كنت في الماضي أرغب في رؤية مواضيع مفيدة يكتبها المدونون وهذا ما يفعله البعض لدرجة تصبح مدوناتهم حول المواضيع وليس فيها شيء عن أنفسهم، الآن أرغب في أن يكتب الناس عن أنفسهم، دعك من دروس البرمجة وتطوير المواقع، أو مقالات عن الكتابة والنشر والترجمة، أو ملخص لكتابة قرأته مؤخراً، كل هذا لا شك فيه فائدة، لكن أخبرني … كيف تعد كوب الشاي؟ لأن هذا ما سأتحدث عنه هنا.
الاقتباس السابق من مدونة أخي الكبير عبدالله المهيري، وأجده -كعادتي- مدخلًا جيدًا لتدوينة صباحية لطيفة.
كيف أعدّ كوب الشاي؟
قبل أن أُجيب عن السؤال، سأتحدث قليلًا عن علاقتي مع (مشروب الشاي) بحد ذاته.
أذكر أن أول مرة شربت فيها الشاي ساخنًا (دون إضافة ماء) كانت قبل 22 عامًا، واعتبرت ذلك بوابة دخول لعالم الكبار. العالم الذي لم أُدرك بأنه (قاسٍ) إلى هذا الحد!
سمعت عن (الشاي الأخضر) لأول مرة حين كنت في الصف الثاني الإعدادي، وقتها أخبرتنا (معلمة اللغة الإنجليزية) أنها تحتسيه دون إضافة سكر. استغربت الأمر لدرجة أنني سألتها: ألا تشعرين بمرارته حينها؟ فأجابت بأنها اعتادت الأمر بالتدريج وأن “كل شخص قادر على التكيّف مع شتى الظروف”.
في الواقع، لم أتمكن من التكيّف.. ولا أقصد مع الشاي المرّ، وإنما مع (ظروف الغربة) ذاتها.
سياحة إجبارية.. أم نفي؟
درسٌ لن أنساه ذاك الذي لقنيّ إياه والدي.
كنا في مكتبه: هو يُجري بعض الحسابات، وأنا أقرأ كتاب (عالم صوفي). وفجأة، بدأ حديثه بالقول: تمسّك بالقناعة يا طارق.
بدا ذلك غريبًا! فلم أشكو يومًا من أي شيء، ولطالما تقبّلت (منح) الله بصدرٍ رحب.
لم أعلّق بشيء، في حين أكمل والدي حديثه: لنفترض أن في حسابك المصرفي 100 ألف دولار لا تزيد ولا تنقص: حيث مصروفك الشهري 10 آلاف، وتجني 10 آلاف. وصديقك يجني ويصرف ذات المبلغ، سوى أن في حسابه المصرفي 110 آلاف دولار. فما الفرق بينكما؟
لم ينتظر إجابتي، حيث قال: 10 آلاف طبعًا، لكنها لا تغيّر من حياتك في شيء، إلّا إذا سهرت الليل تحسده على ما آتاه الله، حينها ستنقلب حياتك إلى جحيم!
دارت الأيام، واكتشفت أن الله سبحانه هو من وضع تلك الكلمات على لسان والدي.. ليقولها في ذاك التوقيت بالذات.
فها أنا أقف الآن موقف (حسدٍ) مما يحظى به صديقي فرزت، ولا أقصد زواجه من يُمنى (بارك الله لهما وفيهما)، بل عن حياته في ألمانيا. وكيف أنه يعيش في دولة أوروبية.. وكلنا نعلم ماذا تعني هذه الكلمة!
بالمناسبة، لم أنسَ يا صديقي الأهوال التي عِشتها في ليبيا ومصر، لكن (لله درّ الحسد ما أعدله.. بدأ بصاحبه فقتله!).
حريٌ بيّ أن أقول: لا أتمنى زوال النعمة عنك يا صاحبي.. والله شهيدٌ على ما أقول. فهي حسرة على نفسي لا حسد.
