هل تشعر أن ساعات اليوم لا تكفيك؟ أتجد نفسك مشتتًا -باستمرار- بين عدة اتجاهات، محاولًا التوفيق بين أولوياتك وواجباتك؟ قد يصف معظمنا شعوره بالاستنزاف وتعكّر المزاج، أو نشير لعدم الاتزان.
ولمواجهة الأولويات المتضاربة بين العمل والحياة، يقترح البعض “إيجاد التوازن بين العمل والحياة”. فكرة لطيفة.. لكنها ليست بناءة أو واقعية!
لماذا يعبّر “التوازن بين العمل والحياة” عن ثنائية خاطئة؟
يدفعنا استخدام مصطلح “توازن” إلى التفكير في “العمل” و”الحياة” كخيارين متضادين (إما/أو)؛ ما يُوحي بوجود مشكلة تحتاج حلًا، عوض رؤية قطبية “Polarity” يتوجب التعامل معها.
وهنا، يوصي فريق The Center for Creative Leadership (CCL)® بالتخلي عن فكرة التوازن بين العمل والحياة لصالح بديل أفضل: تكامل العمل والحياة.
مواءمة السلوك مع القيم الشخصية لتعزيز التكامل بين العمل والحياة
لا يعني التكامل بين العمل والحياة محاولة تحقيق التوازن “الصحيح” بين الوقت والجهد، وتوزيعهما بالتساوي على التزاماتك، وإنما يشمل الخيارات والمفاضلات أكثر من الوقت.
يعني اختيارك التكامل بين العمل والحياة الشخصية أنك قد تعمل في عطلات نهاية الأسبوع أحيانًا، وربما -في أحيان أخرى- تنشغل بأمور شخصية خلال يوم العمل. والهدف منه: التنقّل -بسهولة- بين الأنشطة الجالبة للسعادة والرضا، بغض النظر عن وقت حدوثها أو مكانها أو ما إذا كنت تتقاضى أجرًا عليها.
يتمتع الناس بـِطاقة عطاء أكبر حينما ينغمسون بأشياء يرونها تُحدث فرقًا حقيقيًا في أمرٍ يعنيهم (سواءً كان تطوعًا، أو عملًا، أو غيرهما)، حتى مع العمل لساعات طويلة.
التكامل بين العمل والحياة معناه الشعور بالنشاط والحيوية تجاه ما تفعله في جميع مناحي حياتك، ما يسمح بتوجيه طاقتك نحو الاهتمام بكل ما يهمك؛ سواءً في العمل أو خارجه.
🚸 هل قرأت الداء والدواء في علم التركيز والانتباه؟

ما الرابط بين وضع الحدود وتكامل العمل والحياة؟
ضبط حدود العمل والحياة أهم من التوازن بينهما؛ ففي حين يعكس التوازن فكرة “غير واقعية” عن فعل كل شيء (بالمقدار المناسب)، تفتح الحدود آفاقًا أوسع للأفراد والمؤسسات على حد سواء.
هذا لا ينفي تباين مقدار المرونة المُتاحة لإنشاء الحدود في حياتنا العملية. إذ يمتلك البعض مستويات تحكم أعلى -أو أقل- في الحدود؛ والمرتبطة -إلى حد كبير- بالظروف أو نوع العمل الذي يؤدونه.
ضبطٌ حدود عالٍ: يُقرر الأشخاص الذين يتمتعون بضبطٍ عالٍ للحدود بين العمل والحياة متى يُركزون على العمل، ومتى يُركزون على الأسرة، ومتى يُدمجون الاثنين. على سبيل المثال، قد يُقررون العمل لساعاتٍ متأخرة لإنجاز مشروعٍ كبير. أو قد يحضرون فعاليةً مدرسيةً صباح يوم عمل (ويعملون نصف يومٍ فحسب). يشعر هؤلاء الأشخاص بامتلاكهم السلطة والقدرة على اتخاذ هذه القرارات وإدارة أي تنازلاتٍ ناتجةٍ عنها.
ضبط حدود متوسط: يشتركون مع سابقيهم -جزئيًا- في قرار التركيز على العمل أو على الأسرة، أو متى يدمجون الاثنين، ولكنهم يمرّون بأوقات يشعرون بألّا خيار أمامهم. فمثلًا، يمكنهم -أحيانًا- منح انتباههم ووقتهم لشؤون الأسرة خلال ساعات العمل، ليعجزوا عن ذلك في أوقات أخرى.
ضبط حدود منخفض: يعجز ذوو التحكم المنخفض في الحدود عن تحديد متى يركزون على العمل، ومتى يركزون على الأسرة، أو متى يمزجون بينهما! وفي معظم الحالات، تحدد نوع الوظيفة التي لديهم، أو ظروفهم الشخصية، أو كليهما هذه القيود.
كلما زادت سيطرة الشخص على بيئة وأسلوب وتوقيت عمله، إضافة لكيفية إدارته لمسؤولياته الأخرى، سهُّل عليه التوفيق بين مختلف جوانب حياته وتحقيق التكامل بين العمل والحياة. كما تؤدي زيادة السيطرة إلى تعظيم الشعور بالاستقلالية والأمان.
لكن ضبط الحدود ليس سوى عامل من ثلاثة عوامل تؤثر على تكامل العمل والحياة الشخصية. لفهم وضعك في العمل والحياة بشكل كامل، عليك تحليل سلوكياتك (ما تفعله حاليًا)، وهويتك (أين تفضل استثمار وقتك وطاقتك)، وسيطرتك المُدركة (قدرتك على تحديد متى وأين وكيف تَفي بمسؤوليات العمل والأسرة).
🔔 وفي هذا السياق، أدعوك لقراءة هل بإمكاننا تغيير الواقع؟ 🎰

