إلتزامًا منيّ بنشر تدوينة يومية (أو الأحرى بعهدٍ قطعته على نفسي)، نشرت تدوينة حملت عنوان مذكرات محتال: ماذا يحدث داخل رأسي العنيد؟ رغم ما بيّ من تعب. جاءت أفكار التدوينة مبعثرة، لكن بشكلٍ ما تمكنت الزميلة أسماء من تجميعها ضمن تعليق عميق (تجدونه أسفل التدوينة المذكورة). اليوم، أفنّد تدوينتي تلك بأفكار أكثر هدوءًا وعقلانية.
لكن قبل ذلك، أودّ تجاذب حديث جانبي معكم.
“لم تُتح له فرصة للحديث!”
عندما كنت استمع مع زوجتي لحلقة البودكاست، أطلقت ضاحكة تعليقًا مفاده أنني لم أُتح للمضيف العزيز فرزت مساحة للحديث. انتابني شعور سيء للحظة بسبب صحة ملاحظتها، فدائمًا ما كنت أسمع ممن حولي: إن أردت أن يُحببك الآخرون، فكُن مستمعًا جيدًا.
ثم انتبهت إلى أنها ذكرت تلك المعلومة، لا اعتراضًا على كوني أخذ مساحتي الكاملة كضيف في حلقة بودكاست، وإنما لتفضيلي الصمت في مواجهة تقلبات الحياة، وما إن مُنحت فرصة حتى انطلقت دون توقف.
لا أظنني وُفقت في شرح مقصدي من ذكر الموقف، لذا سأحاول من جديد.
استمع إلى حلقة البودكاست، ثم لاحظ كيف أن المتحدث الوحيد تقريبًا في ربع الساعة الأولى كان أنا! لا عيب في هذا طالما أنني الضيف، لكنني طوال تلك الفترة كنت أُجيب عن سؤالٍ واحد فحسب. وما هو ذاك السؤال؟
من هو محمد طارق الموصللي.. باختصار؟ -بتصرف-
كنت مضطرًا لاختزال سنوات من حياتي ضمن جُمل مقتضبة، قصيرة، وتحمل الكثير من اللوم للعالم. وهذا ما وضعني أمام سؤال مهم: هل اخطأت في عدم تدوين يومياتي؟
تظهر الإجابة مخفيّة في قولي:
قبل أن أضع رأسي على الوسادة، أجلس بصحبة كوب شاي لأفكر في أحداث اليوم، هل أخطأت بحق أحد؟ هل أنجزت ما كنت أطمح لإنجازه؟
للأسف، غالبًا ما تكون الإجابات سلبية. لا أظنني قادرًا على رؤية الجانب المشرق منيّ.
التفكير (دون تدوين لتلك الأفكار) أدّى إلى إعادة تدويرها دون الحصول على إجابة، خالقًا بذلك المساحة المثالية لنمو الأفكار السوداوية. لأن الصمت أمام هذا النوع من الاسئلة معناه افتقاد إجابة مقنعة، الأمر أشبه بذويّ المريض الذين يسألون الطبيب: هل ابننا بخير؟ فيكتفي الطبيب بالصمت.
لذا أجد نفسي متفقًا مع فكرة المراجعة الشهرية التي طرحتها الزميلة هيفا القحطاني في تدوينتها الأخيرة:
كانت فكرة المراجعة هذه مريحة في حال شعرت بالإحباط أو ظننت بسبب قسوتي على نفسي أن الشهر كان بلا منجزات أو فائدة.
وذلك أيضًا ما يفسّر إصابتي بالارق كل يوم.
لنحظى ببعض المتعة!
أكثر قسم استمتعت بكتابته الذي حمل عنوان وصلت الرسالة، ربما لأنه كان تصويرًا ممتازًا لأحداث ومشاعر معظم ذلك اليوم. حتى السرد كان منظمًا بما فيه الكفاية لتصل الفكرة التي أحملها في رأسي.
بصيص أملٍ ونور
ذكرت في تدوينات مختلفة أن أكثر ما يُعجبني في عالم التدوين هو الإجابات التي أحصل عليها دون أن أطرح اسئلة.
لذلك، حين تلاحقت الأفكار في فقرة: من أين تأتي الأفكار السلبية؟ توصلت إلى أن جذر المشكلة يكمن في (عدم بذلي جهدًا كافيًا). بشكلٍ ما، تقاطعت هذه (الاستنارة) مع تدوينة العَنُود الزهراني: 5 طرق مملة لتصبح أكثر ابداعًا، والتي أكدّت فيها على أن الملل هو الدافع خلف الإبداع الحقيقي، وكيف يكون العمل الجاد والمتكرر والروتيني بذرة لشجرة الأفكار العظيمة.