فنجان شاي بالسُكر
وقلت “فنجان” لا “كوب”، لأنني أحتسي الشاي بكمياتٍ كبيرة ضمن فناجين كبيرة كل مرة، وأفضّل المعبئ (فتلة) على ذاك الذي اعتدناه في بلادنا. فتنظيف الفنجان بعد شربه أسهل، كما أنني أكره أن يعلق فُتات الشاي داخل فميّ.
وقبل أن أختم جوابي عن سؤال أخي المهيري، دعوني أعبّر عن أمنية يجيش صدري بها: أتمنى امتلاك (محضّرة شاي) أضعها على مكتبي.. أقصد طاولتي التي تتسع لحاسوبي بالكاد، لئلّا أقطع تسلسل أفكاري -كل ربع ساعة- بُغية تحضير فنجان شاي جديد!
تمامًا كما سأفعل الآن.
معرض الكتاب
كيف أبدو لكم في الصورة السابقة؟ سعيدًا.. أليس كذلك؟
حسنًا، ماذا لو قلت لكم: أشك أنني مُصاب بالاكتئاب!
نقطة نظام
أؤمن تمامًا أن معظم الحُزن الذي يُصيب معظمنا لا يرقى لأن يكون (اكتئابًا)، بل وأهاجم -وبشراسة- كل من يحطّ من قدر الاكتئاب.
في ذات الوقت، لا أمتلك تعريفًا واضحًا للاكتئاب، ولا رغبة ليّ بالبحث عنه أصلًا!
بالعودة إلى الصورة أعلاه، فقد التقطتها أثناء لقائي مع أ. محمد حسن المهندس ضمن فعاليات معرض الكتاب. وبالحديث عن الأخير، كنت قد خططت لزيارة مختلفة، وجهزت قائمة صغيرة من الكتب لشراءها. لكن ما إن وصلت حتى تملكني شعور غريب!
شعرت أنني لا أنتمي إلى هذا العالم (عالم الكُتب)، وربما لا أنتمي لهذا العالم أصلًا.. استلمت جائزتي من أ. محمد المهندس (مؤسس رقيم)، ورحلت بعدها على الفور!
لا أنكر أنني وقفت للحظات -بحسرة بالغة- أمام الرفّ الذي حمل رواية “شمس“.. تخيلت روايتي مكانها (لا داعِ لمزيدٍ من الإنكار!). ثم رحلت..
السجين 407
لا أعلم ما الذي دفعني لاختار هذه الرواية، رغم علمي المُسبق أنها تنتمي إلى “أدب السجون”، وأنا الذي لم يعد يشاهد الأخبار منذ أمدٍ بعيد.
أظن -والله أعلم- أنني وددت تذكير نفسي: مهما اشتدّت مصيبتك، فمصيبة غيرك أشدّ، وتلك النِعم التي تزهد بها هي ذاتها (حُلم) كل سجين.
لكن في الواقع، أنا لا أشعر بشيء..
التدوين المختصر ليس بذلك السوء!
أمتعنا المدون الجميل (طارق ناصر) منذ أيام بتدوينة حملت ذات العنوان، والتي قارن من خلالها بين كتابة التدوينات وكتابة المنشورات على صفحات التواصل الاجتماعي.
وذكر ضمن تدوينته عبارة استوقفتني لبرهةٍ من الزمن
قلة التفاعل على ما تكتبه مؤثر كثيرا، لا يجب أن نكذب على أنفسنا ونقول أننا لا نتأثر بالتفاعل، ما فائدة النشر في هذه المواقع إذا؟
استوقفتني العبارة لأنني لم أعد أهتم بالتفاعل، ولولا ارتباط عملي بشبكات التواصل الاجتماعي، لاقتديت بالمدّونة نوار طه في اعتزالها وعزلتها.
وهو ما يضعنا -ثانيًا- أمام سؤال..
لماذا أكتب؟
وكأنني كنت في غيبوبة، فما إن لمست أوراق الرواية، حتى شعرت أنني عُدت إلى أرض الواقع.