3 خطوات لتحقيق تكامل أفضل بين العمل والحياة
إليك عملية من ثلاث خطوات للتخلص من مفهوم التوازن بين العمل والحياة “الضار” وخلق تكامل بين عملك وحياتك الشخصية.
1. تفكّر
حاول -قدر استطاعتك- العيش بِنية صادقة، سواء في العمل أو المنزل؛ لزيادة مستويات طاقتك ومشاعرك بالأصالة والفعالية.
لضمان توافق سلوكياتك مع قيمك، خصّص وقتًا للتفكير وتبيّن ما يعنيك أكثر. ثم تَثبّت مما إذا كنت تُمضي وقتك بما يتوافق مع قيمك.
التزم -طيلة أسبوع- بتدوين كيفية إمضاء فترة معينة (ساعة أو أكثر) من وقتك. واحرص على تدوين دافعك. وبعدها اسأل نفسك: هل تعكس أفعالك قيمك وأهدافك أم تتعارض معها؟
تستصعب الأمر؟ لا بأس، إذًا احصي ما تحب فعله، بما في ذلك مهاراتك وشغفك، وظروف العمل التي تستمتع بها أكثر، وما يُسعدك. ثم فكّر كيف تزيد انغماسك في أنشطة مماثلة.
ربما تحتاج أيضًا للتفكير فيما تفعله الآن بصفته (خيارًا تتخذه) عوض كونه (موقفًا أنت ضحيته). ذكّر نفسك لماذا اتخذت الخيار الفلاني أو لمَ الوضع الراهن عمّا هو عليه.
قد يكون تركيزك منصب -حاليًا- على تجاوز تحدٍّ مؤقت أو انتكاسة. ولكن إذا لم تعد متطلباتك الحالية كافية في المستقبل، أو لم تعد “أسبابك” جوهرية، ففكّر في الخيارات الجديدة التي يمكنك اتخاذها الآن أو بعد بضعة أشهر، بحيث تهدف إلى تحقيق التكامل بين العمل والحياة، لا جعلهما يبدوان متنافيين.
تذكر أن احتياجاتك وتوقعاتك ستتغير باستمرار، لذا دائب على العودة للتفكير وتحديد أهداف قابلة للتحقيق ومتوافقة مع قيمك وأولوياتك الحالية.
لا أود تشتيتك، إنما حبذا لو تقرأ التدوينات الآتية؛ علّ الفكرة تزداد وضوحًا: ما القيم التي تستحق أن نحيا وفقها هذا العام؟ – التوجّه هو المقصد 🏹 (نحو علاقة صحيّة بأهدافنا) – هل يحدد العمل الذي أحبه هويتي؟ 🆔 – كيف أستمتع بحياتي الآن (عوض انتظار تحسّن بعض جوانبها)؟
2. خُض محادثات
يحتاج الجميع دعمًا لتحقيق أهدافهم، وخاصةً المعقدة منها كأهداف العمل والأسرة. بعد تخصيص الوقت للتفكير، تحدث مع أصدقائك وعائلتك عما يمكنك فعله بشكل مختلف مستقبلًا مع إعطاء الأولوية لتكامل العمل والحياة. قد يساعدك البعض في معرفة أفضل طريقة لإدارة وقتك وطاقتك، أو يؤكدون على أهمية حذف بعض المهام من قائمة مهامك. بمقدور الآخرين تقديم التشجيع أو التعاطف أثناء سعيك لتعديل أنماط عملك وحياتك.
قد تحتاج أيضًا إلى التحدث مع مديرك حول مرونة ساعات عملك، بحيث تتمكن من البدء متأخرًا عند الحاجة، أو الانصراف مبكرًا عند الضرورة، أو التعويض في يوم آخر. ذكّر مديرك بأن المرونة في مكان العمل تؤدي مباشرةً إلى نتائج تنظيمية مهمة، مثل تحسين الإنتاجية، وتفاعل الموظفين، وتعزيز ولائهم للشركة.
3. ضع خطة
إذا شعرت بعدم توافق طريقة قضاء وقتك مع قيمك، فحدد كيف تفضّل قضاء وقتك. خصص 5 دقائق لتتخيل نفسك في نهاية حياتك، وفكر: ما الذي عجزت عن فعله رغم أهميته؟ مَن لم تتمكن من أن تكونه؟
الآن، ماذا ستفعل حيال ذلك؟ ضع خطة لتحقيق ذلك، وحوّل نواياك إلى واقع. وهكذا، ستزيد فاعليتك وطاقتك، مما يؤدي إلى شعور أكبر بالتكامل بين العمل والحياة.

مخرَج
قد يكون ضرر محاولة إحداث التوازن بين العمل والحياة أكبر مما تظن! على الجانب الآخر، ربما تُحدث [التغييرات الصغيرة] فرقًا كبيرًا في حياتك، وتعزز قدرتك على أن تكون موظفًا مثاليًا وعضوَا فعّالًا في مختلف أدوارك الأخرى.