بعد أن بدأت الشخصيات التصرف على طبيعتها، شعرت أنني ارتبط بها يومًا بعد يوم. ورغم أن هواجس اللاجدوى مما أفعله تعود بين الفينة والأخرى، لكن صوتًا داخليًا يُخبرني أن أستمر.
ذكرت ضمن حلقة البودكاست التي تشرفت بتسجيلها مع يونس أنني أخطط للاستمرار في الكتابة حتى يوم 22 من الشهر الحالي، هذا يعني ألّا وقت لديّ لتضييعه. تقف هذه المعلومة في وجهي كل مرة أفكر فيها بإعادة كتابة الصفحات الضائعة بدلًا من البحث عنها.
أخوض معركة حقيقية مع مخافة (م مخاوف) أن تكون فكرة الرواية تقليدية، أو بالأحرى: أن تأتي معالجتي لها ضعيفة كبيت العنكبوت.
وضعت خطوطًا أولية لسير أحداث الرواية، خطوة متأخرة بلا شك، إنما كنت أعتمد على ذاكرتي في استحضار الأحداث إلى أن شعرت أن تشعبها سيُفقدني سلاسة الفكرة.
الغريب أنه بعد كتابتي للأفكار، أحسست أن عملية إنهاء الرواية باتت أسهل، وداعب الكسل جوارحي حتى كدّت ارتكن إلى النوم دون كتابة سطر واحد. نحمد الله جميعًا أن ذلك لم يحدث، لأنني -وبمجرد أن بدأت مع واحدة من تلك الأفكار- حتى وجدت مجرى الأحداث يتغير نحو أمرٍ لم يكن في الحُسبان. كان أبطال هذا التغيّر هم أبطال الرواية ذاتهم.
اعتراف: لم أكن أصدّق المقولة الشائعة عن امتلاك الشخصيات الروائية حيواتٍ مستقلة، خاصةً أن الأبطال في رواية “سياحة إجبارية” كانوا منقادين تمامًا لقلمي. لكن في هذه الرواية، الشخصيات تتمرد على كل شيء، حتى على سِماتها الشخصية التي افترضتها (أو فرضتها عليها) في البداية.
تؤكد كاتبة أمريكية –لا أعرف اسمها!– هذه الحقيقة حيث تقول أن والدها طلب منها قراءة مخطوطة الرواية قبل إرسالها للطباعة. لكنها كانت مترددة بسبب تضمّن الرواية بعض المفردات غير اللائقة وكان حدسها في محله حين قال لها والدها آنذاك بالحرف الواحد: “لم أكن أعرف أن طفلتي الصغيرة تعرف هذه الكلمات“.
وكان ردها:
“لست أنا… إنها بطلة الرواية هي التي تعرفها ولست أنا”.
وأضافت:
أثناء الكتابة وحين أجلس بتركيز تام وتتدفق الأفكار أفقد السيطرة عليها تمامًا، وتأخذني تلك الأفكار والشخصيات واللغة والمفردات إلى عالم آخر.
الشيء بالشيء يُذكر، قرأت ذات مرة عن رواية تتمرد فيها الشخصيات على الكاتب وتناقشه في المصائر اللواتي اختارهنّ لها. كنت أظنه جاء بفكرة لم يسبقه إليها أحد، إلى أن وجدت أن روايته تلك ربما كانت أكثر الروايات “تصويرًا للواقع” على الإطلاق!