الواقع الذي يتجاوز التدوينات والترجمات التي أكتبها، يتجاوز (المواعيد النهائية والسهر حتى وقتٍ متأخرٍ من الليل)، يتجاوز الأرق الذي تتبعه ثّلة من الكوابيس!
لكن ذاك الواقع لم يُعجبني، فهو لا يُقدّم خبزًا مجانيًا مع صباحاته، ولا يُنقذني من أصوات أطفالي وهي ترّن في أذني بطلباتهم التي أعجز عن تلبيتها!
لا يمكنني وصف ما أشعر به، فقد تجاوز الأمر (الحُزن العابر) إلى (الرغبة في وضع حدٍ لهذه المهزلة التي تُدعى: الحياة).. أنت تعرف ما أقصده طبعًا.
وبالحديث عن الموت، هالتني الضجّة التي أُثيرت حول موت الكاتب محمد خليفة، وشعرت بسخطٍ مثير للأعصاب لمّا رأيت محاولة الكثيرين ركوب موجة “التريند” واستغلال حادثة موت مؤسفة بهذا الشكل البشع.
لكنني أغبطه يا سادة.. أغبطه من أعماق قلبي.
من الغريب أن أتحدث عن السعادة والصلصة اللذيذة!
في الختام،
إن خيّرتني بين دعمي ودعم أ. عبد الله المهيري، لاخترت دون تردد: دعمه طبعًا!
على الأقل، ستتأكد حينها من أنك تدعم الشخص الصحيح.
كنت في السابق فعلًا اكتفي بالمواضيع “المفيدة” ولعدة أسباب لا أنخرط في الحديث عن نفسي، لكن بعد أن بدأت ذلك اختلفت الكثير من الأمور وقي بدايتها علاقتي مع مدونتي.
وفقكم الله حيثما كنتم 🙂
وشكرًا لذكر مدونتي هنا
أنا متابع جيد لكتاباتك، وأتمنى فعلًا أن تستمري.
بالتوفيق،
أهلًا يا صديقي!
هناك مقولة معروفة: لا أحد مرتاح، الكل يرغب بما عند الآخر. أفكر أحيانًا في المستقبل، كيف سأقضي حياتي في أوروبا، كيف ستكون حياة أولادي، عقدة الهوية، والتي تعاني منها حاليًا زوجتي، التي قضت حياتها في ٣ بلدان عربية، ستكون عند أولادي مضاعفة!
لكن بالتأكيد تبقى أوروبا حلمًا. وعندما تقارن نفسك بالأوروبي هنا ستشعر بالأسى، بالحزن، جواز السفر الذي يقرر ما يمكنك فعله.
أتمنى لك كل الحب والسعادة يا طارق لأنك تستحقها بالفعل.
سعيدٌ بزيارتك، ومباركٌ عليك دخولك القفص الذهبي 3>
أرجو فقط ألّا أكون قد أزعجتك بما قلته، وتلك المقولة التي تفضلت بذكرها وردت بالفعل في روايتي (التي لم تشرّفني بقراءتها بعد).
أما (عقدة الهوية)، فنحن في الهواء سواء كما يُقال. فحتى أنا أفكر: عن أي “سوريّة” سأحدث أطفالي؟ وإن حدثتهم عن تلك التي سبقت الحرب.. هل سيصدقونني يا تُرى؟
دعنيّ أُنهي حديثي هنا (فهو يفتح جروحًا لم تندمل) وأتمنى لك حياةً مريحة وسعيدة. فقد عانيت الكثير وآن لك أن تستمتع قليلًا
هذه ثاني زيارة لي لهذه المدونة.تبدو كشكولا من الجمال والمتعة.
يا مرحبًا بصاحب الخُلق الطيّب،
تشرفت جدًا بزيارتك (الثانية)، أما أنا.. فلا أملّ من مشاهدة الفيديوهات على مدونتك 3>
دمت بخير أخي أحمد