحو في بعضها لأعاود النوم بغير رغبة، وأصحو في أخرى قبل صياح الديك لأجلس على طاولتي الصغيرة اتأمل (أطفالًا) يجمعون القمامة لبيعها، حتى جاء اليوم الذي توصلت به إلى النتيجة التي ذكرها صديقي (جون) في الجزء الثالث من قصته:
{ حسنًا، هذه حياتي الآن، فما الخطوة التالية؟}
أفقد أسبوعًا من كل اثنين.. لا يمكنني التقدم لمشاريع طويلة.. أعجز عن مغادرة البلاد لأُحسّن ظروفي.. ويتوجبّ عليّ التعامل مع مسؤولياتي كما هي (فليس بمقدوري مثلًا أخذ استراحة من عائلتي!).
هذه حياتي الآن، فما الخطوة التالية؟
بما أنني عاجز عن التعامل مع الأمر بنفسي، فلِما لا أطلب المساعدة من مختص. وهكذا، توجهت إلى طبيب نفسي -أمسّ- والذي شخّص مشكلتي بـ”القلق الوجودي“واصفًا أدوية لمعالجة القلق.
تناولت (أدويتي الجديدة) وخلدت إلى النوم، لكن قبل أن أسقط أسير الأخير جلست أفكر: جميع ما تحدث عنه الطبيب -أو لنقل مُعظمه- أنا أعرفه جيدًا. هل بددت مالي، هل أتراجع؟
لكنني أدركت أنها إحدى رواسب المراهقة، حيث سرعة الانتقال بين الخيارات قبل السماح لها بإثبات جدواها. لذا قررت التريث.
مما حفرّ داخلي من عبارات الطبيب حديثه عن الحرب؛ سألني: مَن بإعتقادك ينتصر في أي حرب؟
حللت سؤاله في عقلي، وخمّنت أنه يُشير إلى ضرورة مقاومة أفكاري السلبية، فأجبته: إنما النصر صبر ساعة.. كانت إجابتي خاطئة!
إذ قال: الطرفان خاسران، ومَن يُدعى بالمنتصر هو صاحب الخسائر الأقل. أنت تخوض حربًا ضد نفسك، فأيًّا كانت النتيجة، ستخرج من تلك الحرب خاسرًا، لما لا تعقد هُدنة مؤقتة الآن؟
هُدنة في سبيل مَن وماذا؟
حدثته عن ميولي الانتحارية، فردّ: وماذا ستستفيد؟ -سأُنهي معاناتي، إن صحّت التسمية [في تلك اللحظة، شعرت أنني أضخم الأمور، فاستخدمت العبارة الحمراء]. فسألني سؤالًا بسيطًا وسهل الإجابة: لو هُيئت لك الظروف لتعيش في بلدٍ أوربي، مع مالٍ وفير، وبيئة داعمة للإبداع، هل كنت لتنتحر؟
أجبته -ودونما تردد- بالطبع لا.
– إذًا.. اصنعها بنفسك.
وهنا حان موعد تغيير قواعد اللعبة
فبما أنني لا أستطيع مقاومة القدر، فأنا لن أتمكن من إتمام روايتي الثانية، لكن بمقدوري تعليم الآخرين فعلها بأنفسهم.
وبما أنني لن أتمكن من تأليف كتاب حول الكسب عن طريق الكتابة، فلِما لا أرشح واحدًا أفادني شخصيًا؟ ? رابط إحالة (سأنشر مراجعة مفصّلة إن مدّ الله في عمري قليلًا)
وبالطبع، لا زلت أتريث في إجاباتي على كورا، كما لو كان صاحب السؤال أعزّ شخصٍ على قلبي ? ?. ومَن فضل الله سبحانه عليّ أنني ألمس النتائج مباشرةً ?
خلاصة القول كما يقول (جون)
بغض النظر عن مدى استحالة الموقف، فأنت لست محاصرًا أبدًا. هناك دائمًا خيارات.