يبدو أن هذا الموقف المتمثل في «اخرس واذهب إلى العمل» يتبناه معظم المبدعين العظماء، سر نجاح «ستيفن كينج» الأدبي، على حد تعبيره، هو ببساطة كتابة 3000 كلمة يوميًا، بغض النظر عن أي شيء، ثم حذف كل ما هو سيئ (وهو معظمه) [8].
قبل أن يحققوا نجاحًا كبيرًا، عزفت فرقة «البيتلز» 5 أو 6 ساعات يوميًا لمدة عامين تقريبًا كفرقة غير معروفة في النوادي الليلية الألمانية، في وقت لاحق عزا «لينون» و«مكارتني» غزارة إنتاجهم المذهلة وصعودهم إلى الشهرة إلى هذا الماراثون من الممارسة والأداء اليومي، وعلى مدى الثماني سنوات اللاحقة، استمرت فرقة «البيتلز» في إصدار ثلاثة عشر ألبومًا، جميعها حققت نجاحًا هائلاً.
فكرة أن الإبداع يحدث بسبب بعض من الإلهام المفاجئ ما هي إلا خرافة، فالإلهام يحدث من خلال العمل وليس قبله
يتوجب عليّ .. لحظة!
عمّا أكتب اليوم؟ اتأمل جبل علامات التبويب المفتوحة في المتصفح، وأتنقل بينها بعشوائية: تدوينات تنتظر القراءة.. تدوينات تنتظر الترجمة.. أفكار مشاريع قادمة.. صفحة التحرير في زِد.. حسابات تويتر لمؤثرين.. مسودات فارغة لرسائل بريد إلكتروني لهؤلاء.. أتشتت. ثم انتبه إلى نفاد طاقة بطارية الجهاز (والكهرباء مقطوعة)، فأغلقه.
أجلس إلى أوراقي، لديّ عدة أفكار لقصص قصيرة، لكن عقلي يعجز عن استكمالها.
طوال هذه الفترة، تمتلئ منفضة السجائر، فأفُرغها بين الحين والآخر.
لاحظت أن (جبل علامات التبويب المفتوحة) المذكور يُصيبني بالجنون! وكحلّ عملي وبسيط، قررت ألّا أفتح علامة تبويب أخرى -مهما كانت المغريات- قبل أن أتعامل مع الموجود.
وأثناء تصفحي لذاك الكمّ، فوجئت بمن يقرأ أفكاري:
امسح كلمة “يجب” من قاموسك
كلمة “ينبغي علي فعل كذا، أو يجب أن أكون كذا وأتصرف كذا” تقول لنا أن هناك طريقة صحيحة وطريقة خاطئة للقيام بالأشياء، وتجعلنا نشعر أنه يجب علينا القيام بالأشياء بطريقة معينة؛ بينما توجد هناك طرق أخرى أفضل لنا. عندما نفكر أنه لا يوجد لدينا خيار آخر أو طريقة أخرى للقيام بالأشياء، يجعلنا ذلك نشعر بضغوط كبيرة.
يا لها من عباراتٍ عظيمة حقًا تلك التي شاركتنا إياها مدونة رفاق!
أعتبر أن الشعور بضغط كلمة “يجب” ينغص عليّ حياتي: يجب أن تنشر تلك التدوينة.. يجب أن تتواصل مع 10 مؤثرين كل يوم.. يجب ألّا تنشر أكثر من تدوينة واحدة كل يوم!
من قال ذلك بحق الله؟
لالّا يمل قراءك يا فتى؟
عزيزي أنا، لديّ قرابة الـ 140 مشترك في قائمتي البريدية، هؤلاء قرروا أن يضغطوا زرّ الاشتراك طواعية، لأنهم أرادوا ألّا يفوتوهم شيء مما اقرأ. إذًا، سواء أنشرت تدوينة أو 3 تدوينات كل يوم.. أو حتى 10 (لا.. عشر تدوينات كثير!) فهم سيقرأونها جميعها. وبفرض أزعجتهم غزارة إنتاجي (وتلك تبدو كلمة مضحكة!) فسيُلغون اشتراكهم ببساطة.
ألم تسمع ما قاله الرفاق؟
عندما تشعر بضغط كلمة “يجب” ابدأ في التساؤل عن “ما يجب عليك فعله” وتأكد من أن كل ما تفعله، تفعله لأنك تريد ذلك وتشعر أنه الطريق الأنسب لك
لذا، سأنشر كما يحلو ليّ، وطالما وجدت في داخلي حديثًا يرغب في الانتحار.